قطاع الدفاع في الخليج العربي: المضي قُدُماً نحو تنمية الصناعة الدفاعية المحلية
تعكف مراكز القوة الاقتصادية لدول الخليج العربي، بعدما لم تعد مستوردة فحسب لمنصات ومعدات عسكرية مُصنَّعة في الخارج، على الاستثمار في قطاعها الدفاعي الخاص من خلال عمليات الاستحواذ والمشاريع المشتركة، وهذا ما سلّط الضوء عليه الباحث أندرو، في نشرة «آرمادا إنترناشونال».
يعود الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي مجدداً إلى صميم السياسات الدولية والتدخل العسكري، على نحو لا يختلف عما جرى في الماضي. وثمة حالة من عدم اليقين والقلق حيال ما ستؤول إليه التطورات والاستراتيجيات العسكرية في المنطقة. وتتسبب إسرائيل في إصرارها القضاء على حركة «حماس» من خلال التدمير المُمَنهج لقطاع غزة، بموجة متعاظمة من الكراهية ضدها بدت أكثر حدة مما كانت عليه من قبل، ومن المرجح أن تدوم لعقود آتية.
ومن شأن ذلك أن ينعكس بضغوط كبيرة على ما يُسمّى اتفاقيات «الاتفاق الإبراهيمي» المبرمة مع كُلّ من الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة حيث تدعو إلى اعتراف دبلوماسي وتجاري. وكادت المملكة العربية السعودية أن تصبح الدولة العربية التالية التي ستعمد، بتشجيع من الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنّ العمليات الحربية المدمرة ضدّ قطاع غزة قد سبّبت جموداً في أي تقدّم آخر في المستقبل المنظور.
أثار دعم الحوثيين لحركة «حماس»، من خلال إطلاق الأولين صواريخهم ضد حركة السفن الدولية العابرة للبحر الأحمر وحول اليمن عموماً استجابةً عسكرية دولية خصوصاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، الداعميَن الأساسيين لإسرائيل. أما إيران فهي الداعم الرئيسي للحوثيين خصوصاً بالأسلحة. ومع ذلك، من شأن تصعيد النزاع من قِبل الحوثيين أن يُشكّل ضغوطاً على قدرة إيران في مواصلة إمداد روسيا والحوثيين بالأسلحة، وبخاصة المسيّرات المصمّمة لشن هجمات بالطاقة الحركية على غرار المسيّرة «شاهد-136» Shahed-136 (المستخدمة بكثافة فعلياً من قِبل الروس ضدّ أوكرانيا)، وكذلك «صمد-3» Samad-3. وتم تصنيع كلا المُسيّرتين من قِبَل شركة صناعة الطائرات الإيرانية Iran Aircraft Manufacturing Industries Corporation (HESA).
وكانت إيران قد افتتحت أيضاً جبهةً أخرى، من خلال هجماتها الصاروخية على قواعد تنظيم «جيش العدل» السُّنّي في باكستان ليل الثلاثاء 16 كانون الثاني/ يناير الماضي. وأعقبت هذه الهجمات ضربات صاروخية إيرانية من سوريا والعراق ضدّ أعداء تعتقد أنّهم مسؤولون عن تفجيرين انتحاريين في مدينة كرمان في 3 كانون الثاني/ يناير مطلع هذا العام أوديا بحياة أكثر من 90 إيرانياً. وتبنّى تنظيم (داعش) مسؤولية هذين التفجيرين. وردّ الجيش الباكستاني في اليوم التالي بإطلاق هجمات صاروخية على ما قال إنّها «مخابئ إرهابيين» في جنوب شرقي إقليم سيستان-بالوشستان. والسؤال المطروح حالياً هو ما إذا كان هذا التبادل الحربي سيكون الأخير أو أنه بداية عمليات متبادلة أخرى بأسلحة الطاقة الحركية؟
وتدعم طهران أيضاً «حزب الله» في لبنان، المنخرط بدوره في هجمات على نطاقٍ أصغر ضدّ شمال إسرائيل. وقد أسهم تعاون «حماس» و«حزب الله» والحوثيين تدريجياً في توسيع دائرة القتال بعيداً عن غزة.
انخرطت دول «مجلس التعاون الخليجي» على نحو متباين في النزاع الناشئ. فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وخاضتا قتالاً ضد الحوثيين خلال الحرب الأهلية في اليمن المستمرة منذ العام 2014. وبينما انحسر هذا النزاع الكبير الذي انخرطت فيه دول الخليج العربي، فإن إمدادات الأسلحة من الدول الغربية لا يزال مستمراً إلى حكومات دول «مجلس التعاون الخليجي» من خلال برامج المشتريات. وأصبح هذا الإمداد أكثر استنسابية بمقتضى الحال.
وفي مطلع شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وافقت ألمانيا على مبيعات أسلحة مجدداً إلى المملكة العربية السعودية عقب حظرها التام في العام 2018. وإضافة إلى «الضوء الأخضر» الألماني لبيع 150 صاروخ جو-جو طراز IRIS-T من المُصنّع الألماني «ديهل» Diehl، فثمة احتمال كبير بدعم الصفقة التي حرصت عليها المملكة المتحدة لبيع 50 مقاتلة «يوروفايتر تايفون» Eurofighter Typhoon للمملكة العربية السعودية، ما قد يُحفّز شركة «داسو» Dassault الفرنسية على المنافسة مجدداً بمقاتلتها «رافال» Rafale. وتُشغّل المملكة السعودية بالفعل نحو 70 مقاتلة Eurofighter Typhoon.
ومع ذلك، تسعى دول الخليج إلى الحدّ من اعتمادها على استيراد التكنولوجيا والمعدات الدفاعية الأجنبية عبر تعزيز قطاعاتها الدفاعية. ففي المملكة العربية السعودية، تقود هذا الاتجاه «الشركة السعودية للصناعات العسكرية/سامي» (SAMI)، وهي «صندوق استثماري عام» مملوك بالكامل من قِبل حكومة المملكة العربية السعودية، وهدفها المُعلَن «سَعْوَدَة» 50 بالمئة من الإنفاق العسكري للمملكة بحلول العام 2030. ومن بين التوجهات في طريق تحقيق ذلك هو إرساء العديد من الشراكات والمشاريع المشتركة مع الخارج، حيث يمكن نقل أعمال التصنيع والترميم والصيانة إلى داخل المملكة.
وعلى الرغم من الثروة المالية الضخمة للمملكة العربية السعودية، سيستغرق الأمر وقتاً لبناء قدرات تصنيع محلية على مستوى مستدام. ومن أجل أن تكون هذه الصناعات مُجزية من ناحية الكلفة، يتعيّن تنمية سوق التصدير على نطاقٍ واسع.
وتعمل «الهيئة العامة للصناعات العسكرية» (GAMI) إلى جانب «الشركة السعودية للصناعات العسكرية/سامي» SAMI، التي تأسّست في العام 2017. وتُنظّم هذه الهيئة العامة وتُصدر رُخصاً وإجازات للصناعات ضمن القطاع العسكري. كما أنّها تُجيز التأكيد النهائي للمشتريات العسكرية من المنصّات والخدمات الدفاعية. وينقسم دور «الهيئة العامة للصناعات العسكرية» GAMI إلى ثلاثة قطاعات: الاستحواذ العسكري، والصناعة العسكرية، والأبحاث والتكنولوجيا العسكرية.
في الإمارات العربية المتحدة، يتولّى «مجلس توازن» Tawazun Council مسؤولية عمليات الاستحواذ الدفاعية، بينما تتخصّص «مجموعة إيدج» EDGE Group، التي تأسست في العام 2019، بتطوير وتصنيع قدرات دفاع سيادية للأمن الوطني وكذلك للتصدير.
وأعلن «مجلس توازن» في نهاية «معرض دبي للطيران 2023» Dubai Airshow 2023 أنّه وقّع 54 صفقة نيابةً عن وزارة الدفاع الإماراتية خلال فعاليات المعرض بلغت قيمتها نحو 6.2 مليارات دولار (نحو 23 مليار درهم إماراتي). وتضمّنت العقود الدولية عقدين مع شركتي «ساب» Saab و«تاليس» Thales للحصول على رادارات، والشركة الإيطالية «إليترونيكا» Elettronica للاستحواذ على ذخائر خاصة بالطائرات، فضلاً عن عقدين مع شركة «ليوناردو» Leonardo للحصول على طوّافات مخصصة لنقل كبار الشخصيات المهمة VIP، وكذلك لتوفير الدعم التقني للرادارات. وأخيراً، هناك عقد أُبرم مع شركة «أل3 هاريس» L3 Harris لمحطات مايكرووايفية (موجات صغرية).
وخير مثال على السُّبل التي يُسهم فيها «مجلس توازن» في توسيع قطاع الدفاع في الإمارات العربية المتحدة هو مجموعة الاتفاقيات التي أبرمت مع شركات دفاعية. ففي 9 حزيران/يونيو العام الفائت، أُعلن إرساء شراكة مع شركة «مبدا» MBDA من أجل تأسيس «مركز هندسة الصواريخ» Missile Engineering Centre في الإمارات. وتطمح هذه الشراكة إلى تطوير مشترك للصواريخ وتكنولوجيات ذات الصلة، خصوصاً الأسلحة الذكية.
وقال طارق الحوسني، السكرتير العام لـ «مجلس توازن»، خلال الإعلان إنّ الهدف كان «لتطوير أنظمة صواريخ متقدمة تُلبّي المتطلبات المحددة للإمارات بينما تُروّج أيضاً للتصنيع المحلي ونقل المعرفة».
ولا يعمل قطاع الدفاع في الإمارات العربية المتحدة نحو ترسيخ حضور التطوير التكنولوجي في البلاد فحسب، بل أيضاً التصدير عند تطوير أسلحة وقدرات جديدة. وجرى التوكيد على ذلك في حزيران/ يونيو العام الفائت، عندما انخرطت شركة Thales في جهود دعم مبادرة «صُنِعَ في الإمارات». ويتمثل الهدف في زيادة المورّدين المحليين من أجل خدمة المتطلبات الوطنية والتصديرية على حد سواء. وسيلقى ذلك دعماً من «مجموعة شهادات دولية للتكنولوجيات، والقطع، والخدمات». ويُسمح عندئذ للمورّدين المحليين المعتمدين بشهاداتٍ دولية بتزويد الخدمات وقطع الغيار المصنوعة في الإمارات العربية المتحدة إلى أعضاء في «مجموعة تاليس» Thales Group الدولية من خلال سلسلة إمداد عالمية.
وإضافة إلى ذلك، يُبرم «مجلس توازن» اتفاقيات لضمان مشاركة الإمارات العربية المتحدة في التطوير التكنولوجي المتقدّم. وفي شباط/فبراير العام الفائت، أعلن المجلس افتتاح مركز البرمجيات الذكية «باز تكنولوجيز» BAZ Technologies في أبو ظبي، وذلك من خلال اتفاقية مع شركة L3 Harris، من أجل «بناء قدرات «تَعلُّم بالآلة» (ML) و«الذكاء الصناعي» (AI) لصالح القوات المسلّحة الإماراتية. وبحسب بيان أصدره «مجلس توازن»، فإنّ المشروع الأول الذي يُطوّره المركز هو «بوابة الإطلاق للحرب الإلكترونية» «the Electronic Warfare Launch Portal» التي ستُطبّق «تَعلُّم بالآلة» و«الذكاء الصناعي» على «البيانات في الوقت الحقيقي، بما يُمكّن اتخاذ قرارات معزّزة بمعرفةٍ وافية وبوتيرةٍ أسرع».
وتُعتبر مجموعة EDGE Group أحد اللاعبين الرئيسيين في الإمارات العربية المتحدة في تطوير القطاع الدفاعي. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر العام الفائت، استحوذت المجموعة على «صندوق التطوير الاستراتيجي» Strategic Development Fund (SDF)، وهي شركة استثمارية مقرّها أبو ظبي. وستسعى الاستثمارات وشراكات المشاريع المشتركة في المستقبل إلى اغتنام فرصٍ في تكنولوجيات الدفاع والأمن، والجو-فضاء، والتكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج من بين قدرات أخرى.
وخلال العامين الماضيين، أصبحت مجموعة EDGE مالكة لحصص كبيرة في 12 شركة دولية ذات مجموعة متنوّعة من الاختصاصات. وتشمل تلك الشركات «ميلريم روبوتيكس» Milrem Robotics ومقرّها إستونيا، وهي مطوِّر أوروبي للروبوتات والأنظمة البرّية المستقلّة الذاتية الحركة؛ وشركة «سيات» SIATT ومقرّها البرازيل، وهي متخصّصة في صناعة الصواريخ العالية التكنولوجيا وأنظمة الرادار؛ وشركة «فلاريس» FLARIS ومقرّها بولندا، وهي مُصنّعة للطائرات النفاثة الخاصة العالية السرعة؛ وشركة «أنافيا» ANAVIA ومقرّها سويسرا، وهي تُطوّر طوّافات مستقلّة ذاتية الحركة.
شَكَّلَ تشجيع انخراط شركات ومورّدين دفاعيين دوليين في دول «مجلس التعاون الخليجي» مطلباً مهماً لنمو قطاع الدفاع. وتَطوّر «معرض دبي للطيران» في الإمارات العربية المتحدة، منذ انطلاقه في العام 1989، بوتيرةٍ متواصلة ليصبح اليوم أحد أهم الأحداث في برامج المعارض الجوية على الصعيد العالمي. ويحتضن المعرضُ توليفةً من الشركات المدنيّة، والعسكرية والمورّدين التابعين لها. وسرعان ما أصبح الحَدَث العسكري الأبرز في العام 1991 عقب «حرب الخليج». ومن المقرر أن يُنظّم «معرض دبي للطيران» المقبل في العام 2025.
وقد مضى على انطلاق الحَدَث الدفاعي الذي ينعقد كل عامين، «المعرض الدفاعي الدولي/ آيدكس» (IDEX) و«المعرض الدفاعي البحري/ نافدكس» (NAVDEX)، أكثر من 30 عاماً، وهو يُنظّم في العاصمة الإماراتية أبو ظبي. وشَهِدت ذروة فعاليات المعرض الأخير في شباط/ فبراير العام 2023 الإعلان عن إبرام 56 صفقة بقيمة 6.3 مليار دولار (نحو 23.3 مليار درهم إماراتي). وتضمن إعلان «توازن» سبع صفقات مع شركات محلية وخمس صفقات دولية مع شركات خارجية من بينها «هاناوا ايروسبايس» Hanawa Aerospace الكورية الجنوبية، والفرنسية MBDA، والسويدية Saab، والألمانية الدولية «رود أند شوارز» Rhode & Schwartz للحصول على أنظمة اتصالات. وفازت الشركة الصينية «سي. إي. تي. سي. إنترناشونال» CETC International أيضاً بصفقةٍ لتزويد وتركيب أنظمة اتصالات. وسيُنظَّم معرض IDEX/ NAVDEX المقبل بين 17 و 21 شباط/ فبراير العام 2025.
وانعقدَ World Defense Show الثاني في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض بين 4 و 8 شباط/ فبراير من هذا العام. وبدا واضحاً، أثناء فعاليات المعرض الأخير في العام 2022، أنّ الهدف الرئيسي كان إرساء شراكات ومشاريع مشتركة وجَذب المورّدين، مع الأخذ بالاعتبار تعزيز قطاع الدفاع الوطني في المملكة العربية السعودية.
ومن بين المواضيع الرئيسية لمعرض هذا العام، «مستقبل الدفاع» الهادف الى استطلاع التكنولوجيات الناشئة والمثيرة للجدل مثل «الذكاء الصناعي» (AI)، والروبوتات (robotics)، والأنظمة المستقلة، وتعلُّم بالآلة (machine learning)، والتكنولوجيات الهجينة، وتقنيات الاستدامة (sustainability)، و«إنترنت الأشياء العسكرية»، وتكنولوجيا السجل الرقمي الموحّد للتعاملات «بلوك تشاين» (blockchain) وغيرها من التكنولوجيات.
وسيكون بإمكان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بما تملك كُلٌّ منهما من احتياطات مالية، مواصلة الارتقاء بقطاعهما الدفاعي ما يمنحهما خيارات أكبر عند وضع أهداف للاستحواذ الدفاعي. ومن شأن استمرار توقيع الشراكات وإرساء المشاريع المشتركة التي ستأتي بالتصنيع فضلاً عن الأبحاث والتطوير إلى داخل هذين البلدين أن يُعزّز حتماً موقعهما كمُصدِّرَيْن دفاعيَيْن، ما يُثير دهشة حتى أولئك الذين يُساعدونهما على تحقيق هذا الهدف الطموح.