كوريا الجنوبية تنبثق لاعباً دفاعياً دولياً
تُواصل شركات الدفاع الكورية الجنوبية تلقّي عقود دفاعية دولية مُدرِّة للأرباح، بدءاً من الدبابات وصولاً إلى المدفعية البعيدة المدى والمقاتلات النفاثة. ويتحدث في هذه المقالة، الصحافي الهندي المختص أتول شاندرا Atul Chandra، في تنامي الصادرات الدفاعية وارتفاع شأن الصناعة الدفاعية في كوريا الجنوبية، والأسباب التي تقف وراء ذلك.
سجّلت كوريا الجنوبية في العام 2022 نجاحاً باهراً، مع صادرات دفاعية تضاعفت أكثر من مرتين إلى 17 مليار دولار مقارنة بـ 7.2 مليارات دولار في العام 2021. واحتفلت البلاد ليس بأعلى مستوى من المبيعات على الإطلاق فحسب، بل أيضاً بأكبر طلبات دفاعية تلقّتها من بولندا ومصر، ما وفّر لها الفرص المؤاتية لكي تخترق أكثر فأكثر السوقين الدفاعيتين الأوروبية والأفريقية.
وفي شباط/فبراير الماضي، وقّعت كوريا الجنوبية صفقة بقيمة 1.6 مليار دولار لبيع مدافع الهاوتزر الذاتية الحركة K9 إلى القوات المسلحة المصرية واتّفق على تصنيعها محلياً في مصانع عسكرية. كما عبّرت مصر عن نيّتها الاستحصال على «دبابة القتال الرئيسية» K2. وجدير بالذكر أنّ دبابة K2 قد انبثقت كإحدى منصتين مرشّحتين لتلبية المتطلبات النروجية لِـ «دبابة قتال رئيسية» (MBT) جديدة. لكن الصفقة الأكبر لكوريا الجنوبية، التي تصل قيمتها إلى نحو 16 مليار دولار، التي ستحصل في نهاية المطاف على 1,000 دبابة قتال رئيسية من طراز K2 من شركة «هايونداي روتيم» Hyundai Rotem وأكثر من 600 «مدفع هاوتزر ذاتي الحركة» (SPH) من طراز K9 من شركة «هانواها ديفنس» Hanwha Defence الدفاعية. وتبلغ قيمة الطلبين الأوكرانيين لدبابات K2 والمدفعية الذاتية الحركة K9 من بولندا قرابة 5.7 مليارات دولار. وطلبت بولندا أيضاً 48 مقاتلة FA-50 في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي من شركة «الصناعات الجوفضائية الكورية» Korean Aerospace Industries (KAI)، عقب طلبياتٍ في شهر تشرين الأول/أكتوبر للحصول على 288 «نظام راجمة صواريخ» (MRLS) من نوع K239 «Chunmoo» تبلغ قيمتها 3.5 مليارات دولار.
كما عرضت على بولندا «عربة المشاة القتالية» (IFV) طراز AS-21 «Redback» من صنع شركة «هانواها ايروسبايس» Hanwha Aerospace. وكانت هذه العربة القتالية من الجيل الخامس قد أُدرجت في القائمة النهائية قبل ذلك في العام 2019 كواحدة من منصتين متنافستين لتلبية برنامج المرحلة الثالثة للعربة البرّية الأسترالية Land 400 phase 3 . وعرضت أيضاً على بولندا عربة Redback وهي مجهّزة خصيصاً لأستراليا، إلى جانب اشتقاق ثانٍ مسلّح ببُرج ZSSW-30 بولندي غير آهل. وتدفع عربة Redback بمحرّك MTU وجهازاً ناقلاً للحركة «أليسون» Allison نفسيهما المستَخدَمَيْن في نظامَي «الهاوتزر الذاتي الدفع» (SPH) البولنديين Krab و K9.
لكن بعدما كان متوسط الصادرات الدفاعية نحو 3 مليارات دولار كمبيعات سنوية فحسب حتى العام 2020، جاء الانبثاق السريع لكوريا الجنوبية كمُصدِّر دفاعي طليعي مفاجئ للمراقبين الصناعيين. فقد تجاوزت صادراتها الدفاعية بشكلٍ كبير حالياً وارداتها السنوية من الأسلحة، التي تبلغ في الإجمال نحو 5 مليارات دولار سنوياً.
وبحسب التقرير السنوي لـ «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (SIPRI)، واستناداً إلى مبيعات دفاعية بين عامي 2017 و 2021، تعتبر كوريا الجنوبية ثامن أكبر مُصدّر، وسابع أكبر مستورد للمعدات الدفاعية على مستوى العالم. وقد شهدت صناعة الدفاع الكورية أيضاً إعادة هيكلة رئيسية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، حينما اندمجت شركة Hanwha Aerospace مع شركة Hanwha Defence لاستحداث شركة «هانواها ديفنس ايروسبايس» Hanwha Defence Aerospace (أو Hanwha Aerospace).
من المقرر أن يتم هذا العام تسليم الدفعة الأولى المؤلفة من 18 نظام راجمة صواريخ Chunmoo K239 MLRS، وذخائر تابعة لها، من قِبَل شركة Hanwha Aerospace إلى «الفرقة الميكانيكية» الـ 18 في «القوات المسلحة البولندية». وسيتم إدماج الراجمات البولندية Chunmoo MLRS مع الأنظمة الفرعية البولندية مثل شاحنات «جيلتشز» Jelcz التي تُصنّعها «مجموعة العتاد العسكري البولندية» (Polish Armament Group) وأنظمة إدارة الرمي المؤتمتة «توباز» Topaz التي تبنيها شركة «دبليو بِ إلكترونكس» WB Electronics.
كما ستُجهّز الراجمات البولندية Chunmoo MLRS بنظام إدارة القتال واتصالات محلية. وبإمكان الراجمة المدولبة الذاتية الحركة K239 Chunmoo أن تنقل حتى 12 صاروخاً موجهاً عيار 239 ملم في حاويتَين اثنتين للصواريخ. ويصل مدى كلٍّ من هذه الصواريخ إلى 80 كيلومتراً. كما بإمكان الراجمة أن تنقل صاروخاً بالستياً واحداً يصل مداه إلى 290 كيلومتراً. وقال نائب رئيس الوزراء البولندي وزير الدفاع ماريوس بلاشتشاك Mariusz Blaszczak، خلال حفل توقيع عقد الراجمات المذكورة: «يُدلّل تحليل الحرب في أوكرانيا على القيمة الخاصة للمدفعية. ومن هنا قرّرنا أن نُعزّز المدفعية البولندية، ونشدد على المدفعية الصاروخية». وستحصل بولندا أيضاً على «نظام المدفعية الصاروخية العالي الحركية» (HIMARS) طراز M142 الأميركي الذي يحظى بتقدير كبير.
وقد باشرت شركة Hanwha Defence العمل في الدفعة الأولى المؤلفة من 24 نظام هاوتزر ذاتي الحركة K9PL SPH لصالح بولندا في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، أي بعد أقل من شهرين من توقيع العقد. وسيتم تسليم مدافع K9 إلى فوج المدفعية في الجيش البولندي بمدينة ويغورزيو (Wegorzewo). ومن المتوقع أن تتلقى بولندا 48 نظام K9PL خلال هذا العام وهو يستند إلى الاشتقاق الناجح جداً K9AI، وهناك أكثر من 1,700 مدفع قيد الخدمة لدى تسع دول؛ يشتمل نظام K9PL الخاص ببولندا على تحسينات مثل إدارة الرمي المؤتمت، و«مئفاق» أو بريسكوب (periscope) الرؤية الليلية للسائق، و«وحدات الطاقة الاحتياطية». كما وستُجهّز تلك المدافع بأنظمة اتصالات بولندية ويمكن إدماجها في «نظام إدارة القتال» Topaz.
وكانت Hyundai Rotem قد سلّمت، كما يفترض، 10 دبابات قتال رئيسية K2 إلى بولندا العام الفائت على أن يبلغ إجمالي ما تُسلّمه من تلك الدبابات 180 دبابة حتى العام 2025. وقد بدأت طواقم الدبابات البولندية تدريباتها على دبابات K2 MBT في كوريا الجنوبية خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ومن المقرر أن تستحصل بولندا ما بعد العام 2026 على أكثر من 800 دبابة قتال رئيسية من مستوى الطراز K2PL، التي سيتم بناؤها لبولندا. كما ستُحدّث دبابات K2 MBT الأقدم عهداً إلى مستوى K2PL.
كما دخلت كوريا الجنوبية في أسواق المقاتلات الأوروبية حيث طلب سلاح الجو البولندي 48 مقاتلة FA-50 ما يمهد الطريق أمام مبيعات مقاتلاتها المستقبلية من نوع KF-21 «Boramae» من الجيل 4.5. ومن المقرر أن يتسلّم سلاح الجو البولندي مقاتلته الأولى من طراز FA-50 خلال هذا العام ما يتيح له سحب طائراته، التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، من الخدمة. وستنتظم المقاتلات الـ 48 قيد الطلب في ثلاثة أسراب على أن يتم تسليم الدفعة الأولى من 12 مقاتلة العام المقبل. وسيجري تطوير مقاتلات FA-50 الخاصة ببولندا وفق الطراز Block 20 Standard.
وأكد دونغ-هوان إيوم (Dong-Hwan Eom)، مدير «إدارة برامج الاستحواذ الدفاعي» (DAPA) الكوري، على دعم مقاتلات FA-50 الخاصة ببولندا بشكلٍ جلي، وقال بعد تصدير أولى مقاتلات FA-50 إن الحكومة والشركات الكورية ستبذل كل ما في وسعها لضمان أعلى مستوى من التعاون بين البلدين حتى في مرحلة تشغيل وصيانة نظام السلاح.
ويعمل «سلاح الجو الكوري» (ROKAF) بالفعل على تعزيز التعاون مع «سلاح الجو البولندي» عبر تمرير الدراية التكنولوجية في تشغيل FA-50 وتقديم البرامج التدريبية. وقد أعلنت شركة KAI خططها للتشجيع على تأسيس مركز «صيانة وتصليح وتجديد» (MRO) و«كلية دولية للتدريب على الطيران» في بولندا.
وقد أثبتت طائرة التدريب/ القتال الخفيف T-50/FA-50 من شركة KAI مدى شعبيتها لدى بعض القوات الجوية على غرار: تايلاند (14 طائرة)، والفيليبين (12 طائرة)، والعراق (24 طائرة) وإندونيسيا (22 طائرة). وتترقب الشركة حالياً طلباً محتملاً لسلوفاكيا للحصول على 10 مقاتلات FA-50. وهناك أكثر من 200 مقاتلة T-50/FA-50 قيد الخدمة العملانية، بما في ذلك مقاتلات في خدمة «سلاح الجو الكوري». وقد وردت طلبات للحصول على طائرة التدريب الأساسي KT-1 «Woong Bee» صنع شركة KAI من إندونيسيا (11)، والبيرو (20)، وتركيا (40) والسنغال (4).
ومن بين الأسباب التي تقف وراء الارتفاع السريع في الصادرات الدفاعية لكوريا الجنوبية، إلى جانب جودة المعدات الدفاعية، هو قدرة صناعتها الدفاعية على التسليم السريع للطلبات المتعاقد عليها. وقد ثَبُتَ بوضوح في صفقات عديدة، الطاقة الإنتاجية للشركات الدفاعية الكورية الجنوبية مع القدرة على تقديم أنظمة أسلحة مطوّرة حسب الطلب في الوقت المناسب، وهي لطائرات مقاتلة، وسفن حربية، وغواصات، ودبابات، ومدفعية، وعربات مدرعة، أضف إلى ذلك القدرة على تقديم أنظمة أسلحة مطوّرة حسب الطلب في الوقت المناسب.
ونتيجةً للتوترات الحدودية القديمة العهد بين كوريا الجنوبية وجارتها كوريا الشمالية، بقيت قواتها المسلحة في حالةٍ من الجهوزية المتواصلة. ونجم عن ذلك الإنتاج المتواصل على نطاق كبير للمعدات الدفاعية، التي تتميّز بأكلاف تشغيل وصيانة منخفضة نسبياً بسبب أحجام الإنتاج المُنجَز. كما أن قدرة صناعة كوريا الجنوبية على تلبية جميع أنواع متطلبات العملاء بدءاً من تشغيل المعدات، والدعم اللوجستي، وصيانة المستودعات وغيرها قد أثبتت أنها مصدر ارتياح كبير لدى عملاء التصدير.
إن معظم المعدات التي جرى تسليمها للتصدير من قِبل الشركات الكورية الجنوبية هي بالفعل ذات استخدام واسع الانتشار لدى الجيش الكوري وتُعتمد في تمارين مشتركة بين الجنود الكوريين الجنوبيين والجنود الأميركيين. وكان من شأن ذلك، مقروناً بالمساندة الفعالة من الجيش الكوري في دعم مستخدمي هذه الأنظمة، أن ولّد سريعاً استحساناً كبيراً وسط العملاء المحتملين.
وأبدت كوريا الجنوبية أيضاً رغبة متواصلة لتقديم حلول مكيفة وفق مطالب العملاء واستراتيجيات تتيح أعلى مستويات نقل للتكنولوجيا والإنتاج داخل بلدان العملاء. وتطور صناعتها الدفاعية حالياً الجيل التالي من المنصات الدفاعية، إضافة إلى تحديثات على جعبتها الحالية من المعدات الدفاعية المخصصة للتصدير. إن كوريا الجنوبية قد دخلت بقوة فعلاً إلى سوق الصادرات الدفاعية العالمية.