مستقبل أنظمة الجندي والتكنولوجيات الأخرى
تهدف «أنظمة الجندي» – الإدارة الحديثة للقتال وأنظمة معدات القتال حول العالم لدمج جنود المشاة في حرب مستمكنة شبكياً وهي الصعوبات نفسها التي تواجهها مختلف الدول حول العالم.
تعود جذور أنظمة الجندي الحالية إلى منتصف الثمانينيات مع نشوء برامج تحديث الجندي لحلف شمال الأطلسي NATO Soldier Modernization Programs (SMP). بعض الأفكار التي برزت حينها كان مصدرها أفلام الخيال العلمي. وكان من المفترض أن تقي بذة الجندي من التهديدات البالستية والأخطار النووية والبيولوجية والكيميائية والإبقاء على حرارة الجسم ثابتة وأن تعتمد تمويه حربائي يتبدل ويتأقلم مع تغير البيئات. وكان يفترض بالخوذات، المدمج فيها راديو وأجهزة تنفس وشاشات عرض رأسية، أن تكون قادرة على توفير كل ما يمكن تصوره من معلومات حول وضع الجندي فيما تفرض الأسلحة اليدوية مثل الرشيش توفير نيران فعالة حتى خلف ساتر.
وقد ثبت أن الكثير من هذه الأنظمة عديمة الجدوى في الميدان، وقد شهدت نهاية الحرب الباردة جفاف موارد البحث والتطوير.
حالياً، ورغم أن أكثر من 40 دولة حول العالم تعمل على أنظمة الجندي، فإن هذا لم يوقف التطوير التقني الممنهج. تتسم المفاهيم الحديثة بأكثريتها بمجموعة من المكونات التالية: الأسلحة بما فيها البصريات والمستشعرات، الهندام العسكري بما فيها الحماية وعتاد نقل الحمولة، معدات القيادة والإدارة المؤلفة من جهاز الراديو، ووحدة حاسوبية والمعدات التشغيلية، ومعدات للإمداد بالطاقة. كما أن أفراد الإدارة على المستوى التكتيكي يحملون في الغالب معدات خاصة، وفي أكثر الأحيان يضاف إلى ذلك تشكيلة واسعة من معدات الرصد والاستطلاع. وإلى ذلك، غالباً ما يقوم عباقرة التخطيط بضم عربات إلى نظام الجندي. وهؤلاء يقومون بدور الوصل أو الربط البيني بين الإدارة على مستوى سرية وفصيلة مع الرعيل القيادي التالي إضافة إلى نقل المؤن، والأسلحة والذخيرة وأخيراً وليس أخراً القيام بدور محطة إمداد بالطاقة للإلكترونيات التي يحملها الجندي. إن الربط بين الأنظمة غير الآهلة وأنظمة الجندي هي مساحة أخرى لا بد من أخذها بالاعتبار.
التزمت ألمانيا في العام 1991 بتنفيذ البرنامج الوطني SMP، ومنذ العام 1997 دفعت قيادة المشاة، والتي كانت حينها الوكالة الفدرالية لتكنولوجيا الدفاع والمشتريات، وفريق المشروع الصناعي لـِ «نظام الجندي» System Soldat الذي ترأسه مجموعة EADS (حالياً Airbus DS)، النظام الأساسي لجندي المشاة المستقبلي IdZ إلى جهوزية قتالية متوالية تستند إلى مكونات كانت موجودة بالفعل، وتم التسليم في العام 2004.
وفي العام 2006، وتحت قيادة «راينمتال» Rheinmetall، وبالتوازي مع تقديم النظام الأساسي، انطلق العمل من جديد إلى تطوير نظام المرحلة المتقدمة نحو IdZ ES (النظام الموسع). ولا يمثّل IdZ-ES توسعاً للنظام الأساسي فحسب، ولكن تطوراً ثوروياً جديداً، ودخل الخدمة في أفغانستان منذ العام 2013. ونظراً لشموليته، فهو يدمج مفهوم «نظام المشاة بكليته» – حضيرة المشاة من عشر أفراد أو حضيرة المشاة الميكانيكية من 9 أفراد مع عرباتهم والمحطة الرئيسية – إلى بنية إدارية عملانية مشبكة. وللمرة الأولى، يقوم النظام بربط الحضيرة مع الرعيل القيادي الأعلى مباشرةً ما يسمح بتبادل متزامن للتحادث والبيانات وعن طريق وصلة برمجيات بينية SUSS تسمح بالدخول إلى نظام إدارة المعلومات في الجيش الألماني.
لا بد هنا من لفت الانتباه إلى النظام الأساسي ونظام الخوذة، والكمبيوتر الأساسي الذي يتزود بالطاقة من علبة البطارية وكلاهما محمولان على الظهر (Electronic Back)، ويستخدمان مجموعة من الروابط البينية للتحكم بكل قطعة من المعدات والمستشعرات التي يحملها معه الجندي. ومن بين الوظائف الرئيسية هي إدارة تزويد الطاقة، والتحكم بمراقبة الدخول، ونظام الجندي للمعلومات لعرض الخرائط الرقمية/تحديد المواقع، والملاحة، والاتصالات، تبادل بيانات الاستطلاع والأهداف، معالجة مجموعة من بيانات المستشعرات (مثل الموقع الخاص، اتجاه الرؤية، إلخ..)، الوصلة البينية للمشغِّل، والتصور البصري، إضافة إلى إعداد النظام.
وباستطاعة الجندي، من خلال وحدة تشغيل يديوية (وحدة التشغيل والعرض BAG)، أن يتحكم بنظام إدارة الجندي والاتصالات. فمن خلال BAG كبديل لشاشة العرض OLED، باستطاعة الجندي الولوج إلى كل البيانات ذات الصلة بالوضع ومواقع القوات الصديقة (تعقب القوى الزرقاء) حول المهمة ووضع النظام. ويمكن لنظام الهندام التراكبي الفردي أن يتكيف بشكل مثالي مع البيئة ومعدلات الحرارة المطلوبة. ويضاف إلى ذلك، سترة الحماية البالستية / فئة الحماية 1/ مستوى IIIA التي يرتديها الجندي تحت اللباس الخارجي مع قميص مهوّاة.
تتضمن معدات الحمل التراكبي المنقول الذخائر، والعتاد القتالي، والتجهيزات الإلكترونية المحمولة على الظهر، ومعدات أخرى إضافية. وكذلك فإن الحمولة العائدة للسترة مصممة بطريقة تسمح بنزع ألواح الحماية بسرعة، ويمكن أن تستوعب ألواح حماية بالستية ضد المقذوفات (فئة الحماية 4/ مستوى IV). ويحمل آمر الحضيرة ومساعده أيضاً معدات تحكم وقيادة إضافية مع كمبيوتر محمول TFR. وهناك أزرار «إقبس وتحادث» مركبة على السلاح تسمح بالتحادث الراديوي مع إبقاء السلاح جاهز للعمل. كما يمكن تجهيز السلاح بوحدات بصرية وبصرية إلكترونية .
على الرغم من كل الابتكارات، تعمل جميع أنظمة الجندي اليوم ضد العوامل الحرجة/ الخطرة. أولاً، هناك دائماً معايير أداء أنظمة الإدارة العسكرية التي تم تطويرها وتجربتها وتوريدها على فترات طويلة وذات صلة بتكنولوجيا مدنية مشابهة. غير أنه هناك أحياناً تغاضٍ، ومع ذلك، هناك طلبات متزايدة تُفرض على هذه الأنظمة لجهة المتانة والسلامة ومعايير الأمان. كذلك، فإن الألبسة والمعدات الجديدة المنوطة بأنظمة الجندي هي في أغلب الأحيان أكثر حداثة من المعدات المتوسطة المستخدمة سابقاً وتخضع باستمرار لتطوير إضافي.
تهدف الهندسة التراكبية للأنظمة لاستضافة التحسينات الأحدث وتعزيز القدرات القتالية. مثال على ذلك، حصلت شركة «ساجيم» Sagem (حالياً «سافران» Safran) في نيسان/ ابريل 2015 على طلب لتقديم تحسينات عملية وظائفية مستندة إلى تجارب عملانية لصالح الطراز V1.3 من نظام الجندي الفرنسي «فيلن» FELIN. وسيتضمن FELIN V1.3 إعداداً جديداً لتحسين وظائف الاستطلاع والقتال في النظام. وهناك أيضاً أعمال تحديث لمجموعات القناصة والهاون.
التحفظات بشأن تعقيدات الكمبيوتر القتالية ترخي بثقلها أكثر. فقد عرف كارل فون كلوزفيتس Carl von Clausewitz مسبقاً بنفسه أن الحلول البسيطة في الحرب هي التي تحقق النصر دائماً. المشككون يرون مسبقاً الخطر المحدق بالجندي نتيجة عدم استطاعته ببساطة التركيز على محيطه الطبيعي نظراً إلى كثرة الإلكترونيات المنوطة به. وهذا ينطبق بالتساوي على مدمني الهواتف الذكية في حالة اليوم، أي المواطنين الرقميين digital Natives. إن مشكلة التوافر تفاقم مسألة القبول على نحو كبير، يمكن مقارنة نظام معدات القتال والإدارة التراكبية بنظام السلاح الرئيسي لاستخدامه من قبل الجندي. إن التدريب هو العامل الأكبر، إذا استُغلت كلياً القيمة القتالية لهكذا معدات. يجب أن يكون بمقدور الجندي أن يجيد إتقان نظامه عن ظهر قلب، رغم أنه من المستبعد تحقيق ذلك أو استدامته مع مجموعة من المعدات التراكبية بدلاً من معدات جندي فردية.
مباشرةً بعد إطلاق نظام STP، قال مراقب ممازحاً : «لسنا ببعيدين عن رؤية البذة تمشي من تلقاء نفسها». الخطوات الأولى في هذا المجال يمثلها التطوران الأميركي HULC والفرنسي HERCULE وهما يدعمان جندي المشاة في نقل أحمال أثقل لمسافات أطول. وهناك هدف مشابه تسعى إليه وكالة DARPA الأميركية عبر برنامجها «شبكة المقاتل الإلكتروني». في العام 2013 باشرت قيادة العمليات الخاصة الأميركية بمفهوم بذة المشغِّل الخفيفة الوزن التكتيكية الهجومية «تالوس» TALOS. صُممت البذة الواقية مقرونةً مع بذة «إكزوسكليتون» Exoskeleton (الهيكل الخارجي) لكي تساعد خصيصاً في تأمين الحماية في ظروف القتال القريب، ودخلت التاريخ عبر اسم مستعار من القصص المصوّرة ومن أفلام مثل «بذة الرجل الحديدي» ومن جملة ما تضمنه المشروع بذة «ريفيجين» Revision. وحتى لو ظل مشروع TALOS طرازاً اختبارياً وليس أكثر، فأن شركة كندية استغلت الخبرة التي استقتها بمنتجات في قطاعات الحماية البالستية وتزويد الطاقة.
هناك أيضاً حديث عن تنفيذ الأعمال من دون أي جندي. فبالتناغم مع الأنظمة الجوية غير الآهلة هناك عربات برية غير آهلة UGV لمختلف المهام. وعلى سبيل المثال فإن القوات المسلحة الاتحادية الألمانية تستخدم روبوط العربة البرية غير الآهلة لإزالة الذخائر والحشوات المتفجرة المرتجلة ميدانياً (PacBot-LEO-Dor – ومعدات التحكم الآلي غير الآهل لتطهير الطرق)، إضافة إلى أنظمة الاستطلاع ونظام الاستشعار المتحرك MOSES.
وكجزء من برنامج أنظمة القتال المستقبلية، طورت شركة «لوكهيد مارتن» Lockheed Martin بين عامي 2003 و 2011 لصالح الجيش الأميركي عائلة كاملة من العربات البرية غير الآهلة. هذه العربة البرية غير الآهلة المتعددة المهام (سابقاً العربة المتعددة الوظائف للخدمة/ الدعم اللوجستي والمعدات MULE) وكانت تزن نحو ثلاثة أطنان وتتألف من عربة النقل XM1217، ووحدة لتنظيف الألغام XM1218 والروبوط القتالي XM1219 المجهز برشاش. وقام الجيش بإلغاء المشروع في العام 2011 مشيراً إلى أن الأولوية هي لطائرة الدعم الجوي القريب.
وبالطبع فإن نهاية برنامج MULE لم تعنِ نهاية أنشطة كل العربات البرية غير الآهلة. فقد أُرسلت إلى أفغانستان أربع عربات نقل غير آهلة كـ «أنظمة دعم المهمة للحضيرة» SMSS. ومن بين فضوليات البرامج كانت العربة «بيغ دوغ» BigDog من شركة «بوسطن دينامكس» Boston Dynamics. وباستطاعة هذا الروبوط «البغل» ذو الأربع أرجل نقل حمولات تصل إلى 150 كلغ حتى فوق التضاريس الوعرة. ولكنها أثبتت، خلال تجارب حية مع مشاة البحرية الأميركية، أنها ذات ضجيج عالٍ جداً. أما روبوط الإخلاء – المساعدة الميدانية المجنزر من شركة Vecna Robotics، فهو مصمم لإخلاء الأفراد المصابين من الأماكن الساخنة بصورة مستقلة أو عبر التشغيل عن بُعد.
تعمل القوات المسلحة الروسية أيضاً منذ سنوات وبكثافة في مجال الروبوطات، وأنشأت في العام 2014 قسماً للأبحاث خاص بها. وهناك حالياً العديد من العربات البرية غير الآهلة قيد الاختبار من ضمنها منصة القتال URAN-9. وهناك أخبار حول استخدام «وحدات الصاروخ الاستراتيجي» Strategic Rocket Troops المنصات الروبوطية منذ بداية من العام 2017 لحماية المواقع. وتنوي القوات المسلحة الروسية، في مهلة لا تتجاوز العشر سنوات، اعتماد الروبوطات بمعدل %30 من الأصول القتالية.
عادة ما تظهر زيارة «معرض الروبوطات الأوروبية» أو المعارض الدفاعية ذات الصلة بأن التطوير والتقدم يخطو إلى الأمام. ولكن كل روبوط بحاجة إلى تحكم عن بُعد أو برمجة من البشر لكي يكون قادراً على استغلال كل قدراته الدفاعية والقتالية.
تعقيباً على المعدات والروبوطات القتالية ذات التكنولوجيا المتقدمة، فإن أحدث معدات الخيال العلمي في ترسانة الأسلحة هي الأسلحة الليزرية العالية الدقة. فهي صامتة ولها مدى بعيد مرفق بتأثير قوي ويمكن أن تكون متدرجة المقاييس بالنسبة لشدتها. وهذا ما يجعل الإشعاع الليزري ملائماً بشكل مثالي للرد المناسب والدفاع أمام التهديدات الحالية.
على الساحة الأوروبية، فإن شركتي «مبدا» MBDA و «راينمتال» Rheinmetall هما من الشركات الرائدة التي تنفذ أبحاثاً مكثفة في هذا المجال. ومن بعض منتجاتهما أصول قتالية وطائرات مشغلة عن بعد مدمرة وحتى قذائف هاون داهمة. ولكن بعض الإعدادات الليزرية ذات الطاقة العالية HEL هي بحجم مدفع مضاد للطائرات ما يجعلها بشكل ملحوظ أكبر من الأسلحة المحمولة يدوياً. ولكن ضمن فئة حجمها، هناك أنظمة متراصة فيما بينها تخدم كمؤشر للأهداف أو إبهار غير ضار، وبالتالي هي فئة من الأصول غير القاتلة على غرار السلاح GLARE RECOIL من B.E. Mexevi والذي اختارته مشاة البحرية الأميركية لصالح برنامج «نظام الاعتراض البصري/ الضوئي) Ocular Interruption.
مواد جديدة، أنسجة ذكية، تقنيات متقدمة لتخفيف الوزن وتصغير حجم الأنظمة، هذه قِلة من التعابير الطنانة التي سترسم التقدم المتزايد لأنظمة الجندي المستقبلي. ولكن مهما بلغت هذه التطورات من الابتكار، أثبتت التجارب أنه بالمحصلة النهائية فقط جزء ضئيل منها يصل إلى الجندي، وعلى الرغم من هذا التطور التكنولوجي فالخيار في النهاية يبقى لصالح الأنظمة الموثوقة والأكثر صلابة.
يمكن الافتراض أن المجندين الذين هم أبناء عصر الكمبيوتر سيكونون قادرين على التعامل بجهوزية أفضل مع هذه الأجهزة وبخاصة عند رقممة ميدان القتال. فهم بالأساس معتادون على استخدام هواتفهم الذكية للمثابرة على الاتصال مع الشبكات حول العالم، لجعل موقعهم معروف أو للإبلاغ عن أنشطة. ولكن هذا خارج الموضوع عندما يعود الأمر للقتال، فالجندي يجب أن لا يخلط بين العالمين الحقيقي والافتراضي وأن لا يخلق عوالم متوازية. وهنا لا يستطيع توليد لعبة الكمبيوتر Egoshooter وتجديد قدراته في اللياقة البدنية والعمل تحت الضغوط والشدائد. وسيبقى هناك طلب في المستقبل للقياديين في الجيش كمرشدين وكمدربين بارعين وعلى الأرجح أكثر مما سبق.^