Slideshows

البحرية التركية تنشط في شرق المتوسط

Translator

تُنفِّذ تركيا، بصفتها إحدى القوى الإقليمية الطليعية التي تملك القوّات البحرية الأكثر قوة وتجهيزاً في المنطقة، عمليات في شرق البحر الأبيض المتوسط لحماية المصالح القومية التركية، في وقت يزداد فيه التوتُّر على الموارد الطبيعية الموجودة في قعر البحر. ويُسلِّط هذا التقرير، الذي نشرته مجلة «أم تي» MT، الضوء على الدور الرئيسي للقوات البحرية التركية في حماية مصالحها الحيوية فضلاً عن قوة الأساطيل الرئيسية الأخرى الموجودة في هذه المنطقة.

 

كان من شأن اكتشاف احتياطات النفط والغاز الطبيعي الغنية في شرق البحر الأبيض المتوسط، التي كانت تعتبر في ما مضى حافزاً على السلام والاستقرار والتعاون في المنطقة، أن تحوَّلت مع الوقت مصدراً للتوتُّر والنزاع. وبات الواقع أنّه كلما تعاظمت تلك المصادر كلما اشتدت حدة هذه النزاعات. وقد يكون للتوتُّرات الناشئة في شرق البحر الأبيض المتوسط تأثيرٌ مُخِلٌّ بالاستقرار في المنطقة. كما أن النزاعات على ترسيم حدود «المناطق الاقتصادية الحصرية» EEZ وحقوق التنقيب عن حقول النفط الطبيعي قُبالة الشواطئ، تتسبَّب في ازدياد التوتُّرات والمخاطر بين «الجمهورية التركية لقبرص الشمالية» TRNC وجمهورية قبرص، وتركيا، واليونان، ومصر، وإسرائيل ولبنان. أمّا الهاجس الدولي الطاغي فهو إمكانية نشوب حرب إذا لم يتم التوصُّل إلى حلّ لهذه المسألة.

وجرى اكتشاف حقول الغاز في «تامار» Tamar و«ليفياثان» Leviathan و«زوهر» Zohr  و«كاليبسو»  Calypso بين العامَين 2009 و 2018. وتستشرف كلُّ من إسرائيل وقبرص ومصر وسائل جديدة لاستغلال هذه الحقول، متجاهلةً إلى حدٍّ كبير المطالب والحقوق المُعلَنة لكلٍّ من تركيا، وقبرص التركية، ولبنان.

وفيما يغدو مدى الاكتشافات النفطية أكثر وضوحاً، ينبثق محورٌ جديد بين الدول الآنفة الذكر لمُجابهة تركيا. فبالإضافة إلى الاتفاقيات حول استغلال الثروات الكامنة في البحر، وقَّعَت اليونان وقبرص أيضاً اتفاقياتٍ مع إسرائيل ومصر للتعاون في الحقل الدفاعي بغية حماية ثروتها الجديدة من التهديدات المحتملة. وتُعزِّز هذه الدول الأربع ببطءٍ، لكن بثبات، تعاونها الاستراتيجي وتُقوِّي الروابط بتمارين عسكرية مشتركة ومنتظمة. وتطمح إسرائيل إلى تحسين علاقاتها العسكرية مع اليونان بغية مجابهة توسُّع النفوذ الإقليمي لتركيا. وفي كانون الثاني/ يناير 2019، وقَّعت قبرص وإسرائيل اتفاقيتَين عسكريتَين هامتَين: الأولى تسمح للقوات الجوّية الإسرائيلية باستخدام المجال الجوّي والمياه الإقليمية حول جزيرة قبرص لحماية موارد الطاقة الحسَّاسة؛ أمّا الثانية فتتيح تبادلاً للمعلومات السرّية.

ومن السذاجة الاعتقاد بأنّ تركيا ستبقى مكتوفة الأيدي من دون أي تحرُّكٍ فيما تقوم كلٌّ من مصر وإسرائيل وقبرص واليونان بنشاطات تنقيبٍ وحَفْر أبار في وحول جزيرة قبرص، مستخرجةً احتياطاتٍ من «المنطقة الاقتصادية الحصرية» لكلٍّ من تركيا وقبرص التركية. وما أن بدأ النزاع على الغاز في شرق البحر المتوسط  حتى انخرطت تركيا في «دبلوماسية السفن الحربية» (استعراض للقوة بحرياً) دفاعاً عن مصالحها.

وتُعتبر تركيا واحدةٌ من أربع دول إقليمية تملك بحريات قوية، أمّا الدول الأخرى فهي مصر واليونان وإسرائيل. وثمة دول مثل ليبيا وسوريا وقبرص تملك بحريات أصغر بكثير، وتتألّف من عددٍ قليلٍ من زوارق الدورية وسفن بحرية متقادمة، فيما لا تملك قبرص التركية إلّا قوات خفر سواحل فحسب. ومن شأن الوضع الجيوسياسي لتركيا وموقعها الاستراتيجي أن يَفرِضان عليها بأنْ تكون دولة بحرية وبالتالي امتلاك وتعزيز قوة بحرية قوية.

تنتظم الذراع البحرية التركية في «قيادة القوات البحرية التركية» TNFC في أربع قيادات فرّعية رئيسية: «قيادة الأسطول» (في غولكوك، محافظة «قوجه إيلي»)، و«قيادة منطقة البحر الشمالي» (إسطنبول)، و«قيادة منطقة البحر الجنوبي» (إزمير)، و«قيادة التدريب والتعليم البحريَّيْن» (إسطنبول)
المكانة الإقليمية للقوات البحرية التركية

 

تنتظم الذراع البحرية التركية في «قيادة القوات البحرية التركية» TNFC في أربع قيادات فرّعية رئيسية: «قيادة الأسطول» (في غولكوك، محافظة «قوجه إيلي»)، و«قيادة منطقة البحر الشمالي» (إسطنبول)، و«قيادة منطقة البحر الجنوبي» (إزمير)، و«قيادة التدريب والتعليم البحريَّيْن» (إسطنبول). وفي إطار جهود التحوُّل التي بدأت في العام 2011 ضمن قيادة الأسطول، تشكَّلت ثلاث «قيادات مجموعة مهام» Task Group Commands منفصلة (وهي الشمالية، والجنوبية والغربية). وفي العام 2015، وبهدف ضمان التنسيق والتعاون في ما بين هذه المجموعات الثلاث الآنفة الذكر، أُنشِئت «قيادة الأسطول الحربي» (وتشمل فرقاطات، وفرقيطات، وزوارق دورية سريعة) وهي تخضع لقيادة الأسطول. وتُعتبر القيادة الأخيرة التي تُشكِّل القوة الضاربة في «القوات المسلّحة التركية» حالياً المكوَّن البحري الأكبر وتتألّف من: «قيادة أسطول الحرب»، و«قيادة أسطول الغوّاصات»، و«قيادة أسطول زرع الألغام»، و«قيادة الطيران البحري»، التي احتفلت بعيدها السنوي الـ 105 في حزيران/يونيو من العام 2019.

وعلى الرغم من التخفيض الكبير في القوات البحرية الذي حَدَث عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 2016، لا تزال تركيا تملك إحدى أكبر القوات البحرية في العالم. فقبل حدوث الانقلاب كان هناك في الإجمال 54 أدميرالاً في «قيادة القوات البحرية التركية»  TNFC: بحلول آب/ أغسطس العام 2018 كان لا يزال في هذا السلك 50 أدميرالاً - بيدَ أنّ مناصبهم وأدوارهم قد تمّ ترشيدها بشكلٍ كبير.

وبما أنّ %87 من التجارة الخارجية لتركيا تجري بحراً، فإنّ ضمان أمن البحار المجاورة، وخطوط الاتصالات البحرية، وحماية السيادة التركية ومصالحها البحرية هي مسألة ذات أهمية حاسمة وحيوية بالنسبة إلى تركيا - لذا باتت هدفاً أوّلياً لدى «القوات البحرية التركية»  TNF. وكان من شأن النزاعات على المناطق الاقتصادية الحصرية والحفاظ على وجودٍ قوي للتصدِّي للمخاطر المحتملة وردع أية محاولة لفرض أمر واقع جديد على مسألة «الجَرْف القاري»، أن تحوَّل مجال التركيز الرئيسي لدى «القوات البحرية التركية» من بحر إيجه إلى شرقي البحر المتوسط، حيث تعمل أحياناً بالتعاون مع قوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» NATO وأحياناً أخرى بأسطولها الوطني فحسب.

ومنذ مطلع العام 2000، تستثمر تركيا بكثرة في قدراتها الدفاعية الخاصة. ففي حقل المنصّات البحرية، يتمثَّل الهدف الرئيسي في التمكُّن من تصميم وتنفيذ دمج الأنظمة في جميع أنواع سفن السطح وما دون السطح في أحواض بناء سفن محلية - للقطاعَين العسكري والخاص - باستخدام قدراتٍ محلية. وبفضل مساهمة شركاتٍ تركية مثل: «أسلسان» Aselsan، و«هافلسان» Havelsan، و«يالتس» Yaltes، و«آييساس» Ayesas، و«ميلسوفت» MilSoft، و«ميتيكسان سافونما» Meteksan Savunma، و«توبيتاك سايج» TüBiTAK SAGE، و«روكتسان» Roketsan، و MKEK، و KBST، و STM، التي تُكمِّل القدرات المتنامية لصناعة بناء السفن البحرية التركية، أخذت «قيادة القوات البحرية التركية» تتطوّر إلى قوةٍ مقتدرة بشكلٍ كبير ولا تنفكّ تزداد اكتفاءً ذاتياً. وقد أدّى الاستثمار القوي في القدرات المحلية والتعاون الناجح بين «القوات البحرية التركية» والصناعة المحلية إلى ارتفاع المكوِّن المحلي إلى مستوى %70 في بعض المشاريع مع حلول العام 2017.

مدمِّرة تركية لحرب الدفاع الجوّي TF-2000 (ADW)

 

وبحسب «المديرية العامة لأحواض بناء السفن» TGN التابعة لـ «وزارة الدفاع الوطني التركية»، من المقرَّر أن يبنى في الفترة ما بين 2017 و 2034 نحو 88 سفينة حربية، من بينها غوّاصات، في تركيا لتلبية متطلّبات «القوات البحرية التركية» وخفر السواحل. ومن بين تلك السفن، سيجري بناء 13 سفينة في أحواض بناء السفن الحربية: اثنتان من فئة «أدا» Ada (الفرقيطتان الثالثة والرابعة)، وفرقاطة واحدة من فئة «آي» I، ومدمِّرة لحرب الدفاع الجوّي من نوع TF-2000 (ADW)، وفرقيطة واحدة من نوع TF-100، وست غواصات ذات دفعٍ مستقلٍّ عن الهواء من فئة Type 214TN ‘Reis’ وغوّاصتان من فئة «ميلدين ناشونال» MilDen National. أما السفن الـ 75 المتبقّية فستُبنى في أحواض بناء سفن خاصة: ثلاث فرقيطات من فئة I، وثلاث مدمِّرات من نوع TF-2000 ADW، وثلاث فرقيطات من نوع TF-100، و 10 زوارق دورية سريعة، وحاملتا طوّافات LHD، وزورق استخبارات إشارة، وسبع سفن إنزال للدبّابات، وأربع سفن إنزال تُدفع بالوسادة الهوائية، وثماني كاسحات ألغام من الجيل الجديد، وست سفن إجراءات مضادة للألغام.

وتتألّف قوة سفن السطح الحالية لدى البحرية التركية من 16 فرقاطة (إضافةً إلى أربع فرقاطات فئة I قيد البناء)، وثماني فرقيطات (إضافةً إلى اثنتَين من فئة Ada من المقرّر إطلاقهما قريباً في الخدمة)، و 19 زورقَ دورية سريعاً  FPB مسلَّح بصواريخ «هاربون» Harpoon، مع طلبٍ للحصول على 10 زوارق إضافية ستُنتَج محلياً. وهناك 12 غوّاصة قيد الخدمة، مع ست غوّاصات من نوع Type 214TN فئة Reis قيد البناء في حوض بناء السفن «غولكوك» Golcuk. وتتألّف قوة الطائرات البحرية من 35 طوّافة بحريّة: (24 من طراز S-70B SeaHawks و 11 طوّافة AB212 للحرب المضادة للغوّاصات وللحرب المضادة لسفن السطح (ASW/ASuW)، وطائرتَي خدمة (ATR72/600) C-72، و 6 طائرات دورية بحرية CN235-100M)، فيما من المقرَّر أن تدخل الخدمة قريباً 6 طائرات دورية بحرية MPA من نوع ATR72/600 ضمن برنامج MELTEM-III، وبحسب الموقع الإلكتروني الرسمي للبحرية التركية هناك نظامٌ واحد من أصل ثلاثة أنظمة جوّية غير آهلة ذات الارتفاع المتوسط والمكوث الطويل في الجو من طراز Anka Block-B، مجهَّزاً بنظام «الرؤية الأمامية بالأشعة تحت الحمراء»، ورادار الفتحة الاصطناعية «ساربر» SARPER من Aselsan.

وتملك تركيا ثاني أقوى قوة بحرية إقليمية (الأولى هي مصر التي تملك القوة البحرية الإقليمية الأكبر من حيث عدد المنصّات لكنّ معظم سفن السطح والغوّاصات من فئة Type 033 Romeo غير منخرطة في الخدمة). وبفضل القدرات المحلية لـ «الصناعات الدفاعية التركية» Turkish Defence Industries باتت هذه البحرية إحدى البحريتَين الأكثر تحديثاً في المنطقة (والأخرى هي البحرية الإسرائيلية). وبلغَ عدد السفن الإجمالي في العام 2018 نحو 145 سفينة من مختلف الأنواع، مع إجمالي إزاحة يبلغ نحو 200,000 طن، بما في ذلك 16 زورق دورية، و 11 سفينة للحرب المضادة للألغام، و 31 سفينة احتياط، و 26 سفينة إنزال. أمّا العديد فيبلغ في الإجمال نحو 55,000 جندي بما في ذلك «لواء المشاة البحري البرمائي»، ووحدات العمليات الخاصة البحرية وتضمّ نحو 300 رجلٍ، وثلاثة فِرَق إنقاذ. وتملك البحرية التركية وحدتَيْ عمليات خاصة بحرية: وحدة لـِ «الدفاع التحتمائي» Su Alti Savunma (SAS)، ووحدة لـِ «الهجوم التحتمائي» Su Alti Taarruz (SAT). ويمكن إلى حدٍّ ما مقارنة هذه الوحدة الأخيرة مع «قوات النخبة» SEAL لدى البحرية الأميركية. ولم يُفصَح علناً عن الأعداد الدقيقة لجنود هاتَين الوحدتَين، لكن قبل تموز/ يوليو العام 2016 كانت «وحدات العمليات الخاصة» في البحرية التركية تتألّف من 12 مجموعة «هجوم تحتمائي» (وكلٌّ منها يضمّ نحو 16 جندياً) و 15 مجموعة «دفاع تحتمائي».

وباتت قوات البحرية التركية، بكونها أداة أساسية للسياسة الخارجية مع قدرة إلى الوصول لجميع المناطق التي تملك فيها تركيا مصالح ونشاطات، وهي قادرة اليوم على إجراء عملياتٍ بالقرب من الشواطئ (المياه البنية) وفي أعالي وأعماق البحار (المياه الزرقاء).

 تبني البحرية التركية ست غوّاصات Type 214TN فئة Reis في حوض بناء السفن «غولكوك» Golcuk
ازدحام في شرقي المتوسط

 

بدا واضحاً أنّ اكتشافات حقول الغاز الجديدة التي تبلغ قيمتها مليارات من الدولارات الأميركية في شرقي البحر المتوسط قد استقطبت اهتمام فاعلين غير إقليميين وحوَّلت الحوض الشرقي للبحر المتوسط إلى ساحةٍ للمصالح المتنازعة والمواجهات المحتملة. وكنتيجةً لذلك، لم تعُد المياه الدولية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط تملك مساحات حرّة وأخذت تغدو أكثر ازدحاماً.

وتعكف البحرية التركية، كونها إحدى القوى الإقليمية الطليعية التي تملك واحدةً من أقوى القوات البحرية في المنطقة، من حيث العدد والتكنولوجيا، على تنفيذ «عملية درع المتوسط» Operation Mediterranean Sea، وتُمثِّل وجوداً بحرياً قوياً ومستمرّاً في هذا البحر منذ العام 2006 لحماية المصالح القومية التركية. ومن الجليّ أنّه ما دام اهتمام الفاعلين الإقليميين وغير الإقليميين في شرقي البحر المتوسط منصبّاً على تعزيز حضورهم في مناطق تشمل المنطقة الاقتصادية الحصرية لتركيا وقبرص التركية، ستواصل تركيا اتّخاذ خطواتٍ جديدة لحماية حقوقها السيادية. أمّا «القوات البحرية التركية» بصفتها الذراع البحري للقوّات الدفاعية التركية فستستمرّ في لعب دور حاسم في استجابات تركيا المستقبلية.

حاملة طوافات LHD تابعة للبحرية التركية
Date
Year
2020
Page No
32

Featured News