الصناعات الدفاعية في الخليج العربي على وشك التصدير
شكّل معرض الدفاع الدولي «آيدكس» International Defence Exhibition (IDEX) في الإمارات العربية المتحدة و«معرض الدفاع العالمي» World Defense Show (WDS) في المملكة العربية السعودية خير مثال على سُبل تنامي الصناعات الدفاعية في الخليج ودفعها لتطوير منتجات محلية للأسواق الداخلية والأخرى المخصصة للتصدير. وهذا ما سلّط عليه الضوء أندرو درويغا الكاتب في الشؤون الدولية.
شهدت الدول المُنتِجة للنفط في «مجلس التعاون الخليجي» تأرجحاً في ميزانياتها، من فائض مالي إلى عجز خلال فترة وباء «كوفيد»، وهي تتطلّع حالياً للعودة إلى فترات الرخاء الاقتصادي. ولا تزال إيران تُعتبر التهديد الإقليمي الرئيسي، في ظل الحرب المتواصلة بالوكالة في اليمن.
وقد عززت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية سعيهما لإنشاء مشاريع تعاونية مشتركة لتحقيق النضج التكنولوجي وإرساء برامج علمية وتكنولوجية محلية ترتبط بتطوير المعدات الدفاعية. وقد أبدت الدولتان رغبة حقيقية في تحديث معداتهما وأنظمتهما العسكرية فضلاً عن تأدية دور كبير قي الصناعة الدفاعية العالمية. وكان من شأن ثروات قطر الغازية أن منحتها القوة على الشراء الدفاعي، لكن دول الخليج الأخرى، على غرار دولة الكويت وسلطنة عُمان ومملكة البحرين تطلّعت أيضاً إلى تحديث معداتها، التي كانت تعيقها فقط مقدرتها الإنفاقية المحدودة.
وكانت الشركات الدفاعية الدولية تواقة للتعامل مع هذه المؤسسات الناهضة الجديدة التي تتّخذ من الخليج مقرّاً لها. وكان ثمة تركيز كبير على مضاعفة أبحاث العلوم والتكنولوجيا، خصوصاً في الأنظمة غير الآهلة فضلاً عن التكنولوجيا المعلوماتية والسيبرانية بما في ذلك «الذكاء الصناعي».
وهدفت فورة واردات الاستحواذ عبر أنحاء الخليج على وجه الخصوص مشتريات الطائرات القتالية من مثل F-15 Eagle من «بوينغ» Boeing، و«يوروفايتر تايفون» Eurofighter Typhoon من ائتلاف Eurofighter الأوروبي، و Rafale F4 من «داسو» Dassault، و F-16 Fighting Falcon من «لوكهيد مارتن» Lockheed Martin. وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد وافقت في تشرين الثاني/ نوفمبر العام 2022 على «مبيعات عسكرية خارجية» (FMS) إلى الإمارات العربية المتحدة لحصولها على 50 مقاتلة Lockheed Martin F-35A. وليس من المرجح في المستقبل القريب أن يتم تطوير وتصنيع تلك المقاتلات كمنتجات محلية ضمن منطقة الخليج.
وتربّعت الأنظمة البرية أيضاً على قائمة المشتريات، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي على غرار النظام الصاروخي سطح-جو «باتريوت» MIM-104 Patriot من «رايثيون» Raytheon، ونظام «الدفاع الجوّي للارتفاعات العالية الطرفية» (THAAD) من Lockheed Martin تلك التي صادقت «وزارة الخارجية» على بيعها عبر المكتب المذكور إلى الإمارات في آب/أغسطس العام 2022. وكان هناك مشتريات أخرى تُراوح بين عربات عسكرية من جميع الطرز، والطوافات، و«العربات الجوية غير الآهلة» (UAV)، والسفن البحرية والأسلحة الخفيفة والذخائر.
ومع ذلك، تسعى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حثيثاً إلى تجسيد رؤى استراتيجية لاستنهاض الصناعات الدفاعية المحلية، ليس فقط لإمداد مشترياتها العسكرية الخاصة فحسب، بل أيضاً لبدء تصدير منتجاتها المُصنَّعَة محلياً إلى دول أخرى.
أُطلقت «الشركة السعودية للصناعات العسكرية» SAMI المملوكة من الدولة في العام 2017 مع هدف طموح للحدّ من اعتماد المملكة على الواردات الدفاعية الخارجية، بأن تصبح واحدة من الشركات الدفاعية الـ 25 الأولى في العالم. وكانت في آب/ أغسطس العام 2022 أحرزت الموقع 98 عالمياً، وذلك بفضل زيادة قدراتها بنسبة 2,898 في المئة في العائدات مقارنةً بتلك التي أُبلغ عنها مع نهاية العام 2021. وهدفت شركة SAMI إلى تحويل أكثر من 50 بالمئة من الإنفاق العسكري للمملكة السعودية نحو الداخل المحلي بحلول العام 2030.
وتميّز «معرض الدفاع العالمي» WDS الاستهلالي الذي انعقد، للمرة الأولى، بين 6 و 9 آذار/مارس العام 2022، في مركز معارض بُنِي خصيصاً لهذا الغرض خارج الرياض، ليس فقط من ناحية إطلاق المنتجات الحديثة بل أيضاً بالنشاط المحموم لإنشاء مشاريع مشتركة وإرساء شراكات، والبحث عن الفرص في مجال العلوم والتكنولوجيا، واستقطاب المورّدين – عموماً، ما ضاعف حتماً الزخم والقدرات في قطاع الدفاع الوطني.
وخلال ذلك الحدث، وقّعت SAMI ثلاث اتفاقيات تمويل منفصلة مع ثلاثة مصارف سعودية بقيمة 1.8 مليار دولار (نحو 7 مليار ريال سعودي). وهذا الترتيب الذي أُعلن أنه هو الأول من نوعه، ويلحظ تخصيص الأموال لتمويل «مشاريع مستقبلية تتصل بإعادة موضعة الصناعات الدفاعية محلياً، وتطوير البنى التحتية، وعمليات الاستحواذ وتمويل الرأسمال العامل».
تستأثر الإمارات العربية المتحدة بمعارضها الدفاعية العريقة: فقد نُظم معرض الدفاع الدولي «آيدكس 2023» IDEX 2023 (في دورته السادسة عشرة) ومعرض الدفاع البحري «نافدكس» NAVDEX 2023 (في دورته السابعة) بين الفترة الممتدة من 20 ولغاية 24 شباط/فبراير من هذا العام في «مركز أبو ظبي الوطني للمعارض» ADNEC. وكان شريكه الاستراتيجي «مجموعة إيدج» EDGE Group للمنتجات والأسلحة الدفاعية، المملوكة من الدولة الإماراتية والتي تأسست في العام 2019 من عدّة مؤسّسات قائمة - وعلى الأخص «شركة الصناعات الدفاعية الإماراتية» (EDIC)، و«مجموعة الاستثمارات المتقدمة الإماراتية» (EAIG)، وشركة «توازن القابضة» Tawazun Holding وغيرها.
وتنتظم المؤسسة في أربع مجموعات متآلفة: «المنصات والأنظمة»؛ «الصواريخ والأسلحة»؛ «الحرب الإلكترونية» و«التكنولوجيات السيبرانية»، وأخيراً «التسويق أو التجارة ودعم المهام». ومن ضمن هذه المجموعات هناك أكثر من 25 شركة فردية تُصنِّع مختلف أنواع المعدات الدفاعية بدءاً من العربات المدرعة (شركتي «نمر» NIMR و«الجسور» AL JASOOR)، والذخائر الحوّامة المتسكّعة والموجّهة («شركة أبو ظبي لاستثمارات الأنظمة الذاتية المستقلّة» ADASI)، والأسلحة والذخائر (شركة «كاركال» CARACAL)، وصولاً إلى بناء السفن («حوض أبو ظبي لبناء السفن» ADSB) وغيرها الكثير. وتؤكّد مجموعة EDGE أن هدفها ككل هو بناء «قاعدة صناعية دفاعية وطنية»، وتطوير القدرات السيادية في هذا الشأن ومضاعفة قيمة التصنيع الدفاعي داخل البلاد، ووضع الإمارات العربية المتحدة في موقع اللاعبين العالميين الكبار مع صناعة تكنولوجية متقدّمة.
وركزت مجموعة EDGEخلال معرض IDEX هذا العام على الأنظمة الذاتية الحركة، للاستخدام الدفاعي والهجومي على حد سواء. ووفقاً لبيان صادر عن EDGE: «يضاعف إدماج الذكاء الصناعي أيضاً من كفاية ودقة تلك الأنظمة». وقد طوّرت المجموعة المذكورة أكثر من 20 منتجاً جديداً سواء في مجال الأنظمة المستقلة الذاتية الحركة أو الذخائر الذكية منذ العام 2019. ومن بين تلك الأنظمة، واحد من إنتاج «شركة أبو ظبي لاستثمارات الأنظمة الذاتية المستقلّة» (ADASI)، «العربة الجوّية غير الآهلة» (UAV) التكتيكية ذات الأجنحة الدوارة «قرموشة» Garmoosha التي بوسعها أن تنقل حمولة تصل زنتها إلى 120 كيلوغراماً (264 رطلاً بحرياً) لمسافة تزيد على 80 ميلاً بحرياً (150 كيلومتراً).
ومن ناحية الذخائر الحوامة، تستخدم أنظمة من مثل عائلة المسيرات QX خوارزميات «ذكاء صناعي» لتحديد قدرتها التهديفية. وجميع المسيرات QX-1، و QX-2، و QX-3 هي بحد ذاتها ذخائر حوامة متسكّعة ذات قدرة إقلاع وهبوط عموديين (VTOL)، فيما تتميز المسيّرات QX-4، و QX-5، و QX-6 بفترات تحليق أطول بكثير عن سابقاتها (اعتماداً على الحمولة، بدءاً من 90 دقيقة، وصولاً إلى ما بين 7 و 16 ساعة طيران).
وقد صممت EDGE عائلة «راش» Rash من الذخائر الموجهة الفائقة الدقة من ذوات الأجنحة الثابتة التي تعتمد على الملاحة برأس باحث يعمل بِـ «نظام تحديد الموقع العالمي» GPS / «القصور الذاتي» INS، والتي تنقض انزلاقاً إلى هدفها. ويمكن تسليحها بـ 16 رأساً حربياً متشظياً من نوع «دزيرت ستينغ» Desert Sting.
وتُعتبر مسيرات «هنتر-2» Hunter 2 «طائرات غير آهلة» مسلحة تُطلق من أنبوب ويمكن أن تشن هجمات شاملة أو مكثفة عند اقتضاء الحاجة، ومجدداً باستخدام «الذكاء الاصطناعي» لإجراء مراقبة أولية ومن ثم الانقضاض في هجوم.
وتُجري EDGE أبحاثاً أيضاً على الحاجة المتنامية لـ «عربات سطح غير آهلة» USV و«عربات تحتمائية غير آهلة» (UUV)، مع تنامي المتطلبات لدعم المهام البحرية العسكرية.
وتُوقِّع الشركة السعودية للصناعات العسكرية SAMI ومجموعة EDGE اتفاقيات مشاريع مشتركة مع شركاء دوليين. وفي «معرض فارنبره الجوّي» Farnborough Airshow في شهر تموز/يوليو من العام الفائت، وقّعت SAMI مشروعاً مشتركاً مع شركة «أس. تي. إنجينيرينغ» ST Engineering السنغافورية. وصرح المهندس وليد أبو خالد، المدير التنفيذي لـ SAMI أثناء التوقيع، قائلاً: «إنّنا فخورون في المشاركة بهذه المشاريع الجديدة مع ST Engineering، التي لطالما اعتُبرت رائدة عالمياً في القطاع الدفاعي. ومع هذه المبادرات الجديدة تتاح فرصة مؤاتية للإفادة من قدرات سلسلة الإمداد وتعزيز موقعنا العالمي فيما تتجه المملكة نحو استقلالية القطاع الدفاعي تماشياً مع أهداف «رؤية 2030».
ووقعت SAMI أيضاً مشاريع مشتركة مع العديد من الشركات العالمية الرائدة من مثل Lockheed Martin، ما يتيح التعاون على تطوير حلول تكنولوجية متقدمة للقطاعين الدفاعي والأمني، وكذلك اتفاقية مع شركة «بوينغ» Boeing وُقّعت خلال «معرض الدفاع الدولي» (WDS) السعودي في شباط/فبراير العام 2022، تُنفّذ الأعمال بموجبها عبر «شركة محدودة المسؤولية» لتأمين «الصيانة والتصليح والتجديد» MRO، وخدمات الاستدامة للمنصات العسكرية ذات الأجنحة الدوارة العاملة حالياً في المملكة.
وعلى نحو مماثل، وقعت شركات تابعة لمجموعة EDGE، أبرزها «حوض أبو ظبي لبناء السفن» ADSB، مشاريع مشتركة مع شركة الدفاع الفرنسية البحرية «نافال غروب» Naval Group للتعاون في حلول تكنولوجية متقدمة لصالح القطاع البحري.