Oshkosh Defense: الصناعة في خدمة قدرات البقاء
بعد أن أصبحت أرواح العسكريين الأميركيين على المِحكّ في مسرحَيْ العمليات العراقي والأفغاني، بسبب تهديدات الحرب المنخفضة الحدة أو الحرب غير المتماثلة، وبخاصة تهديدات الحشوات المتفجرة المرتجلة ميدانياً IED، والأفخاخ الأرضية والألغام والقذائف المتولدة انفجارياً، طوّرت شركة «أوشكوش» Oshkosh، وبإيعاز من وزارة الدفاع الأميركية، العربة «المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن» MRAP للتصدي لهذه التهديدات.
في الواقع، أعرب قادة ميدانيون في أوائل خريف العام 2004 أنهم بحاجة إلى عربة مدرعة، تحلّ محل عربة «هامفي» Humvee، أكثر متانة وقوة وأفضل تدريعاً وذات مرونة وقدرة على المناورة في الطرق الوعرة، فكان برنامج العربة MRAP. ولكن وزارة الدفاع الأميركية استغرقت ثلاث سنوات للوصول إلى النتيجة نفسها تحت وطأة الخسائر البشرية التي تتكبدها في العراق. وقد شكلت تهديدات IED نسبة تراوح بين 50 و 80 في المئة من وفِّيات الجنود الأميركيين في العراق منذ صيف العام 2005 وحتى ربيع العام 2008، وكان من الطبيعي الاستثمار في برنامج MRAP.
وأظهرت أخطار مسرحي العمليات العراقي والأفغاني وقبلها حروب البوسنة والهرسك، بوضوح عدم قدرة «هامفي» على التصدي لتهديدات IED، وبخاصة بعد تجهيزها بدروع إضافية ما يجعلها ثقيلة على جهاز التعليق وعلى المحرك وبالتالي على حركيتها. ولم يكن هناك حيّز كافٍ في بطن العربة لدروع إضافية ما جعلها محمية جيداً من الجانبين إلا أنها تفتقر إلى الحماية في أسفل بدنها ناهيك بضعف هيكلها، ما أدى ويؤدي إلى تحطم العربة بالكامل من جراء مفاعيل عصف انفجار حشوات IED.
ومنذ أن بدأت هذه العربات دخول الخدمة بأعداد كبيرة في منتصف العام 2007 وأوائل العام 2008 بالتزامن مع استراتيجية جديدة تحت قيادة العميد بترايوس، بدأت الخسائر الأميركية بالانخفاض بشكل ملحوظ. وتضاءلت فعالية حشوات IED من معدل 50 في المئة ونيف في بداية الحرب على العراق إلى أقل من 10 في المئة في الوقت الذي بدأت فيه عربات MRAP بالالتحاق بمسرح العمليات العراقي في خريف العام 2007 . وأثبتت MRAP أنها الأكثر قدرة على البقاء في ميدان القتال قياساً بفئتها.
ومع قرار وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غايتس، في أيار/ مايو من العام 2007، الذي وضع حيازة هذه العربات على رأس أولويات المشتريات العسكرية الأميركية، أصبح برنامج MRAP في السنة المالية 2010 البرنامج الأكبر في وزارة الدفاع الأميركية. وفي العام 2012 وافقت وزارة الدفاع الأميركية على حيازة إجمالية لِـ 27344 عربةMRAP مع خيار لِـ 400 عربة إضافية بلغت قيمتها الإجمالية نحو 50 مليار دولار أميركي منها 20.000 عربة لصالح الجيش الأميركي. ويعود التأخير في البرنامج إلى إدارة الرئيس جورج بوش الابن التي كانت تأمل أن تنتهي هذه الحرب بسرعة حيث لن يكون هناك حاجة لاقتناء مثل هذه العربات. ومع ذلك، ثبت أن هذا التصور ليس واقعياً مع تحول الصراع إلى حرب عصابات طال أمده. وتم تأجيل تسليم عربات MRAP لأكثر من عامين بسبب بيروقراطية البنتاغون الأميركي.
أثبتت عربة MRAP قدرتها على البقاء من خلال تميُّزها بالخلوص الأرضي المرتفع Clearance والبطن على شكل V للحماية من عصف الانفجارات، والألواح الدرعية المدمجة بإحكام شديد حول مقصورة الطاقم، وأخيراً المساهمة الحاسمة لوزارة الدفاع الأميركية للتغلب على حشوات IED، وهي بُنِيت في الأساس للعمل في البيئة العملانية العراقية.
ومع ذلك فإن الخلوص الأرضي العالي إلى جانب التدريع الإضافي جعل MRAP أقل استقراراً وحركيةً، وبالتالي أضحى من المستحيل لها التنقل في الشوارع الحضرية والريفية والطرقات الحقلية الوعرة. واستناداً إلى ذلك، طوِّر طراز العربة «المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن والملائمة لجميع الأراضي» M-ATV للعمل في البيئات الحضرية والريفية والجبلية والأزقة الضيقة. لذلك، فإن الطراز الجديد هو أصغر حجماً وأخف وزناً وأكثر قدرة على التعامل مع التضاريس الأرضية الوعرة في أفغانستان، وتم تصميمه لتضييق المقايضة بين الحركية والقدرة على البقاء، ويهدف إلى توفير المستوى ذاته من الحماية لعربات MRAP التي تم استخدامها في العراق ولكن مع حركية «هامفي». وكسابقه لحَظَ هذا الطراز نظام التعليق المستقل بالكامل TAK-4i، وتخفيف مفاعيل عصف الانفجار، ومقاعد معلقة في سقف العربة، وتدريع حديث تحت الهيكل لتحسين قدرات البقاء.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام التعليق المستقل يعتبر حجر الزاوية في تصميم M-ATV، فهو يوفر مستويات عالية من الأداء في الأراضي الحقلية ودرجة عالية من الحركية والليونة، ويؤمّن هذا النظام حركة عامودية للإطارات تبلغ 50 سنتم بزيادة قدرها 25 في المئة عن كل العربات العسكرية الأميركية.
وفي أواخر العام 2005، أوضح فيلق مشاة البحرية والجيش الأميركيين عن رغبتهما بتطوير وإنتاج عربة تكتيكية مستقبلية جديدة، من شأنها تلبية جميع متطلبات الحركية والحماية بشكل أفضل من «هامفي» و MRAP، ولاستبدال عربات «هامفي» المثيرة للجدل التي دخلت الخدمة للمرة الأولى في العام 1985. إبان الحرب الباردة بين الشرق والغرب، حيث لم تكن حشوات IED وغيرها من الأفخاخ التي تتسم بها الحروب المنخفضة الحدة رائجة أثناء تلك الحقبة. وكانت النتيجة «العربة التكتيكية الخفيفة المشتركة» JLTV، التي أصبحت حالياً في صميم جهود التحديث الرئيسية في ما يتعلق بالعربات التكتيكية المدولبة في الجيش الأميركي.
وفي تموز/ يوليو من العام 2015، فازت شركة Oshkosh بعقد كبير من وزارة الدفاع الأميركية بقيمة 30 مليار دولار لاستبدال عربات «هامفي» لدى الجيش الأميركي بنحو 55000 عربة JLTV جديدة على مدى السنوات الـ 25 المقبلة. وكان هذا العقد نتيجة لمنافسة شديدة خاضتها Oshkosh مع Lockheed Martin و AM General على طلب المقترحات RFP الذي طرحته وزارة الدفاع الأميركية لتصنيع عربة يراوح وزنها بين 7 و 10 أطنان في العام 2014 . وستكون عربة JLTV أكثر اعتمادية ميكانيكياً وقادرة على إنتاج متطلبات صيانتها من خلال معدات مدمجة بها، وذات قدرة على السير في مختلف التضاريس الأرضية، ومجهزة بأنظمة مشاركة بيانات من خلال أجهزة الاتصالات الحالية مع قدرة على التأقلم مع الأنظمة المستقبلية، وتحظى بحركية استراتيجية براً وبحراً وجواً، وحركية تكتيكية واسعة، وهي أخف وزناً من عائلة MRAP وأفضل تجهيزاً، لتتناسب ومهام الدوريات في الأماكن الآهلة وفي الجبال الوعرة كتلك التي واجهت «هامفي» في العراق وأفغانستان.
وبمناسبة فوز Oshkosh بعقد JLTV، قال سكوت دايفس، المدير التنفيذي لبرامج الجيش للدعم القتالي لدى البنتاغون آنذاك، لمجلة دفاع21: «إن منح هذا العقد من شأنه أن يضع ثروة مهمة في متناول جنودنا وقوات المشاة البحرية، ويمثّل نجاحاً مهماً لسلطة المشتريات». وبدوره علّق الجنرال جون كافيدو، المدير السابق لمشروع البرنامج: «إنها ستسمح لنا بتشغيل عرباتنا التكتيكية الخفيفة، كما كنا نضع تصوراً لها بحيث تكون قادرة على التحرك بمرونة أكبر واسترداد قدرة هجومية كنا قد فقدناها».
في الواقع، فإن التصميم الذي تقدمت به Oshkosh كان اشتقاقاً من العربة M-ATV، التي يتوافر منها نحو 9000 عربة في الخدمة الفعلية، لكنها أصغر من الأخيرة بنحو الثلث. وبالتالي، فإن عربة M-ATV هي الوحيدة في الميدان التي تؤدي مهام JLTV. وإذا ما وضعت جنباً إلى جنب مع عربة M-ATV فوق أرض وعرة لتبين أن الأولى تنطلق بنسبة 70 في المئة أسرع من أفضل العربات في الميدان. وهذه السرعة هي أساسية في المحافظة على القدرة على البقاء لمستقليها.
وأتبعت وزارة الدفاع الأميركية بعد انسحابها من العراق وأفغانستان عقيدة جديدة تقوم على تقديم الدعم الجوي والبحري للقوات الوطنية الشرعية مع عدم التورط هي وحلفاؤها بعدها في عمليات قتالية واسعة النطاق No boots on the ground كما فعلت في مسرحي العمليات العراقي والأفغاني. وهي غير مستعدة للمشاركة في عمليات كبيرة لمكافحة العصابات. وبدلاً من ذلك فهي تحضِّر قواتها المسلحة لعمليات قتالية متماثلة مرتفعة الحدة ضد خصومها المستقبليين. وسوف تعهد بمعالجة الحروب غير المتماثلة المتنامية إلى قوات العمليات الخاصة. وأن يتم ذلك بتعاون وثيق مع وحدات إقليمية حليفة أو متحالفة. ومع ذلك، ستبقى حشوات IED في المستقبل المنظور خيار السلاح اللامتماثل المفضل للعصابات في الصراعات اللامتماثلة في جميع أنحاء العالم. وتم تأكيد أهمية حماية القوى على الصعيدين الاستراتيجي والتكتيكي من خلال الخبرات المتراكمة في مكافحة العصابات COIN. وكنتيجة لذلك، سيكون لعربات MRAP دور مستقبلي في عمليات الجيش الأميركي ولو أنه محدود. وسيتم الاحتفاظ بثلث هذه العربات التي تم شراؤها أي 8585 عربة و 5651 عربة M-ATV من أصل 8700 عربة. أما العربات الباقية سيتم تحويل قسم منها إلى عربات هالكة أو بيعها بمزاد علني أو توزيعها كجوائز ترضية على القوات الحليفة والمتحالفة التي شاركت في العراق وأفغانستان.
وأخيراً، فإن السرّ، كلّ السرّ، في العربات الثلاث المنوه بها هو في مقصورة الطاقم أو الكبسولة المدرّعة بالكامل وبطن الهيكل على شكل V لتشتيت طاقة الانفجار بعيداً عن مستقلّي العربة. وفي حالة أي انفجار لحشوة IED فإن العربة تتدحرج متكاملة بفعل عصفه، من دون أي تشويه بعكس مقدمتها التي تتحطم شرّ تحطيم.