قطاع الدفاع الخليجي يتجه نحو النمو

لم تعد القوى الاقتصادية لدول الخليج مجرد مستورد للمنصات والمعدات والخدمات العسكرية الأجنبية الصنع، بل إنها تستثمر في قطاع الدفاع الخاص بها من خلال عمليات الاستحواذ والمشاريع المشتركة.

ستكون منطقة الشرق الأوسط والخليج مرة أخرى في صلب السياسات الدولية والتدخلات العسكرية (هل كان الأمر مختلفاً في السابق على الإطلاق؟). هناك حالة من القلق وعدم اليقين العميقين حول التطورات والاستراتيجيات العسكرية في هذه المنطقة التي تعتبر من الأولويات. كما أن إسرائيل، في عزمها للقضاء على حماس من خلال التدمير المتواصل لغزة، وهو يبنى على موجة من الحقد ضدها، والتي ستكون أكثر قوة مما كانت عليه في السابق وهي من المرجح أن تستمر لعقود مقبلة.

وقد أدى ذلك إلى الضغط لتحقيق اتفاقيات «اتفاق إبراهيم» التي تم تأكيدها مؤخراً مع الأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة للحصول على الاعتراف الدبلوماسي والتجاري. وشكّلت المملكة العربية السعودية الموقع التالي في خطى الرئيس بايدن الذي شجع البلاد على الانضمام إلى تطبيع العلاقات مع «إسرائيل». ومع ذلك، فإن القتال في غزة قد وضع الآن حجر عثرة أمام تحقيق المزيد من التقدم في المستقبل المنظور.

الهجمات الحوثية على السفن

ومن خلال دعمها حماس، أثارت هجمات الحوثيين على الملاحة البحرية الدولية التي تمر عبر البحر الأحمر وحول اليمن بشكل عام، رد فعل عسكرياً دولياً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في المقام الأول. لقد أصبحتا الآن مرتبطتين بشكل لا ينفصل كمؤيدتين لإسرائيل. كما تشكل إيران، بالطبع، الداعم الرئيسي للحوثيين، وبخاصة في مجال الأسلحة. ومع ذلك، فإن تصعيد الصراع من قبل الحوثيين سيضغط على قدرة إيران على الاستمرار في دعم كل من روسيا والحوثيين بالأسلحة، وخاصة العربات الجوية غير الآهلة المصممة للهجمات الحركية على غرار شاهد-136 (التي تستخدمها روسيا بالفعل على نطاق واسع ضد أوكرانيا) و«صمد-3». يتم تصنيع كل من هذين السلاحين في شركة صناعة الطائرات الإيرانية (HESA).

وفتحت إيران أيضاً جبهة أخرى، من خلال هجماتها الصاروخية على قاعدتين سنيتين لجيش العدل في باكستان في وقت متأخر من ليلة الثلاثاء الموافقة لِـ 16 كانون الثاني/ يناير 2024. ويأتي الهجوم عقب ضربات صاروخية إيرانية في سوريا والعراق ضد أعداء تعتقد أنهم مسؤولون عن تفجيرين انتحاريين في مدينة كرمان في 3 كانون ثاني/ يناير أسفرا عن مقتل أكثر من 90 إيرانياً. وأعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته عن هذين التفجيرين. وبعد ذلك بيوم، انتقم الجيش الباكستاني بشن هجمات صاروخية على ما هو يعتقد «مخابئ للإرهابيين» في إقليم سيستان وبلوشستان بجنوب شرق البلاد. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان هذا التبادل المتبادل من المرجح أن يكون النهاية أو البداية لتبادل هجمات حركية إضافية.

ودعمت طهران أيضاً حزب الله الذي يسيطر على لبنان، والذي تورط أيضاً في هجمات على نطاق أصغر ضد شمال إسرائيل. وقد أدى الجمع بين حماس وحزب الله والحوثيين تدريجياً إلى توسيع نطاق القتال بعيداً عن غزة.

ريثيون السعودية تدخل في شراكة استراتيجية مع الهيئة العامة للصناعات العسكرية، ويبدو في الصورة محمد العذل، نائب المحافظ للتوطين في الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وأحمد السلامة، المدير العام لشركة ريثيون السعودية
معضلة مجلس التعاون الخليجي

لقد شاركت دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مختلف في الصراع المتطور. قاتلت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الحوثيين في الحرب الأهلية في اليمن المستمرة منذ العام 2014. وفي حين أن الصراع البري الكبير الذي شاركت فيه دول الخليج قد تراجع، إلا أن إمدادات الأسلحة من الدول الغربية استمرت تباع إلى حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وأصبح هذا الإمداد أكثر تقديراً.

وفي وقت سابق من شهر كانون الثاني/ يناير للعام 2024، وافقت ألمانيا مرة أخرى على بيع الأسلحة إلى المملكة عقب الحظر الشامل الذي فرضته في العام 2018. إضافة إلى ذلك، فإن برنامج مبيعات «الضوء الأخضر» لبيع 150 صاروخ جو-جو من طراز IRIS-T من صنع شركة «ديهل» Diehl الألمانية، فإن ذلك يعني أيضاً عودة الصفقة المحتملة التي توسطت فيها المملكة المتحدة لبيع 50 طائرة «يوروفايتر تايفون» Eurofighter Typhoon إلى السعودية، ما يوفر لشركة «داسو» المنافسة مرة أخرى ببيع «رافال» Rafale. وتشغل المملكة أيضاً نحو 70 طائرة Eurofighter Typhoon.

Eurofighter Typhoon

ومع ذلك، تسعى دول الخليج إلى الحد من اعتمادها على استيراد تكنولوجيا ومعدات الدفاع الأجنبية من خلال بناء قطاعات الدفاع الخاصة بها. وفي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال، يتم دفع ذلك من قبل الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، وهو صندوق استثمار عام مملوك بالكامل من قِبَل المملكة العربية السعودية الذي أعلن هدفاً يتمثل في توطين 50 في المائة من الإنفاق العسكري للمملكة بحلول العام 2030. أحد الاتجاهات على تحقيق ذلك هو توقيع عقد برامج شراكة أجنبية ومشاريع مشتركة حيث سيتم جلب أعمال التصنيع والتصليح والصيانة إلى داخل المملكة العربية السعودية.

على الرغم من الثروة المالية الضخمة التي تتمتع بها السعودية، إلا أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لبناء منصات تصنيع محلية ذات مستوى مستدام. ولكي تكون مجزية من حيث الكلفة، فإنها ستحتاج أيضاً إلى تأسيس وتنمية سوق صادرات كبيرة.

تعمل «الهيئة العامة للصناعات العسكرية» GAMI جنباً إلى جنب مع «الشركة السعودية للصناعات العسكرية» SAMI، والتي تأسست أيضاً في العام 2017. وتقوم «الهيئة العامة للصناعات العسكرية» GAMI بتنظيم وترخيص الصناعات داخل القطاع العسكري. كما يوفر التأكيد النهائي للمشتريات العسكرية لمنصات وخدمات الدفاع. تقسم الهيئة نشاطها إلى ثلاثة قطاعات: الاستحواذ العسكري، والصناعة العسكرية، والأبحاث والتكنولوجيا العسكرية.

نهوض قطاع الدفاع في الإمارات العربية المتحدة

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن مجلس توازن يتولى مسؤولية الاستحواذات الدفاعية بينما تأسست مجموعة EDGE في العام 2019 وهي مكرسة أيضاً لتطوير وتصنيع القدرات الدفاعية السيادية للأمن القومي وسوق التصدير.

وفي ختام معرض «دبي للطيران 2023»، أعلن مجلس «توازن» أنه وقّع 54 صفقة نيابة عن وزارة الدفاع خلال فعاليات المعرض بقيمة تناهز 6.2 مليارات دولار (23 مليار درهم). وشمل العقد الدولي الصفقات المبرمة مع شركتي Saab وThales للرادارات، والشركة الإيطالية Elettronica لذخائر الطائرات، وعقدين مع شركة «ليوناردو» Leonardo لطوافات كبار الشخصيات والدعم الفني للرادارات. وأخيراً تم توقيع عقد مع L3Harris لمحطات الموجات الصغرية.

يمكن رؤية الأمثلة على كيفية مساعدة توازن في توسيع قطاع الدفاع في دولة الإمارات العربية المتحدة في مجموعة متنوعة من الاتفاقيات مع شركات الدفاع. في 9 حزيران/ يونيو 2023، تم الإعلان عن شراكة مع شركة MBDA لتأسيس مركز هندسة الصواريخ في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكان طموح الشراكة هو التطوير المشترك للصواريخ والتكنولوجيا، وخاصة الأسلحة الذكية.

في ختام معرض «دبي للطيران 2023»، أعلن مجلس «توازن» أنه وقّع 54 صفقة نيابة عن وزارة الدفاع خلال فعاليات المعرض بقيمة تناهز 6.2 مليارات دولار (23 مليار درهم).

وأعلن طارق الحوسني، الأمين العام لمجلس «توازن»، أن المشروع المشترك يهدف إلى «تطوير أنظمة صاروخية متقدمة تلبي المتطلبات الخاصة لبلدنا إضافة إلى ترقية المحتوى المحلي ونقل المعارف».

لا يعمل قطاع الدفاع الإماراتي على تحقيق التطور التكنولوجي في الدولة فحسب، بل يقوم أيضاً بتصديره عند تطوير أسلحة وقدرات جديدة. وقد تم التأكيد على ذلك في حزيران/ يونيو العام 2023، عندما وقّعت Thales عقداً لدعم مبادرة «صنع في الإمارات» من خلال مبادرتها الخاصة «Go to the UAE». وسيكون الهدف هو زيادة الموردين المحليين لخدمة المتطلبات الوطنية والتصديرية. وسيكون ذلك مدعوماً بسلسلة من المصادقات الدولية للتكنولوجيات وقطع الغيار والخدمات». ومن ثم يُسمح للموردين المحليين المعتمدين توريد قطع الغيار والخدمات المصنوعة في دولة الإمارات العربية المتحدة لأعضاء مجموعة Thales الدولية من خلال سلسلة التوريد العالمية الخاصة بها.

علاوة على ذلك، أبرمت «توازن» اتفاقيات لضمان مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال موقعها الريادي في مجال تطوير التكنولوجيا. وقبل عام واحد، تحديداً في شباط/ فبراير 2023، أعلنت الإمارات عن افتتاح شركة BAZ Technologies في أبوظبي. ومن خلال اتفاقية مع L3Harris، ستقوم الجهات ببناء قدرات التعلم بالآلة والذكاء الصناعي للقوات المسلحة الإماراتية. وبحسب بيان «توازن»، فإن المشروع الأول الذي يقوم المركز بتطويره هو «بوابة إطلاق الحرب الإلكترونية» التي ستطبق تعلم بالآلة والذكاء الصناعي «للحصول على بيانات في الوقت الحقيقي، ما يتيح اتخاذ قرارات أسرع وأكثر استنارة عبر مختلف المجالات».

 L3Harris لمحطات الموجات الصغرية

تعتبر مجموعة EDGE أيضاً أحد اللاعبين الرئيسيين في دولة الإمارات العربية المتحدة في تطوير القطاع الدفاعي. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، استحوذت على صندوق التطوير الاستراتيجي (SDF)، وهي شركة استثمارية مقرها في أبو ظبي. ستسعى الاستثمارات ومشاريع الشراكة في المستقبل إلى البحث عن فرص في مجالات الدفاع والأمن والجوفضاء وتكنولوجيات الاستخدام المزدوج من بين أمور أخرى.

خلال العامين المنصرمين، أصبحت مجموعة EDGE مساهماً رئيسياً في 12 شركة دولية ضمن تشكيلة واسعة من الاختصاصات، وتشمل: شركة Milrem Robotics، ومقرها إستونيا، وهي شركة أوروبية مطورة للروبوتات والأنظمة الأرضية المستقلة؛ شركة SIATT ومقرها البرازيل، والمتخصصة في تصنيع أنظمة الصواريخ والرادار عالية التقنية؛ ومقرها بولندا شركة FLARIS، وهي شركة مصنعة للطائرات الشخصية عالية السرعة؛ وشركة ANAVIA ومقرها سويسرا، وهي شركة مطورة للطوافات المستقلة.

على المسرح العالمي

لقد كان تشجيع شركات وموردي الدفاع الدوليين في دول مجلس التعاون الخليجي مطلباً مهماً لنمو قطاع الدفاع. وقد شهد «معرض دبي للطيران» في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي تأسس العام 1989، تطوراً مطرداً ليصبح أحد الأحداث الرائدة اليوم على رزنامة المعارض الجوية العالمية. إنه مزيج من الشركات المدنية والعسكرية ومورديها. وسرعان ما أصبح حدثاً عسكرياً ضخماً في العام 1991 بعد حرب الخليج. وستعقد الدورة المقبلة منه في العام الجاري.

يبلغ عمر معرض الدفاع الدولي (IDEX) ومعرض الدفاع البحري (NAVDEX)، اللذين يعقدان كل عامين، أكثر من 30 عاماً ويتخذان مقراً لهما في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة. وشهدت ذروة المعرض الأخير في شباط/ فبراير 2023 الإعلان عن إبرام 56 صفقة بقيمة 6.3 مليارات دولار (23.3 مليار درهم إماراتي). وتضمن إعلان توازن سبع صفقات مع شركات محلية وخمس صفقات دولية مع شركات من بينها شركة Hanawa Aerospace الكورية الجنوبية، وMBDA، وSaab، وRhode & Schwartz لأنظمة الاتصالات البُعدية. كما فازت الشركة الصينية CETC International بصفقة لشراء وتركيب أنظمة الاتصالات البُعدية. سيعقد معرض آيدكس/نافدكس في الفترة الممتدة من 17 إلى 21 شباط/ فبراير 2025.

كما عقد معرض الدفاع العالمي الثاني في المملكة العربية السعودية في الرياض من الفترة الممتدة من 4-8 شباط/ فبراير 2024). كان من الواضح جداً، خلال الدورة السابقة في العام 2022، أن الهدف الرئيسي هو التعاقد مع شركاء وموردين في المشاريع المشتركة، مرة أخرى بهدف تعزيز قطاع الدفاع الوطني في المملكة العربية السعودية.

AW169
في 9 حزيران/ يونيو 2023، تم الإعلان عن شراكة «توازن» مع شركة MBDA لتأسيس مركز هندسة الصواريخ في دولة الإمارات العربية المتحدة

وبالنسبة إلى مواضيع العام الحالي، فإن مستقبل الدفاع يتطلع إلى التكنولوجيا الناشئة بما في ذلك الذكاء الصناعي والروبوتات والأنظمة المستقلة والتعلم بالآلة والتكنولوجيات الهجينة والاستدامة وإنترنت الأشياء العسكرية وسلسلة التعطيل وغيرها.

وستكون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بفضل احتياطاتهما المالية، قادرتين على مواصلة صعودهما في قطاع الدفاع، ما يمنحهما خيارات أكبر عند وضع أهداف الاستحواذات. إن استمرارهما في التوقيع على برامج الشراكة والمشاريع المشتركة التي من شأنها أن تجلب التصنيع إضافة إلى الأبحاث والتطوير إلى بلدانهما سيؤدي حتماً إلى تعزيز مواقعهما كمصدرين لأنظمة الدفاع، ما يشكل تحدياً لأولئك الذين يساعدونهم في التصنيع العسكري.

تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2025
رقم الصفحة
16

أخر المقالات