التحدي الكبير
عقب قرار روسيا تزويد دمشق بمنظومة صواريخ أرض-جو متطورة من طرازS-300، غداة تحميل وزارة الدفاع الروسية «إسرائيل» المسؤولية الكاملة عن إسقاط طائرة استطلاع روسية في السواحل السورية من طراز «إليوشن 20» IL 20، خلال غارات إسرائيلية على مواقع في محافظة اللاذقية في 10 أيلول/ سبتمبر الفائت، وردود «إسرائيل» بالتحذير من تأجيج المخاطر الإقليمية ومن بعدها الولايات المتحدة التي اعتبرت الخطوة الروسية تصعيداً خطيراً وتمنت على موسكو إعادة النظر في قرارها.
سأحاول في هذه الرؤية تسليط الضوء على التحدي التكنولوجي بين الجبارين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الروسي، والمتجدد حصراً في الحرب بالوكالة عبر حليفتيهما بالتتابع أسرائيل وسوريا. إن المواجهة بين اللاعبين الإقليميين هي تكنولوجية بامتياز... تطال منظومة الصواريخ والأنظمة الرادارية التي تقوم برصد وتعقب الأهداف أو المؤثرات المغيرة، وتطال في الجانب الإسرائيلي مقاتلات الجيل الرابع + وحتى الجيل الخامس وما تحمله من أنظمة صاروخية ذكية مضادة للإشعاعات الرادارية، مع الإشارة إلى أن الفريقين يتشاطران أنظمة الحرب الإلكترونية أو الحماية الذاتية لإتاحة الفرصة لكل من مؤثراتهما ضرب الآخر.
بدايةً، لا بد من الإشارة إلى أن الفريق المتفوق تكنولوجياً غالباً ما يحالفه النصر ضد الفريق الأضعف، فكيف إذا كانت هذه التكنولوجيا مجربة!.. وهذا ينسحب على منظومة الدفاع الجويPatriot PAC-3 المجربة قتالياً من جراء خضوعها لبرامج تحديث ديناميكية استجابةً للتحديات الميدانية. وهي الآن مفتوحة تراكبياً لاستضافة التكنولوجيات الحديثة البرمجية للمحافظة على تفوقها العملاني، أي جعلها عصية على التشويش.
وبعكس «باتريوت»، فإن منظومة صواريخS-300، وعلى الرغم من إخضاعها لعدة برامج تحديث كان آخرها الطرازS-300 PMU التي تزودت به إيران وقبرص، فإنها غير مجربة قتالياً. كما أن برامج تطوير عائلات الصواريخS-250، وS-400 ولاحقاًS-500،يستدل منها أن للصاروخ شوائب لا تمكّنه ربما من مواجهة التهديدات الناشئة.
لعل أبرز مثال على التفوق التكنولوجي يتجلى تاريخياً في العام 1973، عندما تمكنت وسائط الدفاع الجوي السورية، وبخاصة منظومةSAM-3 من إسقاط العديد من الطائرات الإسرائيلية. وانعكست هذه الصورة في العام 1982 خلال اجتياح العدو الإسرائيلي لبنان، حيث تمكن سلاحه الجوي من تدمير الأنظمة الرادارية المرتبطة بمنظومة الصواريخSAM-6 بفضل استخدام الصاروخ المضاد للإشعاعات الراداريةHARM.. وهذا ما جعل القوات البرية السورية المرابطة في لبنان عُرضةً للتشفي والانتقام من قِبَل السلاح المذكور فضلاً عن إسقاط أكثر من 80 طائرة سورية.
وإلى ذلك، فإن «إسرائيل» التي كانت على وشك ضرب المنشآت النووية الإيرانية بداية عهد الرئيس الأميركي أوباما، فإنها كانت واثقة من أنها قادرة على شل وتدمير منظومة الصواريخS-300 المنتشرة عملانياً في إيران. ربما أخذت أسرار هذا الصاروخ، وبخاصة حيّز الترددات الراديوية التي يستخدمها لرصد وتعقب الصواريخ الداهمة ونظام الحرب الإلكترونية المجهزة به، من قبرص التي استحوذت على المنظومة نفسها من روسيا، ولم تتمكن من نشرها في قبرص بسبب الفيتو التركي القوي. إلا أن رفض الإدارة الأميركية توجيه هذه الضربة آنذاك وإعطائها الأولوية لاحتواء الأزمة النووية الإيرانية من خلال العمل السياسي حال دون تنفيذها لأن «إسرائيل» مقتنعة أن هكذا حملة تشترط دعماً جوياً ولوجستياً أميركياً حتى يتسنى لها النجاح.
وبالعودة إلى مسرح العمليات السوري، هل السرعة التي نشرت بها روسيا منظومةS-300 تهدف فقط إلى حماية القوات الروسية المرابطة في سوريا وبخاصة محافظة اللاذقية وتحديداً قاعدة حميميم الجوية وإبقاء الأجواء مفتوحة لإسرائيل لضرب الأهداف السورية والإيرانية والميليشيات التابعة للأخيرة؟.. يبدو أن هناك اتفاقاً رورسياً إسرائيلياً يقضي بإبلاغ الأخيرة للأولى وقبل وقت معقول عن الأهداف التي تنوي مهاجمتها، ويبدو أيضاً أن الطرفين قد يعمدان، بعد حادثة الطائرة IL-20، إلى تنظيم هذا الإبلاغ وتعديل قواعد الاشتباك بشكل يحفظ أمن الوجود الروسي في سوريا.
ويسألك المطلع على الوضع لماذا لم تُقدِم روسيا، وهي حليف استراتيجي لسوريا، على تجهيز الدفاعات الجوية السورية بأنظمة تعريف الصديق أو العدو ومع التسليم أن الرادار الذي يتعقب الهدف الجوي غالباً ما ينجذب إلى المقطع أو البصمة الرادارية الأكبر حجماً ومن الطبيعي أن يعشق في هذه الحالة طائرة الاستطلاعIL 20 ويترك المقاتلة الإسرائيلية، كما حصل سابقاً في أوكرانيا!.
وليس مستغرباً في هذه الأيام تكثيف الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق الأراضي اللبنانية لأغراض، كما يبدو، استخباراتية، أي معرفة مواقع صواريخS-300 وحيّز الترددات الراديوية التي تستخدمها إضافة إلى نظام الحماية الذاتية. ربما تعمد «إسرائيل» إلى إرسال طائرة من دون طيار لمعرفة هذه الخصائص. ومن جهة أخرى فإن المقاتلات الإسرائيلية التي تنتمي بمعظمها إلى الجيل 4+ من طائرات القتال، مجهزة بأنظمة حرب إلكترونية من الجيل الخامس ما يجعلها شبيهة إلى حد ما بالطائرة الشبحية. وتشكيل هذه الطائرات غالباً ما يدعم بطائرات هجوم إلكتروني لشل الدفاعات الجوية المعاديةSEAD على أمداء تباعدية وإتاحة المجال للمقاتلات لتدمير هذه الدفاعاتDEAD بصواريخ مضادة للإشعاعات الرادارية على غرارHARM الأميركي أوHARPY الإسرائيلي.
المفاجأة الكبرى التي ستغير قواعد اللعبة هي حصول إسرائيل على عشر مقاتلات ضاربة مشتركةJSF طرازF-35 Lightning II الشبحية بالكامل، أي أنها عصية على الرصد كهرومغناطيسياً باستثناء ثوانٍ قليلة أثناء فتح حاضن الصواريخ لإطلاقها. ومن شأن هذه الطائرة أن تحقق ليس التفوق الجوي فحسب، بل أيضاً السيادة الجوية ليلاً نهاراً وفي جميع الأحوال الجوية.
أمام هذه الوقائع، نرى أن الفريقين الإسرائيلي وبخاصة السوري محرجَين تكنولوجياً لأن انتصار أي فريق على الآخر سيكون له تداعيات سلبية على سوق صادرات الفريق المنهزم. وأعتقد جازماً أن تعمد روسيا إلى الاتفاق مع «إسرائيل» على تحييد منطقة الشمال الغربي السورية، عن الصراع الدائر لحفظ ماء وجهها التكنولوجي وإطلاق يد إسرائيل في الأماكن الأخرى لضرب إيران وأدواتها كما تدعي.
في الختام، فإن المواجهة السورية الإسرائيلية هي تكنولوجية بامتياز والغلبة في النهاية للأنظمة الأكثر تطوراً.
وهنا يكمن التحدي الكبير!..