F-35: مقاتلة عصر المعلومات
شكَّلَ ظهور مقاتلة الجيل الخامس المتطوِّرة F-35 وتطوراتها المتقدّمة في دمج البيانات عصراً جديداً في قيادة الطائرات، حيث يتعيّن على الطيّارين التمرُّس على مجموعة واسعة من المعلومات المتضافرة لاتّخاذ قرارات سريعة وتكتيكية، وهذا ما أضاءت عليه نشرة «ديجيتال باتل سبايس» Digital Battle Space الدولية المتخصِّصة.
فقد اعتبرت وسائل الإعلام الرئيسية، وبعض السياسيين، المقاتلة الضاربة المشتركة F-35 JSF بكونها نوعاً من البرنامج المُكلِف المُضيِّع للوقت والجهد، في حين أنّ بعض المُنتقِدين شكك في الحاجة إلى مقاتلة خفيّة في عصر النزاعات المناهِضَة للإرهاب ضدّ خصومٍ ذوي قدرات متدنّية من ناحية التكنولوجيا.
وكانت مقاتلات سابقة قد قطعت شوطاً في هذا الصدد. فشاشات العرض المركَّبة على خوذة هي قيد الاستخدام على متن مقاتلات «يوروفايتر تايفون» Eurofighter Typhoon و«ساب غريبن» Saab Gripen، في حين أنّ شاشات العرض الرأسية قد أصبحت شائعة جداً في الطائرات المقاتلة لدرجة أنّ هذه التكنولوجيا باتت حالياً معيارية حتى في تجهيز بعض السيارات. لكنّ سعة وكثافة مصادر البيانات المختلفة وتقديمها متكاملةً للطيّار هي ما تجعل مقاتلة الجيل الخامس F-35 - وسابقتها في تطوُّر مقاتلات الجيل الخامس أي F-22 - مختلفة إلى هذا الحدّ.
يتبدّى أنّ هذه المنصّات، عندما تُقرَن بأعلى مستويات الأتمتة في أنظمة التحكُّم بالطيران على متنها، إنّما تتطلّب وسائل تفكيرٍ جديدة حول دور طيّار المقاتلة.
وفي سلسلةٍ من المحاضرات التي أٌلقيت في المؤتمرات على مدى العام السابق، أخذ أعضاءٌ في سلاح الجو الملكي البريطاني، الذين أُنيطَت بهم مهمة إدخال مقاتلة F-35 إلى الخدمة، التحدُّث عن هذا النوع الجديد من الطيّار كونه «طيّار مقاتلة عصر المعلومات». إنّه ذلك الطيّار الذي يملك المهارات ذاتها التي يتّسِم بها أولئك الذين يُحلِّقون بتصاميم طائرات أقدم عهداً، لكنّه يملك أيضاً القدرة على فهم واستيعاب مجموعة واسعة من المعلومات والعمل بموجبها.
ويملك آل نورمان Al Norman، كبير طيّاري اختبار F-35 لدى شركة «لوكهيد مارتن» Lockheed Martin، خبرةً تعود إلى الجيل الثالث، حيث حلَّقَ على متن طائرات F-4 Phantom ذات مقعدَين تابعة لسلاح الجو الأميركي قبل أن ينتقل إلى مقاتلة F-16 الأحادية المقعد من الجيل الرابع. لقد كان طيّارَ الإختبارات لشركة Lockheed Martin على متن مقاتلتَي F-16 و F-22 فضلاً عن مقاتلة F-35، لذا فهو الرجل المناسب لتقييم كيف أنّ المستويات المتزايدة من الأتمتة، وقدرات المستشعرات المحسَّنة، ودمج البيانات المكثَّفة، تُغيِّر دور الطيّار.
وقال نورمان: «لم يكن بوسعي كطيّارٍ على متن مقاتلة F-4 من الجيل الثالث أن أُشغِّل الرادار، لذا كان على زميلي الجالِس في الخلف أن يقوم بذلك بدلاً منّي. لقد كانت يداي مُنشغِلتَين كلّياً بتحليق الطائرة. ومن ثمّ انتقلتُ إلى طائرة F-16 من الجيل الرابع، وهو ما منحني مزيداً من القدرة على المناورة والاستقرار، لذا كان بإمكاني أن أُحلِّق بالطائرة بطريقةٍ أفضل. إنّ القسم الكبير من مهارتي ومقدرتي يأتي من الجمع والمضافرة معاً بين ما تقوم به أناملي في أزرار التحكُّم وما كنتُ أشاهده على شاشتي. بيدَ أنّ الجهد الفكري المتسارِع الذي كان عليَّ تأديته للجمع في ما بين كلّ تلك المعلومات واستحداث صورةٍ ما في ذهني كان عبئاً يتعيّن عليَّ القيام به بنفسي».
وواصل يقول: «أمّا مع طائرات الجيل الخامس، فقد أصبحت الأشياء أكثر مرونةً وبديهية. فالمقاتلة النفّاثة باتت تقوم بالكثير من الأشياء بدلاً من الطيّار، تلك التي كان يعتاد القيام بها بنفسه. ففي طائرة F-4، كان مُشغِّل الرادار هو فعلياً مكان الكمبيوتر الذي يُترجِم ما كان يرِدُ بكثافة على راداري، ويُظهر ما إذا كان ثمة هدفٌ هناك، أو يتعقَّب الهدف».
وتابع نورمان: «في مقاتلة F-16، كان نظام الرادار يستطلع ذلك ويتعقّب الهدف لأجلي حينما أطلب منه تعقُّبه. أمّا في مقاتلة F-35، فإنّ النظام - الذي يتفاعل مع جميع الأنظمة الأخرى - يتجاوز كلّ هذه القدرات: إنّه يعمل كمُفسِّرٍ لكلّ العالم المحيط، لمَنحِي معلوماتٍ كطيّارٍ، وكآمرٍ للميدان الجوي. لقد اعتدت في ما مضى على جَمْع المعلومات معاً بنفسي، وكان ذلك يستغرق بعض الوقت للقيام به».
ويصف نورمان التحوُّل في المَنْحَى التفكيري للطيّار المُشغِّل من منصّاتٍ على غرار F-15، و F-16، و F/A-18 إلى مقاتلات الجيل الخامس من طرازَي F-22 و F-35 بكونه انتقالاً «من التقني إلى التكتيكي».
وقال: «حينما تجمع القدرة الخفيّة مع القدر الهائل من معلومات المستشعرات التي تستوعبها المقاتلة وتُقدِّمها للطيّار، فإنّ ذلك يستحدث معاً طفرة كبيرة في القدرات». وتابع: «فمع الخوذة (بشاشة العرض فيها)، على وجه الخصوص، غدونا بالفعل متَّحدِين مع المعلومات. وهذا يعني أنّني لستُ مضطرّاً للقيام بما تُملِيه عليَّ البيئة – ولكن أنا مَنْ يُملِي ما الذي سيحدث في الميدان الجوي».
يُردِّد كابتن المجموعة الجوّية (Gp Capt) إيان تاونسيند Ian Townsend، قائد وحدة مقاتلات «أف-35 لايتنينغ II» F-35 Lightning II لدى سلاح الجو الملكي البريطاني، صدى ما قاله نورمان. فلم يُحلِّق تاونسيند على متن F-35 بالفعل لكنّه أمضى وقتاً طويلاً في جهاز محاكاة هذه المقاتلة الضاربة المشتركة JSF من الجيل الخامس. وأوضحَ أنّ الفوارق الأساسية بين كيفية تشغيل مقاتلة F-35 وكيفية تحليقه على متن مقاتلة «تايفون» Typhoon.
وقال تاونسيند: «من أجل أن تبني صورة واضحة حول ما يجري من حولك في مقاتلة Typhoon، لديك ثلاثة تلفازات وعليكَ أن تتنقَّل بين عددٍ من شاشات العرض المختلفة على تلك التلفازات لبناء الصورة».
فشاشة العرض اللمسية، التي هي بحدّ ذاتها جديدة بالكامل وفريدة في مقاتلة Lightning، تعرض فوراً مجموعة من المعلومات التي جُمِعَت معاً على نحو أمثل. وما تحصل عليه بالفعل هو معلومات وافية وتحاول المقاتلة النفّاثة جاهدةً أن تُخبرك بما يحدث من حولك، لذا ليس عليك أن تفهم تلك المعلومات، ما يسمح للطيّار بأن يملك الوقت الكافي لاتّخاذ القرار ومن ثمّ التصرُّف».
وهناك 11 دولة تنوي حالياً تشغيل مقاتلات F-35، جميعها تملك مقاتلات أقدم عهداً ستواصل الخدمة إلى جانبها. ويُحتَمل، لأسبابٍ عديدة، أن ترغب تلك الدول في إدخال نوع من قدرة دمج البيانات وإدراك محسّن للوضع في قمرات قيادة أساطيل طائراتها التقليدية. وقد تنشد دولٌ أخرى خارج برنامج F-35 أيضاً أن تمنح طيّاري مقاتلاتها بعضاً من تلك التحسينات.
ولم تألُ الصناعة جهداً في استثمار هذه السوق المحتملة. فمن بين أنظمة إعادة تجهيز المقاتلات المتوافرة حالياً ما طوّرته شركة الصناعات الجوفضائية الإسرائيلية «آي أيه آي لاهاف» IAI Lahav وهو «المحطة التشبيكية المركزية المدمجة» INCT لتلبية طلبات بعض العملاء، بدلاً من الاستجابةً لمطلب محدّد.
وفيما تشمل التغييرات التكنولوجية في هذا الصدد التطبيقات واستخداماتها، فإنّ الصعوبة الأساسية التي تواجه الدول التي ترغب في تعديل أنظمة إلكترونيات الطيران في مقاتلاتها وكمبيوترات المهمة هو أنّ أي تغييرٍ صغير غالباً ما يُبرِّر ضرورة إجراء تحديثٍ شاملٍ للبرمجيات الأساسية. وهذا ما يتطلّب بدوره إعادة اختبار مكثَّف لكامل طقم إلكترونيات الطيران لضمان أنْ لا تُشكِّل الطرز الجديدة تعارضاً غير متوقَّع مع الأنظمة الأخرى على متن الطائرة. وهذا غالباً ما يستغرق سنوات عديدة لاستكماله وتترتَّب عليه كلفة باهظة.
وفي السعي إلى استحداث إلكترونيات طيران عامّة جرى تطوير «المحطة التشبيكية المركزية المدمجة» INCT التي إذا ما أُدمِجَت في المنصّة تتيح تطوير تطبيقات جديدة وتركيبها على محطة INCT من دون الحاجة إلى التثبُّت من التوافق مع الطائرة من دون استبدال كمبيوتر الطيران الرئيسي التي جُهِّزت به الطائرة.
ومن المنتظر أن تبقى الطائرات التقليدية تُحلِّق في الأجواء على مدى السنوات الـ 20 أو الـ 30 المقبلة، سواء لأسبابٍ عملانية أو كطائرات تدريب لمقاتلات الجيل الخامس. كما أنّ الدول التي تملك مقاتلة F-35 سترغب على الأقل في أن تُطبِّق بعض قدراتها في طائراتها من الجيل الرابع، وذلك يتم عبر منحها مستوى مختلف كلّياً من القوة الكمبيوترية.
كلّ ذلك يطرح السؤال حول ما إذا كان طيّار مقاتلة عصر المعلومات شخصاً مختلفاً عن أولئك الذين يُحلِّقون بمنصّاتٍ أقدمَ عهداً. فمهارات التحليق الميكانيكية لن تتراجع أهميتها، بيدَ أنّ المساعدة المتوافرة من الطائرة قد تعني ذاك الذي ليس بالضرورة متفوِّقاً في التحليق التقليدي، بل ذلك الذي يتَّقِن بشكلٍ خاص استيعاب المعلومات الغنية لوضع صورة مَنْ سيكون طيّاراً أفضل لمقاتلة F-35 من أولئك الذين تفوُّقوا في التحليق بمقاتلة Typhoon أو F-16.
وقال نورمان: «إنّ بعض الخصائص التي تجعل طيّارَي المقاتلات متميِّزين إنّما تعود إلى الأيام الخوالي للمنصّات الطائرة الأولى. فتلك الخصائص تعني أن تكون قادراً على أنْ تتَّسِم بالمرونة وقابلية التكيُّف، وأنْ تكون قادراً على التفكير سريعاً خلال تنفيذ المهمة، وأنْ تكون قادراً على معرفة ما يجري من حولك، وأنْ تحاول أن تستشرف ما هو آتٍ. إنّ تلك الأشياء التي تجعل طيّاري المقاتلات ناجحين اليوم ستبقى ذخراً في أي طائرة سيُحلِّقون بها غداً».
ومهما يكن من أمر، يرى نورمان أنّ الجيل الذي ترعرعَ في ظل التكنولوجيا الاستهلاكية السائدة اليوم سيكون أكثر تهيُّؤاً للانتقال إلى مستوى طيّار عصر المعلومات من الطيّارين المتمرِّسين بسُبُل التحليق التي طُوِّرَت في الطائرات الأقدم عهداً.
وأضاف نورمان: «حينما نضعُ شبّاناً في قمرة قيادة طائراتنا الاختبارية، فإنّهم سُرعان ما يستوعبون الفكرة الكاملة للعرض المرئي للكثير من المعلومات الواردة معاً بوتيرةٍ سريعة جداً. وأعتقد أنّ هؤلاء الشبّان المعتادين على هذه التكنولوجيا سيتآلفون مع هذه المنصّة بسرعةٍ أكبر من الطيّارين المخضرمين الأكبر سنّاً مثلي».
وربّما ما يُشكِّل أكثر أهمية أنّه وفيما ينتقل الطيّار من كونه تقنياً إلى صفته تكتيكياً، ومع المقدرة الخفيّة لمقاتلة F-35 للتحليق في مجالٍ جوّي عالي التهديد، تُطرَح أسئلةٌ حول التكتيكات أو حتى الاستراتيجية المعتمدة. فالمسألة لا تتعلّق فحسب بفهم الصورة المعلوماتية الموسَّعة، بل إنّ التحدّي يمتدُّ ليطال الطيّار الذي يتعيّن عليه أن يكون قادراً على اتّخاذ القرارات وما إذا كانت المعلومات التي يملكها قيِّمة للآخرين بما يستوجب تمريرها لهم. وبغض النظر عمّا تتمتّع به الطائرة من قدرات خفيّة، فإنّها إذا لم تستخدم وصلات اتصالات لطائرات صديقة أخرى أو تلك التي تصلهم بالقادة، فثمة مخاطر من أن تكشف وجودها في الجو بل وحتى موقعها.
وستكون F-35 الطائرة التي ستستخدمها الجيوش للتحليق في مناطق خطرة من أجل تنفيذ ضرباتٍ ضدّ منشآت دفاع جوّي مرتكزة أرضاً أو مواقع رادارية، لكن قدرات «الاستخبار والمراقبة والاستطلاع» ISR لديها تعني أنّها قد لا تعود إلى قاعدتها سريعاً بعد أن ترمي قنابلها، بل إنّ الطائرة قد تُنفِّذ تقييماً لأضرار المعركة، وتؤدّي مهام مراقبة واستطلاع للميدان ما بعد الضربة، أو حتى أن تعمل كمحطة أو وسيط إتصالات للقيادة والسيطرة C2 مع منصّات ضاربة أخرى في ذلك المجال الجوّي المحموم.
سيتطلَّبُ كلٌّ من تلك الأدوار مع ذلك معرفة مكثّفة ومتخصِّصة من قِبَل الطيّار، فضلاً عن وضع أعباء معرفيّة كبيرة على عاتقه في قمرة القيادة. وسيكون هناك لا ريب حدود لِمَا يمكن للطيّار أنْ يُنفِّذه.
وقال تاونسيند: «نظراً لكون هذه المقاتلة تستأثر بالأتمتة عبر المستشعرات، فإنّها تقوم بجَمْع المعلومات في الوقت الذي يكون فيه الطيّار يُجري نشاطاً للتحكُّم الجوّي، وقد تستحضر وتستعرض تلك المعلومات فيما يكون الطيّار يُنفِّذ هجوماً».
ويواصل القول: «هذا ما يسمح للطيّار بأنّ يكون قادراً على القيام بأشياءٍ كثيرة بالتزامِن. لكنّني لا أقترح ذلك لأنّ المقاتلة فيما هي ترمي صاروخ (جو-جو ما بعد خط النظر) «ميتيور» Meteor أو صاروخ (جو-جو المتوسط المدى المتقدّم) AMRAAM فإنّها أيضاً قادرة على أن تُسقِط بالتزامن مع ذلك قنبلة «بايفواي» Paveway (موجَّهة ليزرياً). أعتقد أنّنا ينبغي هنا أن نتّسِم بالواقعية. إنّ قدرات المقاتلة جيدة جداً، لكنّها ليست سحرية».
وتابع تاونسيند: «أعتقد أنّنا هنا ينبغي علينا كطيّارين أنْ نعتمد ذلك التحقُّق الحِسّي للواقع». وأضاف موضِحاً: «إذا ما أُنيطت بالمقاتلة، يوماً ما، مهمة الانطلاق لمهاجمة نظام الدفاع الجوّي المتكامل لدولةٍ ما، عندها ينبغي عليها أن تُركِّز على تلك المهمة كلّياً - ولا أقترحُ بتاتاً أنّها فيما هي تُنفِّذ مهمتها تسعى إلى القيام بدور محطة قيادة وسيطرة C2 جوّية بشكلٍ ما. ذلك يتعدّى نطاق الواقع. لكن ما قد تبيّن لنا في بعض النشاطات المبكرة للتوافق التشغيلي بين منصّات الجيلَين الرابع والخامس التي قد نفّذناها هو أنّ مقاتلة Lightning لا تعمل كمنصّةٍ مُنسِّقة على هذا القدر».
ويتابع: «لا حاجة لأن تكون في الخط الأمامي للتشكيلات الجوية، حيث يمكنها أن تستخدم ما تؤمنه طائرات القتال المتوافرة، ومن خلال المعلومات المحسَّنة التي يمكن لمقاتلة Lightning أن تُقدِّمها، بوسعها أن تجعل تلك الطائرات الأخرى أكثر فعالية وكفاية».
وبالطبع، سيحتاج الطيّار الذي يُحلِّق بمقاتلة F-35 إلى نوعٍ من التدريب يختلف جداً عمّا خضعَ له سابقاً. وهناك عددٌ من التحدّيات أمام التحليق الفعلي لـ «المقاتلة الضاربة المشتركة» JSF وستعتمد هذه المنصّة على أجهزة محاكية أكثر بكثير ممّا كان عليه الحال مع المنصّات الأقدم عهداً.
ويطمح سلاح الجو البريطاني إلى إجراء نصف تدريباته على مقاتلة F-35 في بيئةٍ مركّبة. وهذا يعني أنّ المتدرِّبين والقوات العسكرية التي يعملون لصالحها ينبغي عليهم إعادة التفكير في وجهات نظر متَّبعة منذ فترة طويلة حول ما إذا كان التدريبُ المركَّب تدريباً «حقيقياً» أم لا.
وقال تاونسيند في هذا الإطار: «إنّني أعتبر البيئة المركبة بيئةً حيّة. فإذا ما تعرَّض أحدهم لحادثة في هذه البيئة، حيث يكون ثمة مسألة العامل البشري، واقترفَ خطأً، فإنّنا نُبلِغُ عنه بالفعل بالطريقة ذاتها تماماً كما لو أنّ ذلك الخطأ قد اقتُرِفَ في طائرةٍ حقيقية حيّة. وأرى أنّنا نسبق الأمم الأخرى بعشر سنينٍ على الأرجح في هذا الصدد، وهذا تقدُّمٌ كبير. وبإمكاني بالفعل أن أُظهِر لكَ مجموعة من الأمثلة التي اقترفَ فيها المتدرِّبون أخطاءً وقد رُفِعَت تقاريرٌ بشأنها، وكان لها تأثيرٌ تصحيحي مماثل على السلك المختص كشأنها تماماً لو كانت قد حدثت في طائرة حيّة».
لذلك لا يتعيّن أن يكون طيّار مقاتلة عصر المعلومات متمتِّعاً بمجموعة مهارات مختلفة عن أولئك الذين يُحلِّقون بأجيالٍ سابقة من المقاتلات، لكنّ الدور الذي يُنفِّذه وكيفية جهوزيته للقتال سيتغيِّر إلى حدٍّ كبير. إنّ التكنولوجيا تُمكِّن ذلك التغيير، لكنّها في بعض الأوجه تدفعه قُدُماً أيضاً.
وكما هو الحال مع أي نظام سلاح جديد، قد يستغرق الأمر وقتاً ويتطلّب خبرةً مستقاة من مهام التدريب وكذلك من القتال على حدٍّ سواء قبل أن تتبدّى فعلياً إمكانات مقاتلة F-35. أمّا كَسْب فهمٍ كاملٍ عمّا بإمكان المقاتلة أن تقوم به، وما هي أفضل السُّبُل للتحليق بها وخوض القتال من على متنها، إنّما سيستغرق سنين - لذا فإنّ المهارة الأساسية التي ينبغي على طيّاري الجيل الجديد من المقاتلات أن يتعلَّموها هي لربّما الصبر.^