صواريخ سياسية
حدثان رئيسيان طفوا على سطح الأزمة اليمنية في الآونة الأخيرة وأديا إلى تفاقم الوضع وتصاعد التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران على نحو خطير. الحدث الأول أدى إلى انهيار التحالف الهش أصلاً، الذي أقيم في العام 2015، بين الرئيس علي عبد الله صالح، الرئيس الأقوى في اليمن منذ وصوله إلى السلطة العام 1979، والحوثيين الذين تدعمهم إيران وأدى إلى مقتله برصاصهم إثر انتفاضته عليهم وإبداء استعداده لفتح صفحة جديدة مع الحكومة اليمنية المعتَرف بها دولياً والتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية. وعلى أثر ذلك رحب التحالف العربي بتصريحات علي صالح معتبراً أن موقفه سيخلص اليمن من شرور الميليشيات الطائفية الإرهابية بحسب رأيهم. كما دعا الرئيس اليمني المعتَرف به دولياً الشعب الذي ما زال يرزح تحت وطأة هذه الميليشيات الإجرامية الإرهابية إلى الانتفاض في وجهها ومقاومتها. وسيكون الجيش العربي المرابض حول صنعاء عوناً وسنداً لهم. وإثر ذلك دعا صلاح نجل عبد الله صالح قبيلة حاشد الأكثر نفوذاً في اليمن، التي ينتمي إليها، إلى الثأر ومقاتلة الحوثيين أينما وُجِدوا وتحركوا. ومن شأن دماء علي صالح أن تُعيد توحيد القبائل السبع التي تتشكل منها حاشد. إزاء هذا الوضع سيكون عبد الملك الحوثي الذي جعل حركته ذراعاً واعداً لإيران أمام خيارين: إما المُضيّ في رهانه على إيران وتكبيد بلاده مزيداً من القتل والدمار، وإما العودة إلى بلد عريق بعروبته والانخراط في مسار سياسي تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الداعي إلى معاودة الحوار السياسي لتحصيل حقوق طائفته.
أما الحدث الآخر تجلى في الهجمات الصاروخية البالستية من قِبَل المسلحين الحوثيين على المدن السعودية وبخاصة العاصمة السعودية، الرياض. وبدأت هذه الحملة في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر تاريخ إطلاق الصاروخ الأول.
وتجاهلت وسائل الإعلام الموالية لإيران الجهة التي تمد الحوثيين بهذه الصواريخ، مستغربين أن يكون مصدرها الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولكن الجواب بكل بساطة هو إيران للأسباب التالية: إن الدولة الفارسية هي الجهة الوحيدة التي تمد الحوثيين بالسلاح وبالتالي فهي الجهة التي تمدهم بالصواريخ البالستية؛ سمحت المنظمة الدولية للتحكم بانتشار الصواريخ البالستية للدول اقتناء صواريخ يصل مداها الأقصى إلى 300 كلم وحصرت امتلاك هذه الأسلحة الاستراتيجية في الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة.
وأظهر تقرير أعدّته لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة أن طهران خرقت الحظر على الأسلحة الذي فُرِض على إيران العام 2015 كاشفاً أن الصواريخ التي أطلقها الحوثيون على السعودية هي إيرانية الصنع.
غير أن إيران وإسرائيل هما الدولتان الوحيدتان في منطقة الشرق الأوسط اللتان تخالفان قرارات المنظمة الدولية ولديهما ترسانات من الصواريخ البالستية تتناسب والتهديدات التي قد تتعرضا لها. يذكر أن الدولة الإيرانية لديها شغف بتطوير الصواريخ البالستية ولديها نحو 12 عائلة من هذه الأنظمة التقليدية. تجدر الإشارة إلى أن بعض دول المنطقة، وبخاصة السعودية، لديها أنظمة صاروخية صينية وبرازيلية تراعي متطلبات المنظمة الدولية. وتبلغ المسافة بين الحدود اليمنية والرياض نحو 600 كلم، وبالتالي فإن المصدر الوحيد لهذه الصواريخ هو إيران كونها الوحيدة التي تملك هكذا سلاح؛ وأخيراً فإن الكيان الحوثي هو غير قانوني ويفتقر إلى الشرعية الدولية، بعكس كيان عبد ربه منصور هادي الذي يحظى بهذه الشرعية، حيث تحظِّر القرارات الدولية على الدول تصدير السلاح إلى دول ليس لديها «شهادة المستخدم النهائي» End User Certificate، ناهيك بالصعوبات المالية لاستيراد هذه الأسلحة. ومن الطبيعي أن تكون إيران وهي الجهة التي تدعم الكيان الحوثي وتقوم بتسليحه وتمويله تحت شعار تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية.
غير أن الادعاءات الإيرانية لم تعد تنطلي على أحد، حيث اتهم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في اليوم التالي لإطلاق أول صاروخ بالستي ضد السعودية، أي في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، إيران بشن عدوان عسكري مباشر على المملكة من اليمن. وتأكيداً على ذلك، جاء في بيان التحالف العربي العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن: «ثبت ضلوع النظام الإيراني في إنتاج هذه الصواريخ وتهريبها إلى الميليشيات الحوثية في اليمن، بهدف الاعتداء على المملكة وشعبها ومصالحها الحيوية». وتابع البيان: «إن التورط الإيراني يُعدّ عدواناً عسكرياً سافراً ومباشراً... وعملاً من أعمال الحرب ضد المملكة».
وصرح الناطق الرسمي في قيادة التحالف العربي العقيد الركن تركي المالكي في السابع من كانون الثاني/ نوفمبر: «إن السيطرة على الأسلحة البالستية من قِبَل المنظمات الإرهابية، ومنها الميليشيات الحوثية المسلحة، تمثّل تهديداً للأمن الإقليمي والدولي، وإن إطلاقها باتجاه المدن الآهلة بالسكان يُعد مخالفاً للقانون الدولي».
من جهة ثانية، تعلم إيران جيداً أن صواريخها التي تستهدف المدن السعودية سيتم اعتراضها في الجو بفضل نظامي الدفاع الجوي السعودي: على المدى البعيد «باتريوت ذو القدرة المحسنة – 3» PAC-3 الذي يعمل بتقنية اضرب واقتلHit-to-Kill، والنظام الثاني «الصاروخ البالستي التكتيكي باتريوت ذو التوجيه المحسن» PATRIOT Guidance Enhanced Missile TBM أوGEM-T الذي يعمل بالصاعق التقاربي أي أنه يفجر الصاروخ الداهم على مسافة قريبة منه. وقد حُسِّن الرأس الحربي لهذا الصاروخ لتأكيد تفجير الصاروخ المهاجم في الجو.
تطلق إيران هذه الصواريخ لتوصيل رسالة سياسية مفادها أنها جادة بدعم الكيان الحوثي سياسياً وعسكرياً حتى النهاية، وهذان الصاروخان أثبتا قدرتيهما القتالية المجربة خلال عمليات «حرية العراق» Iraqi Freedom أثناء اجتياح الولايات المتحدة هذه الدولة العام 2003.
وإلى ذلك، فإن نظامPatriotيدخل ضمن نظام الدفاع الجوي المدفعي الصاروخي الطبقي الذي يتألف من أربع طبقات وهو أشبه بِـ «البصلة» من حيث الطبقات، يبدأ بطبقة الدفاع الجوي المدفعي (المدفع فولكان عيار 35 ملم الذي يصل مداه إلى 3 كلم)، يليه الدفاع الجوي للمدى القصير جداً (أو أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف على غرارStinger وMistral)، فالدفاع الجوي للمدى القصير (شاهين و شاهين المحسن)، يليه الدفاع الجوي للمدى المتوسط («هوك المحسن» Improved Hawk)، وبعد ذلك الدفاع الجوي للمدى البعيد على غرار «باتريوت»، وقريباً جداً طبقة الدفاع الجوي للمدى البعيد جداً مع استقدام نظام الدفاع الجوي الطرفي للارتفاعات العاليةTHAAD الذي يصل مداه إلى أعلى الغلاف الجوي. ويذكر أن هذه الأنظمة عصيّة على التشويش، وإذا أمكن لأي صاروخ داهم الإفلات من الطبقة الخارجية فإنه يقع في قبضة بقية الطبقات.
وفي تقديري أن الصواريخ البالستية لا تحقق النصر، وتهدف في معظم الأحيان إلى ضرب المدن لإحباط معنويات المواطنين، تماماً كما فعلت في حرب المدن إبان الحرب العراقية - الإيرانية حيث حصدت الآلاف من الأبرياء.
وكما هو معروف، فإن جندي المشاة هو الذي يحسم المعركة وليست الصواريخ البالستية التكتيكية، حيث تُحشَد جميع القوى لدعم القوى البرية لتحقيق النصر وهذا ما يستدعي إضافة إلى الدعم السياسي والعسكري تقديم الدعم الاقتصادي.
يتم ذلك من خلال فرض السلام العادل في المناطق المحرّرة، كون السلام الانتقامي يحمل في طيّاته، كما علّمنا التاريخ، بذور لحرب مقبلة. وكذلك من خلال تقديم المساعدات المالية للنهوض بالوضع الاجتماعي - الاقتصادي في هذه المناطق وبخاصة إعادة إعمار ما تهدم، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية من خلال مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا بُعَيْد الحرب العالمية الثانية، ومن شأن هذه المساعدات أن تفوز بعقول وقلوب الأعداء وتحقيق حالة السلام المُثلى.
لا شك في أن الإيرانيين يدعمون الحوثيين في رهان واضح على وضع حِرابهم في خاصرة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تنفيذاً لاستراتيجيتها تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية. أمام هذا الوضع فإن قرارات جامعة الدول العربية تدعو إلى النأي بالنفس في حال نشوب نزاع عربي – عربي والاصطفاف مع الحليف العربي إزاء التهديدات الخارجية على قاعدة أُنصر أخاك, فكيف إذا كان مظلوماً». ومن هنا يجب تضافر الجهود العربية لتحقيق عملية صنعاء العروبة ضمن إطار المحافظة على الأمن القومي العربي.^