Patriot: الضربة القاتلة
تتداول وسائل الإعلام المختلفة أخبار الهجمات الصاروخية البالستية الشبه يومية التي تطلقها جماعة الحوثي من اليمن، ضد المدن والنقاط الحيوية في المملكة العربية السعودية، وفي المقابل تمكّنت وسائط الدفاع الجوي السعودي، وبخاصة نظام الدفاع الجوي والصاروخي «باتريوت» Patriot من تدمير هذه الصواريخ الداهمة في الجو، وانحصرت أضرارها الطفيفة، بفعل انفجارها في الجو، على الشظايا المتناثرة على مساحات واسعة، محبطة بذلك الهدف الرئيسي لهذه الهجمات الهادفة إلى تدمير المنشآت السعودية الحساسة.
وما دامت هذه الهجمات فاشلة سلفاً، فلماذا التمادي في استخدامها من قِبَل الحوثيين؟ يبدو أنها تحمل في طياتها أغراضاً سياسية تهدف إلى تصعيد العمل العسكري ضد التحالف العربي، والنيل من معنوياته لإملاء شروطها عليه. وهذه الأهداف غير ممكنة التحقق طالما جميع الهجمات باءت بالفشل. في هذه الحالة فإن التكنولوجيا وحدها سيدة الموقف من خلال نظام «باتريوت» صاحب الضربة القاتلة والمساكنة الفاشلة!
بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أن «باتريوت» هو نظام دفاع جوي وصاروخي للمدى البعيد ويعمل على جميع الارتفاعات وفي مختلف الأحوال الجوية لاعتراض الصواريخ البالستية التكتيكية، والصواريخ الجوالة، والطائرات المتقدمة. في الواقع هناك طرازان حديثان لمنظومة «باتريوت»: الطراز الأول طوّرته شركة «رايثيون» Raytheon تحت مسمى «الصاروخ المحسّن التوجيه «باتريوت» Patriot Guidance Enhanced Missile أو GME-T (يُقصد بحرف T أي أنه مضاد للصواريخ البالستية التكتيكية) Tactical Balistic Missiles أو TBM، وهو تحديث للصاروخ السابق PAC-2، يشتمل برنامج التحديث على صاعق رقمي جديد لتحسين الأداء ضد صواريخ TBM ذات السرعات العالية، واستخدام نظام ذبذبة جديد ذي مقطع راداري منخفض وتحديداً لتحسين أداء الحيازة وتعقب هذه الأهداف بما فيها الصواريخ الجوالة في الأماكن الملبدة بالترددات الكهرومغناطيسية.
ويوفر GEM-T قدرة محسّنة للتغلب على تهديدات الصواريخ الجوالة، والصواريخ البالستية التكتيكية المتنشقة للهواء، وهو مجهز برأس باحث تقاربي من شأنه أن يفجر صاروخ Patriot فور وصوله إلى جوار الهدف لتدميره، وهو يكمل عمل الطراز «باتريوت القدرة المحسّنة» Patriot Advanced Capability أو PAC-3.
الطراز الآخر هو PAC-3، كما أسلفنا، وهو من صنع شركة «لوكهيد مارتن» Lockheed Martin، وهو فعال جداً ضد الصواريخ البالستية والجوالة، من خلال استخدام تقنية «الضربة القاتلة» Hit to Kill المتقدمة. تقوم شركة Lockheed Martin بدور المقاول الرئيسي، فيما تقوم Raytheon بدور مدمج الأنظمة، ولدى PAC-3 رأس باحث يعمل بالموجه الملليمترية/ الحيز Ka الذي طورته شركة «بوينغ» Boeing. ويسمح نظام توجيه الصاروخ بتدمير الهدف الداهم بالطاقة الحركية ويمكن تحميل 16 صاروخ PAC-3 في حاوية إطلاق واحدة.
وتستمر عمليات تحديث «باتريوت» على قدم وساق، وكان أحدثها ترحيل برمجيات جديدة تحت مسمى PDB-7X أو «البناء ما بعد الاستخدام» Post Deployment Building، وتسمح هذه البرمجيات لوحدات الإعداد 3 من منظومة «باتريوت» إلى تمييز جميع أنواع الأهداف على غرار الصواريخ المضادة للإشعاعات الرادارية، والطوافات، والطائرات غير الآهلة والصواريخ الجوالة.
وفيما تشهد التهديدات تطوراً، كذلك شأن الصاروخ PAC-3. فاشتقاق «صاروخ الشريحة المحسنة» أو PAC-3 MSE يشتمل على تحديثات مادية وبرمجية مدعومة تكنولوجياً ومحددة بحسب التهديدات. وذلك للتصدي لجميع أنواع المخاطر المتقدمة. ويوفر MSE زيادة متعاظمة من حيث الأداء، والارتفاع، والمدى. كما اختبر PAC-3 MSE (في أيلول/ سبتمبر 2006) ليكون الصاروخ الاعتراضي الرئيسي لنظام MEADS المتعدد الجنسيات.
التطور الأحدث للإعداد 3 أي الطرازين PAC-3 و GEM-T بوشر به في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، عندما قامت الولايات المتحدة والدول الـ 13 الشريكة في منظومة «باتريوت» بتمويل عمليات تطوير «المعالج الرقمي الراداري»، وستسهم إضافة هذا المعالج إلى بطاريات «باتريوت» في توسيع نطاق رصد الأهداف وتحديد هويتها، وزيادة مستوى المراقبة، فضلاً عن خفض أكلاف التشغيل والصيانة، وتعزيز الموثوقية بنسبة 40 في المئة عن المعالج السابق.
يذكر أن منظومة صاروخ «باتريوت» التي أثبتت فعاليتها القتالية في العديد من الأحداث الدولية وبخاصة عملية «حرية العراق» هي الآن قيد الخدمة العملانية في 14 دولة: الولايات المتحدة، مصر، السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، ألمانيا، اليونان، إسرائيل، اليابان، هولندا، تايوان، وإسبانيا وكوريا الجنوبية.
ماذا بشأن توجيه الصاروخ «باتريوت»؟ أولاً، لا بد من الإشارة إلى أن محطة التحكم بالاشتباك AN/MSQ-104، وهي المحطة الوحيدة الآهلة في وحدة باتريوت النارية، تقوم بالاتصال مع محطات الإطلاق M901، وبطاريات «باتريوت» الأخرى والقيادة العليا. ويخدم محطة التحكم ثلاثة مشغِّلين، اثنان منهم لمنضدتي عمل والثالث لمحطة اتصالات مع ثلاث طرفيات ترحيل راديوية. يقع كمبيوتر التحكم الرقمي بالسلاح إلى جانب طرفيات وصلات البيانات التي تعمل بالترددات العالية جداً UHF.
رادار الدفاع الجوي AN/MPQ-53 هو عبارة عن رادار صفيف ممرحل يقوم بمهام المراقبة والرصد، وتعقب الهدف وتعريفه إضافة إلى تعقب صاروخ «باتريوت» وتوجيهه والقيام بوظائف الإجراءات الإلكترونية المضادة المضادة ECCM. يركّب الرادار على قاطرة ويتم التحكم به أوتوماتيكياً بواسطة «كمبيوتر التحكم الرقمي بالسلاح» في «محطة التحكم بالاشتباك» من خلال وصلة بيانات لدى الرادار مدى يصل إلى 100 كلم، وطاقة لتعقب 100 هدف وباستطاعته تزويد بيانات التوجيه للصاروخ حتى تسعة صواريخ في آن، أي التصدي لهجمات شاملة من تسعة أهداف بالتزامن.
بالإمكان تأمين الاشتباك مع الهدف من خلال ثلاثة أوضاع تشغيل: يدوي، شبه أوتوماتيكي وأوتوماتيكي بالكامل. وعندما يتخذ القرار للاشتباك مع الهدف، تقوم «محطة التحكم بالاشتباك» باختيار محطة الإطلاق أو محطات الإطلاق ومن ثم ترسل بيانات ما قبل الإطلاق إلى الصاروخ الذي تم اختياره. ويتم حيازة الصاروخ رادارياً بعد الإطلاق. وتسمح وصلة بيانات القيادة المحملة ووصلة بيانات المرحلة و«التعقب من خلال الصاروخ» Track Via Missile أو TVM بمراقبة مسرى الصاروخ وتزويده بأوامر التوجيه من قِبَل «كمبيوتر التحكم بالسلاح». وعندما يقترب الصاروخ من الهدف، يُشغَّل نظام التوجيه TVM لتسيير الصاروخ نحوه، عندها يتم تفجير الصاروخ بالصاعق التقاربي/ GEM-T أو بالضربة القاتلة/ PAC-3.
وبالعودة إلى السعودية، فإنه وعلى الرغم من أن نظام «باتريوت» دمر جميع الصواريخ الداهمة، فإنه في النهاية جزء من نظام دفاع جوي وصاروخي طبقي متكامل أشبه بالبصلة. وفي حالة السعودية يتألف هذا من النظام من باتريوت للدفاع الجوي على المدى البعيد (من 50 – 70 كلم، ومن «هوك المحسن» Improved hawk للدفاع الجوي على المدى المتوسط (25 كلم)، ومن صواريخ «كروتال» Crotal للدفاع الجوي على المدى القصير (12 – 15 كلم)، ومن «ستينغر» للدفاع الجوي على المدى القصير جداً، وأخيراً الطبقة الداخلية المؤلفة من المدفعية المضادة للطائرات (2.5 – 3 كلم).
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا أفلت الصاروخ من إحدى الطبقات تكون له بالمرصاد الطبقات الأخرى. أما على مستوى برنامج «الدفاع الصاروخي البالستي» BMD الأميركي الاستراتيجي، الذي حلّ محل «الدرع القومي الصاروخي» NMD، المثير للجدل، يشكل باتريوت الدفاع الجوي للمدى القصير، كما يغطي نظام الدفاع الجوي للارتفاعات العالية على مسرح العمليات THAAD المدى المتوسط (حتى سقف الغلاف الجوي) أما SM-3 فيغطي المدى البعيد في القضاء الخارجي وتنضوي جميع هذه الأنظمة تحت منظومة السلاح Aegis الجبارة.
وأخيراً وليس آخراً، فإن نظام باتريوت عصي على التشويش وهو نظام تراكبي مفتوح باستطاعته استضافة التطورات المستقبلية عن طريق تحديث البرمجيات في كمبيوتر التحكم بالاشتباك وليس تحديث المكونات المادية. وتتم عمليات التحديث إما من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية أو الدول الـ 14 الشريكة في منظومة باتريوت، كما رأينا في المعالج الرقمي الراداري أو إحدى هذه الدول، وفي الحالة الأخيرة أي عندما تقوم إحدى الدول بتحديث «منظومة باتريوت» فإنه يُتاحُ لهذه الدولة فرصة كبيرة لتصبح سوقاً مصدرة للبلدان الشريكة في البرنامج.