بنادق القنص: تغطية فجوة المدى
ظهرت بندقية القنص المتخصصة الحديثة (DMR) استجابةً للظروف التي واجهتها في الصراعات اللامتماثلة التي اندلعت بعد العام 2000، ولا سيما في ميدان القتال الأفغاني. ببساطة، ارتفع الطلب لاستكمال المخزون الحالي من أسلحة المشاة، وعلى وجه الخصوص لسلاح باستطاعته أو يؤمّن مدى متزايداً وزيادة مهمة في وقف القوة النارية للخصم. وإلى جانب اعتمادها المتزايد، ظهرت تصاميم بندقية DMR الجديدة لتلبية هذه المتطلبات
تعود أصول مفهوم DMR إلى أوائل الستينيات وذلك بعد أن اختارت القوات المسلحة الأميركية بندقية M16 بخرطوشة M193 عيار 5.56X45 ملم. وكان للولايات المتحدة تأثيراً في السابق باختيار العيار 7.62X51 ملم كطلقة بندقية معيارية لحلف الناتو في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وبحلول أوائل الستينيات، استخدمت معظم دول الناتو تستخدم بنادق بخرطوشة عيار 7.62X51 ملم. في ذلك الوقت، أصبح واضحاً للعيان أن الولايات المتحدة كانت تختار طلقة متوسطة العيار 5.56X45 ملم لبندقية هجومية. وفي أواخر الستينيات، تغيرت الحكمة التقليدية، وكان الهدف هو تطوير بندقية وسيطة معيارية للأسلحة الصغيرة التابعة لحلف شمال الأطلسي والتي من شأنها أن تحل محل أو تكمل الأنظمة الحالية من عيار 7.62X51 ملم.
في نهاية المطاف، طوّرت شركة FN Herstal البلجيكية طلقة SS109 عيار 5.56X45 ملم، وتم اختيارها من قبل حلف الناتو في تشرين الأول/ أكتوبر 1980 وبقيت على هذا الحال حتى يومنا هذا. تجدر الإشارة إلى أن الطلقة المعيارية قد تحسّن أداؤها على مر السنين مصحوباً بنتائج مذهلة. ومع ذلك، هناك الكثير الذي يمكن تحقيقه بطلقة من هذا العيار. مما لا شك فيه أن التطورات الثورية تساعد في تصاميم البنادق الهجومية، كما هو الحال مع تركيب جهاز بصري. ومع ذلك، كان يُنظر إلى الطلقة 5.56 × 45 ملم بشكل عام على أنها مناسبة من الناحية العملانية حتى كشفت الظروف في أفغانستان الحاجة إلى سلاح جديد.
وتوصل آخرون بالفعل إلى خلاصة مفادها أنه في حين أن البندقية الهجومية كانت بالضبط ما تحتاجه وحدات المشاة من حيث القوة النارية، فإن فقدان المدى مقارنة بالطلقة المستخدمة في المعارك القديمة كان موضع اهتمام. كانت هذه معضلة قرر الجيش السوفيايتي السابق مواجهتها في أواخر خمسينيات القرن الماضي واختار في النهاية حلاً يمكن تصنيفه على أنه DMR.
ورث الجيش السوفياتي طلقة 7.62x54R ملم، من الجيش الروسي الإمبراطوري، باعتبارها طلقة قتالية معيارية لبندقية Mosin-Nagant، التي دخلت الخدمة للمرة الأولى في العام 1891. وبعد سنوات من البحث عن طلقة بديلة، توصلوا إلى أن العيار المتوسط 7.62X39 ملم هو الحل الأفضل لاستخدام الأسلحة الصغيرة مستقبلاً، وكان هذا هو العيار الذي تم تصنيفه في العام 1943. وكان استخدامه الأولي في بندقية SKS، لكنه جاء بالفعل إلى الصدارة مع بندقية AK-47 الهجومية واشتقاقاتها المتعددة. قدمت بندقية القوة النارية المطلوبة، ولكن مداها المنخفض كان مثيراً للقلق. أدى ذلك إلى اتخاذ قرار، في خمسينيات القرن الماضي، بتطوير ما يسمى اليوم DMR وسيستخدم هذا السلاح طلقة 7.62X54R ملم القديمة والتي كان من المقرر أيضًا أن تبقى في الخدمة كطلقة رشاش.
تبعاً لذلك شركة Dragunov بندقية SVD بمخزن خرطوش سعة 10 طلقات ومجهزة بالمنظار البصري 4x PSO-1 ومناظير ميكانيكية احتياطية. يمكن استخدام طلقات 7.62X54R ملم المعيارية، ولكن ذخائر Match grade الخاصة متوافرة، تقدم أداءً متزايداً. وعلى مر السنين، تم تطوير اشتقاقات متعددة من السلاح بطرز غير مرخصة تم تصنيعها في الصين، وإيران والعراق وأماكن أخرى. يمكن أيضاً تجهيز السلاح بالمناظير الليلية 1PN51 أو 1PN58، إذا تم تركيب سكة بيكاتيني المناسبة. تم استخدام بندقية SVD على نطاق واسع في الجيش السوفياتي حيث ارتفع مدى تغطية المشاة إلى ما بين 600 و800 متر. وتم إنتاج SVD بأعداد هائلة منذ أوائل الستينيات فصاعداً وانتشرت في جميع أنحاء العالم.
من الضروري التأكيد على الأداء المهم لـ SVD عند دخولها الخدمة. حتى أواخر الثمانينيات، كانت بندقية القنص المعيارية للجيش البريطاني هي L42A1، وهي سلاح من عيار 7.62X51 ملم يستند إلى بندقية Lee Enfield القديمة التي يتم تلقيمها يديوياً. كانت قدرات الأداء الرسمية لبندقية L42A1 عبارة عن مدى فعال يصل إلى 600 متر ومدى الحد من حركة العدو حتى 800 متر. تبعاً لذلك، أدرك الجيش البريطاني لاحقا أهمية القنص وبالتالي تحسين قدراته بشكل كبير في هذا المجال. ومع ذلك، فإنهم، مثل العديد من جيوش الناتو الأخرى، ربما فشلوا في معالجة المشاكل التي قد تسببها SVD والأسلحة المماثلة في المستقبل.
تعتزم روسيا في نهاية المطاف استبدال SVD بـ Chukavin SVCh من مجموعة كلاشينكوف. وسيكون هذا السلاح شبه الآلي متاحا في أعيرة متعددة لتطبيقات DMR وفي إعداد بندقية قنص مخصصة بطراز .338 Lapua Magnum عيار 8.6x70 ملم ومخزن ذخيرة سعة 10 طلقات. تم تجهيز السلاح بسكة Picatinny MIL-STD-1913 لدمج المنظار وجزئياته. تتوافر اشتقاقات DMR بعيار 7.62X51 ملم، مع مخزن خرطوش سعة 10 أو 20 طلقة، أو عيار 7.62X54R ملم حيث يمكنهم استخدام المخزن المعياري SVD سعة 10 طلقات.
مع تطور العمليات العسكرية في أفغانستان، وجد الجيش البريطاني نفسه مضطراً للتعامل مع الأسلحة المعيارية المحدودة لحضيرة المشاة عيار 5.56X45 ملم. أولاً، لقد تم تجاوزهم بأسلحة من نوع SVD، وثانياً، افتقرت الطلقات المعيارية عيار 5.56X45 ملم إلى «قوة التوقيف» على أمداء متباعدة. وعلى نحو متزايد، اكتسبت حركة طالبان أيضاً مدخلاً إلى الدروع الجسدية، ما جعل من الصعب شل الأهداف. وقد فتح هذا الطريق أمام المتطلبات العملانية الملحّة (UOR) لأسلحة المشاة التي باستطاعتها الاشتباك بنجاح وشل الأهداف على أمداء بعيدة.
كان الهدف هو الحصول على سلاح شبه آلي ذي دقة عالية عيار 7.62X51 ملم والذي سيكون فعالًا بشكل خاص على أمداء تراوح بين 600-800 متر. تم تقييم العديد من الأسلحة المختلفة بما في ذلك بندقية FN Herstal SCAR-H، و Heckler & Koch (H&K) HK417، وهو اشتقاق من البندقية AR-10 من صنع Sabre ونظام السلاح المعياري LMT Defense LW308. تم اختيار السلاح الأخير المتطلبات العملانية الملحّة UOR في العام 2009 ويتميز بسبطانة طولها 406 ملم ومخزن ذخيرة سعة 20 طلقة. وهو مزود بمنظار بصري 6X48 Trijicon ACOG TA648 ومنظار النقطة الحمراء Trijicon Rugged Miniature Reflex (RMR). كما يتوافر أيضاً MilSight S135 MUNS (Magnum Universal Night Sight). تم تصنيف السلاح على أنه L129A1 Sharpshooter من قبل الجيش البريطاني وتم طلب دفعة أولية مؤلفة من 440 قطعة سلاح.
دخلت بندقية L129A1 الخدمة في أفغانستان في العام 2010 وكانت ناجحة للغاية حيث تم طلب 3000 بندقية بحلول العام 2014. ولعل الإقرار الأفضل لبندقية L129A1 هو أنها على عكس أسلحة المشاة الأخرى التي حصل عليها الجيش البريطاني بموجب شروط UOR، على سبيل المثال، البندقية الرشاشة L110 عيار 5.56X45 ملم ومدفع الهاون عيار 60 ملم، ولم يتم سحبها من الخدمة بعد انتهاء العمليات في أفغانستان. في الواقع، كان من المقرر العثور على دور إضافي حيث تم اختياره لتلبية متطلبات سلاح دعم القناص (SSW). في الجيش البريطاني، يعمل القناصة كفريق مؤلف من شخصين - القناص الذي يحمل بندقية قنص L115A3 في .338 Lapua Magnum عيار 8.6X70 ملم مع مؤشر دعم القناص Schmidt & Bender 5-25×56 والبندقية المجهزة بمؤشر الطلقات SSW. تم اختيار L129A1 لتلبية متطلبات SSW وفي هذا الشكل سيتم تجهيزها بحاجبة لهب Surefire ومنظار Schmidt & Bender L17A2 3-12×50.
لا تنتهي قصة LMT Defense L129 عند سلاح SSW، حيث يوجد الآن اشتقاق لنظام جديد في إعداد L129A2. مغاوير البحرية الملكية هي في منتصف عملية تحديث كبيرة للقدرات كجزء من برنامج قوة المغاوير الخاصة بهم. وكجزء من هذا التحديث، سوف تتلقى البحرية الملكية البندقية الهجومية الجديدة L403A1 عيار 5.56x45 ملم، كما سيقومون بتحديث قدراتهم في DMR من خلال الحصول على حيازة بندقية L129A2 الجديدة. تتميز L129A2 بتغيرات مهمة مقارنة بالطراز الأساسي L129A1: تم تحديث المغلاق في نظام البندقية التراكبية القابل للعمل في كلتا اليدين (MARS-H)؛ وهناك زند يعمل على مرحلتين، وساق قابل للتعديل؛ كما أن سكة البيكاتيني أطول من L129A1 ؛ ويحتوي الإعداد M-LOK منصة أكثر مرونة للمناظير الليلية والحرارية والأجهزة الأخرى.
وجهزت البندقية L129A2 بسبطانة بطول 457 ملم وتستخدم خرطوشة Creedmoor عيار 6.5X48 ملم (6.5 سم)، إضافة إلى ذلك يمكن تغيير السبطانة بسرعة، ما يسمح للسلاح باستخدام سبطانة بطول 406 ملم عيار 7.62X51 ملم من البندقية L129A1. وباستخدام طلقة عيار 6.5 سم، باستطاعة L129A2 تحقيق مدى اشتباك يصل إلى أكثر من 1000 متر. وجهّز السلاح أيضاً بحاجبة لهب HuxWrx، ومنظار Leupold Mark 5HD، ومنظار حراري متعدد البكسلات والجزئيات Pixels-on-Target ، بما في ذلك حاسبة باليستية تعمل بتقنية Envision Technology. وبحسب البحرية الملكية، فإن كل فريق من فرق المغاوير الضاربة سيكون لديه اثنين من «مهرة الرماة»، وجهزت كل منها ببندقية L129A2.
في النمسا، تقدم شركة Steyr Arms نموذج DMR الخاص بها تحت مسمى Steyr DMR. تشتهر الشركة بالفعل ببنادقها الهجومية والقنصية والصيد. هذا سلاح شبه آلي عيار 7.62X51 ملم يمكنه استخدام مخازن الأسلحة المعيارية من نوع AR-10 بسعة 10 أو 20 طلقة. سيكون السلاح متاحا أيضاً بطلقات 6.5 سم وحتى في طلقة 6.8X51 ملم التي اختارها الجيش الأميركي لبندقية XM7 المستقبلية. لا يوجد خيار لاستبدال السبطانة بسرعة، ولكن استبدال السبطانة لتتوافق مع عيار مختلف يتم بسهولة من قِبَل صانع دروع مختص.
وفي جهورية تشيكيا المجاورة، طوّرت مجموعة CZ بندقية Bren 2 PPS DMR لتحل محل SVD التي هي قيد الخدمة في الجيش التشيكي بطلب أولي للاستحواذ على 350 بندقية. وهي عبارة عن بندقية DMR شبه أوتوماتيكية عيار 7.62X51 ملم مع سبطانة بطول 457 ملم ومخزن خرطوش ذخيرة سعة 10 طلقات. جُهِّز السلاح بالنظام البصري Nightforce 1-8x، على الرغم من عدم وجود متطلبات حاجبة لهب حتى تاريخه.
قام الجيش الفرنسي بحل متطلبات DMR الخاصة به عبر برنامج précision semi-automatique (FPSA)، أو بندقية قنص شبه آلية، لتحل محل بندقية FR-F2 عيار 7.62X51 ملم التي تم استحواذها في الثمانينيات. بعد تقييم عدد من الحلول الأوروبية، تم اختيار FN SCAR-H PR عيار 7.62X51 ملم وتم طلب 2620 بندقية؛ وهي مجهزة بمنظار Schmidt & Bender PMII ShortDot Dual CC 1-8×24 وتم الاستحواذ على ذخيرة دقيقة من شركة MEN الألمانية. واختيرت مناظير OIP Sensor Systems Tigris لـ DMR، في اشتقاقين: التصوير الحراري والأشعة تحت الحمراء.
أصبح التطوير التعاوني للأسلحة وحيازتها يحظى باهتمام متزايد من فنلندا والسويد، وانعكس ذلك في عدد من برامج استحواذ بنادق DMR لتحل محل الأنظمة الحالية. لقد ركزت فنلندا دائماً بشدة على القنص ومهارات الرمي الدقيق وطورت متطلبات DMR جديدة لتحل محل SVD وTKIV 85، وهي بندقية تعمل يدوياً وتستند إلى تصاميم Mosin-Nagant، حيث يستخدم كلا السلاحين ذخيرة عيار 7.62X54R ملم روسية. سيتم استبدال هذه الأسلحة بالبندقية Sako M23 عيار 7.62X51 ملم ومجهزة بجهاز بصري Trijicon VCOG 1-6×24. تستخدم فنلندا اشتقاق آخر من Sako M23، وهو TKIV 23، المجهز بمنظار Steiner كسلاح خاص بالقناصة.
بدأ الجيش الأميركي ميدنة حل DMR في العام 2020 من خلال بندقية القنص الخاصة بحضيرة مجموعة مشاة M110A1، والتي انبثقت من نظام القناصة شبه الآلي المتراص M110 A1، وكلاهما يستندان بشكل أساسي إلى تصميم HK417 من خلال اشتقاق G28 الخاص بالجيش الألماني عيار 7.62X51 ملم. وتم توصيف بندقية SDMR التابعة للجيش الأميركي بمداه الذي يصل إلى 600 متر باستخدام ذخيرة فائقة الدقة M118LR، ومجهزة بمنظار بصري SIG Sauer TANGO6T 1-6×24.
وتبقى المسألة الرئيسية في الولايات المتحدة هي برنامج سلاح الحضيرة من الجيل التالي (NGSW) الذي تم منح عقده لشركة SIG Sauer في نيسان/ أبريل 2022 لحيازة البندقية XM7 التي ستحل محل كاربين M4 / M4A1، والبندقية الأوتوماتيكية XM250 المقرر أن تحل محل السلاح الآلي للحظيرة M249 (SAW)، وسوف تستخدم طلقة عيار 6.8X51 ملم الجديدة، بالإضافة إلى جهاز Vortex Optics XM157 لإدارة الرمي. يستمر الاختبار على جميع عناصر NGSW ولا يزال هناك طريق طويل لنقطعه حتى يتم قبول هذه الأسلحة في الخدمة. إذا تبنى الجيش الأميركي هذه الأسلحة الجديدة وأعيرة جديدة للأسلحة، فسيكون لذلك ارتدادات على حلفاء الولايات المتحدة وسيضع بالتأكيد ضغوطاً لتوحيد طلقة 6.8X51 ملم الخاصة بحلف الناتو. وبدورها سوف تجبر الناتو وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين على إعادة التفكير في التزامهم بعيارات الأسلحة الصغيرة الخفيفة المعيارية لحلف الناتو بالعيارين 5.56X45 ملم و7.62X51 ملم.
وفي غضون ذلك، وبينما يتم النظر جديًا في العيارات المستقبلية، فإن تطور قطاع DMR سيستمر. بالنسبة لبعض أجهزة DMR التي توفر أمداء اشتباك دقيقة تصل إلى 500 أو 600 متر، فهي مقبولة تماماً، بينما بالنسبة للآخرين، يمتد مدى الاشتباك الأمثل لـ DMR إلى 800 متر. هذا هو السبب الذي جعل القرار البريطاني، بالحصول على L129A2 بعيار 6.5 سم، مثير للاهتمام للغاية في سياق DMR. إذا كان بالإمكان ميدنة سلاح قادر على الاشتباك بدقة حتى مدى 1000 متر وشل مجموعة الأهداف المرغوبة، فإن القوة النارية للمشاة قد اكتسبت أبعاداً جديدة!^