حرب المُدرّعات: الدبابات وعربات القتال المُدرّعة
شكّل النزاعُ المتواصل في أوكرانيا تذكيراً بليغاً بالوقائع القاسية لحرب المُدرّعات الحديثة. فبينما يتردّد رَجْعُ الأصداء المدوّية لمعارك الدبابات في أنحاء الأصقاع الأوكرانية المشحونة باشتداد وطيس القتال، انبثقت دروسٌ قيّمة، تتحدّى الافتراضات السائدة منذ فترة طويلة وتُشدِّد على الحاجة إلى التأقلم بمواجهة التهديدات المتطوّرة، وهذا ما سلّط الضوء عليه ماركو غيليو باروني المختص بالتكنولوجيا العسكرية.
من بين الاستخلاصات الأكثر إثارةً للاهتمام، الدور الحاسم لمناورة الأسلحة المشتركة بغية الحفاظ على بقاء القوّات المدرّعة. فالدبابات التي افتُخِرَ بها في ما مضى على أنّها تختصر الهيمنة في الميدان، قد انكشف مدى ضعفها عند العمل من دون دعم قوات المشاة، والمدفعية، وسلاح الجو. فقد ثَبُتَ أن انتشار «الصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات» (ATGM)، بل حتى النماذج الأقدم منها، يُمثّل تهديداً قاهراً، قادراً على إلحاق خسائر مدمّرة بالتشكيلات المدرّعة ما لم يتم التصدي لها بالشكل المناسب عبر تكتيكات أسلحة مشتركة حسنة التنسيق.
![مع التوقيع الأخير لاتفاقية المرحلة الأولى Phase 1A، خطا مشروع «نظام القتال البرّي الرئيسي» (MGCS) الفرانكو-ألماني خطوة كبيرة إلى الأمام، قد تُمهِّد الطريق، كما يُؤمل، أمام التجسيد الواقعي لنظامٍ قتالي حصين وافي الاقتدار مع التوقيع الأخير لاتفاقية المرحلة الأولى Phase 1A، خطا مشروع «نظام القتال البرّي الرئيسي» (MGCS) الفرانكو-ألماني خطوة كبيرة إلى الأمام، قد تُمهِّد الطريق، كما يُؤمل، أمام التجسيد الواقعي لنظامٍ قتالي حصين وافي الاقتدار](/sites/default/files/styles/crop_image_style_3_2/public/2025-02/3-%20MGCS%20KNDSOvercoming-challenges-advancing-the-MGCS-future-Main-Battle-Tank.jpeg?h=05abc80c&itok=-4BwFnQR)
فعلى سبيل المثال، كان من شأن تبرُّع ألمانيا بدبابتَيْن من طراز «ليوبارد 2» Leopard 2 إلى أوكرانيا أن عزّز التوقعات بما كان يؤمل أن يكون، في حينه (ربيع العام 2023)، الهجوم المضاد [الأوكراني ضد الروس] الوشيك. وعند الانطلاق الفعلي لهذا الهجوم بعد ذلك بأشهر قليلة، أظهرت اللقطات الفيديوية والصور الثابتة التي انتشرت سريعاً على وسائل التواصل الاجتماعي دبابات Leopard مدمّرة [من قِبَل الروس]. وألقى العديد من المراقبين باللوم في ذلك على عدم خبرة الأوكرانيين بعمليات الأسلحة المشتركة، حيث كانت الدبابات تُرسَل لاقتحام استحكمات العدو بسبب فرط الثقة بقدرات هذه المنصات القتالية. وتؤكد المعلومات التي استحصلنا عليها في الآونة الأخيرة أن مسألة الخسائر الثقيلة هذه (في الدبابات والعربات المدرّعة) هي أكثر تعقيداً بكثير من مجرد فرط الثقة الواهم وإنما تتعلق أيضاً بسلسلة الإمداد الفوضوية للمساعدات الغربية. وربما ما نشهده مع دبابة Leopard 2 هو المثال الأكثر وضوحاً لما يمكن أن يُقال أيضاً عن غيرها من العتاد العسكري، بدءاً بالذخائر المدفعية. فالقوات المدرّعة تحتاج إلى تدريب ودفق متواصل من دون انقطاع للذخائر ولقطع الغيار والوقود.
إن أسطول دبابات Leopard 2 الموجودة حالياً في الخدمة لدى القوات الأوكرانية تملك نقاط تشاركية لوجستية أقل بكثير مما قد يظن المرء، إذ ما من اشتقاق A4 أو A6 للدبابة من بلدٍ ما يتطابق تماماً مع نظيره من بلدٍ آخر. وإضافة إلى ذلك، تبرّعت بعض الدول بعدد قليل من قطع الغيار، وتعيّن إنشاء مركز للصيانة والترميم بمدينة «غليفتسه» (Gliwice) في بولندا. ومع ذلك، ثمة صعوبات هائلة في نقل العربات المتضررة، التي بالكاد يمكن انتشالها أحياناً من الميدان.
![برهنت «عربة المشاة القتالية» الألمانية سابقاً Marder IFV أنّها منصات منيعة وقوية برهنت «عربة المشاة القتالية» الألمانية سابقاً Marder IFV أنّها منصات منيعة وقوية](/sites/default/files/styles/crop_image_style_3_2/public/2025-02/3-marder%20IFV%20Rheinmetall.jpeg?h=fbb0ab3f&itok=7dUvrO-4)
وسلّطت الحربُ الضوءَ أيضاً على القوة الفتّاكة للمدافع المتوسطة العيار، المركّبة على عربات المشاة القتالية. فقد أثبتت هذه الأسلحة التي غالباً ما كان يُغفَل عنها في الماضي، مدى قدرتها على إلحاق الضرر الشديد بعربات المشاة والأخرى المدرّعة تدريعاً محدوداً، لتُرسّخ أهميتها في الميدان المعاصر.
وقد أُجبرت التكتيكات المدرّعة وصنع القرار المتصل بها على التأقلم مع التطورات، والتحوّل من التركيز على القوة التدميرية المحض لكل عربة إلى التصدي لتهديدات «الصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات» المركّزة في مناطق محددة. فعلى سبيل المثال، برهنت «عربة المشاة القتالية» الألمانية سابقاً Marder IFV أنّها منصات منيعة وقوية. فقد شكّلت مدافعها الأوتوماتيكية عيار 20 ملم ومنصات إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات Milan زيادة كبيرة في القوة النارية، ما جعلها قدوة مقتدرة يُعَتدُّ بها. وكان من شأن توليفة تدريعها المحسّن وقوتها النارية المتزايدة أن جعلتها إحدى عربات القتال الأكثر فتكاً واقتداراً لدى أوكرانيا.
![John COCKERILL John COCKERILL](/sites/default/files/styles/crop_image_style_3_2/public/2025-02/4-.jpeg?h=a6da41a2&itok=GLl_m_CU)
وعلاوة على ذلك، أضاء هذا النزاع على مدى أهمية الحفاظ على النِدّية التكنولوجية مع الخصوم في مجالات مثل الاتصالات، والحرب الإلكترونية، و«الاستخبار والمراقبة والاستطلاع» (ISR). وتتوقّف العمليات المدرّعة الفعّالة على مدى القدرة في اغتنام تلك القدرات، وإتاحة صنع القرار المستند إلى الإحاطة أو المعرفة الكافية والمناورات المنسّقة.
ومما يشكّل أهمية أكبر أنّ الحرب في أوكرانيا ربما مثّلت تذكيراً واضحاً بأن التنظيم الوافي، والتدريب الكافي، والإدارة الناجعة للقوات المدرّعة في أوكرانيا هي مسألة حاسمة كشأن امتلاك عتاد حديث متطوّر. إن فشل القوات الروسية، بسبب التكتيكات الضعيفة ونقص التكامل بين الأسلحة المشتركة، قد أكد أهمية هذه العوامل التي غالباً ما يتم التغاضي عنها.
وبينما كانت الخسائر التي ألحقتها «الصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات» بالمدرّعات الروسية كبيرة، فإن الدروس المستقاة لا تُلغي بالضرورة جدوى الدور الذي تؤدّيه الدبابات في الميدان المعاصر. وبدلاً من ذلك، تُشدّد تلك الدروس على أهمية توظيف تلك الدبابات كجزء من قوة أسلحة مشتركة متكاملة على نحو وافٍ، ومدعومة بقوة مشاة ومدفعية ومنصات جوية متناسبة، وموجّهة بتكتيكات مُحكَمة أُعدّت خصيصاً لبيئة تهديدات محدّدة.
وفيما يحتدم النزاع في أوكرانيا، باتت دروسُ حرب المدرّعات المستقاة من هذا البلد تُشكّل رادعاً لواقع النهج المتّبع حالياً، وتحدّياً للاكتفاء بالتكتيكات الراهنة، وهي تُحتّم المطالبة بإعادة تقييم للعقائد القتالية على المدى الطويل.
سيكون للدروس المستخلصة من الميدان الأوكراني تأثير عميق على هندسة العربات المدرّعة المستقبلية التي يجري تطويرها في أوروبا. وقد أتاح معرض Eurosatory 2024 نظرة عامة مختصّة بامتياز على التطوّرات الرئيسية للمنتجات الأكثر أهمية في هذا الحقل.
ومع التوقيع الأخير لاتفاقية المرحلة الأولى Phase 1A، خطا مشروع «نظام القتال البرّي الرئيسي» (MGCS) الفرانكو-ألماني خطوة كبيرة إلى الأمام، قد تُمهِّد الطريق، كما يُؤمل، أمام التجسيد الواقعي لنظامٍ قتالي حصين وافي الاقتدار.
وتذهب طموحات ألمانيا في ذلك فيما يتعدّى «نظام القتال البرّي الرئيسي» MGCS هذا، فهي تقود أيضاً الجهود في تطوير مشروع «الدبابة المدرّعة الرئيسية في أوروبا» (Main ARmored Tank of Europe - MARTE)، وهو مبادرة تعاونية جمعت معاً صناعات دفاعية من كل أنحاء القارة الأوروبية، بدءاً من شركتي «ليوناردو» Leonardo و«إيفيكو» Iveco الإيطاليتين، وشركتي «ساب» Saab و«ب أيه إي بوفورز» BAE Bofors السويديتين، وصولاً إلى شركتي «جون كوكيريل ديفنس» John Cockerill Defence و«أف أن هيرستال» FN Herstal البلجيكيتين، إذ يهدف هذا المشروع المتعدد الجنسيات إلى استحداث منصة دبابة قتال من الجيل التالي تدمج معاً أحدث التكنولوجيات لتأمين قدرات محسّنة، من ناحية الحماية والرصد والقوة النارية. في المقابل، تتصدّر فرنسا، ولو أنها غير مشتركة مباشرة في مشروع MARTE، الجهودَ في مبادرة «تكنولوجيات لدبابات القتال الرئيسية الحالية والمستقبلية» (FMBTech). والمشروع الذي تُنسِّقه فرنسا ويتصدّره العملاقُ الدفاعي «ثاليس» Thales، يجمع معاً شركاء من أنحاء أوروبا، مُتَّحِدين في سعيهم لتطوير تكنولوجيات مبتكرة لهندسة نظام «دبابات قتال رئيسية» (MBT) تراكبية. وتَعِدُ مبادرةُ FMBTech، بتركيزها على القدرات الرقمية، وإدماج الأنظمة غير الآهلة، و«الذكاء الاصطناعي» (AI)، بتوسيع حدود ونطاقات ما هو ممكنٌ في عالم الحرب المدرّعة.
![برنامج M60 A3 – من الدبابة إلى عربة الجيل الثالث المدرعة من «ليوناردو» برنامج M60 A3 – من الدبابة إلى عربة الجيل الثالث المدرعة من «ليوناردو»](/sites/default/files/styles/crop_image_style_3_2/public/2025-02/5-The%20M60%20A3%20Programme-%20From%20the%20tank%20to%20the%20third-generation%20armoured%20vehicle%20%7C%20Leonardo.jpeg?h=233bc356&itok=IQNowgre)
تبذل القوى العسكرية الأوروبية كل ما في وسعها، وتستطلع كل الإمكانيات، وتغتنم كل القدرات لتحقيق التفوّق التكنولوجي، وإرساء تحالفات، وحشد الموارد لاستحداث منصات قتالية مُدرّعة من شأنها أن تُعيد تعريف الطبيعة الفعلية لحرب الدبابات. وفي خضم هذا الجهد التعاوني، يُصاغ مستقبل القوة التدريعية، تلك التي تَعِد بتجهيز الجيوش الأوروبية، وربما الجيوش الحليفة، بالمعدات الضرورية لمواجهة تحدّيات ميدان لا ينفكّ يتغيّر، هذا إذا ما أُنتِجت تلك المعدات بكميات كافية!^
![Challenger - Main Battle Tank Challenger - Main Battle Tank](/sites/default/files/styles/crop_image_style_3_2/public/2025-02/6-Challenger-2-Main-Battle-Tank_Army-2_.jpeg?h=cad97694&itok=4z7Pj0o6)