أنظمة أسلحة الطاقة الموجّهة والمدافع الكهرومغناطيسية التركية رخيصة قياساً بالأسلحة التقليدية
في السنوات الخمس الأخيرة، لم تكتسب صناعة السلاح التركية زخماً في تصدير أنظمة الأسلحة فحسب، لكنّها أصبحت في الوقت ذاته أيضاً قادرة على خفض الواردات العسكرية لتقتصر فقط على الضروريات. وقد تناول هذا الواقع الكاتب كورهان أوزكيلينك الكاتب في الشؤون الدفاعية.
غيّر «الربيع العربي» الديناميات الإقليمية بسبب النزاعات الإثنية والطائفية والسياسية المتواصلة بطريقة أجبرت تركيا على إعادة تحديد الوسائل الجيوسياسية في سياستها الخارجية والأمنية. وعلى الأخص، تعيّن على الصناعة الدفاعية التركية كأداة للقوة والسلطة، أن توفر القدرات المبتكرة للإسهام في استراتيجية السياسة الخارجية للبلاد.
ومع ذلك، لم تعتمد صادرات الأسلحة فحسب على تعميق أسس العلاقات الدبلوماسية مع الدول المعنية من ناحية السياسة الخارجية، بل إنها أيضاً سهّلت على «القوات المسلحة التركية» تنفيذ مهامها الأمنية على الصعيد الجغرافي.
وبالطبع، يتوق كل بلد إلى الحفاظ على تفوّقه العسكري في المناطق المبتلية بأزمات فيما يكتسب في الوقت ذاته مزايا نوعية تمكّنه من التفوّق على خصومه في السياسة الخارجية.
ولذلك عكفت أنقرة على الاستثمار على مدى عقد ونيف لتحقيق هذا التفوّق، ولا سيّما في أنظمة الأسلحة المبتكرة، بما في ذلك الأسلحة المستندة إلى قواعد تكنولوجية جديدة.
وهناك نقاشٌ مكثّف في وسائل الإعلام حول اعتبار «العربات الجوّية غير الآهلة» (UAV) التركية بمثابة منصات «تُغيّر قواعد اللعبة» في مناطق الأزمات، وكذلك حول أنظمة الصواريخ المبتكرة، والفرقاطات الجديدة والطائرات المقاتلة، بينما أُغفل عن أهمية «أسلحة الطاقة الموجّهة» (DEW) و«المدافع القاذفة للطاقة الكهرومغناطيسية المركبة على سكك» railguns.
وباستطاعة أنظمة الأسلحة DEW تعطيل أو تدمير أهداف عسكرية بطاقةٍ مركّزة. وكان معهد «المجلس التركي للأبحاث العلمية والتكنولوجية» Tübitak قد أعلن في العام 2015 خلال فعاليات «معرض الصناعات الدفاعية الدولي» (IDEF) أنه قد تمكّن بنجاح من إصابة أهداف باستخدام طاقة ليزرية. وبعد ذلك بست سنوات، عرض معهد Tübitak مدفعاً ليزرياً أكبر حجماً يمكن تركيبه بشكل دائم على متن السفن الحربية التركية في المستقبل القريب.
يمكن بالفعل رؤية المدافع الليزرية على متن العربات المدرعة من شركة صناعة العربات العسكرية BMC وكذلك على متن العربة المدرعة «كوبرا» COBRA من صنع شركة «أوتوكار» OTOKAR. ويمكن لمثل هذا المدفع أن يُسقط بالفعل طوافة غير مدرعة، وبالوسع أيضاً إسقاط طوافات مدرعة ومن دون أية مشاكل باستخدام طاقة ليزرية أشد قوة.
وكانت شركة «أسلسان» Aselsan قد أعلنت في العام 2018 أنها دمرت مسيرات بأسلحة ليزرية، وأجهزة متفجرة على مسافة عدة مئات من الأمتار، بل على مسافة كيلومترات.
وفي آب/أغسطس العام 2019، ذكرت التقارير أنّ «عربة جوّية قتالية غير آهلة ذات ارتفاع متوسط ومكوث طويل» UCAV Male Wing LOONG II صينية الصنع تعود إلى إحدى الدول، قد دُمِّرت باستخدام عربة قتال مدرعة تركية مجهزة بمدفع ليزري بالقرب من مدينة «مصراتة» في ليبيا.
وطوّر «مركز أبحاث التكنولوجيات المتقدمة لأمن المعلوماتية» Tübitak Bilgem أيضاً نظام السلاح الليزري ARMOL الذي اجتاز بنجاح أيضاً اختبارات القبول، كما أعلن وزير الصناعة والتكنولوجيا مصطفى فارانك Mustafa Varank. وسيُركّب نظام الألياف الليزرية ARMOL على متن عربة وهو قيد التأهيل لضمه إلى ترسانة أسلحة «القوات المسلحة التركية».
ويتألف هذا النظام الليزري زنة 400 كيلوغرام من أجهزة حيازة الهدف ومن محطة طرفية للسيطرة والتحكم مركّبة على عربة COBRA مدرعة. وبإمكان هذا السلاح الليزري، الذي هو بقوة 1.25 كيلواط، أن يُدمر صفائح فولاذية بسماكة 3 ملم على مسافة تصل إلى 500 متر، ويمكن أيضاً إدماجه على متن طائرات كسلاح أساسي.
وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام 2021، تسلمت الشرطة التركية مسيرة صغيرة مع جهاز ليزري، طلبتها وزارة الداخلية. وبإمكان المسيرة EREN صنع شركة Asisguard التركية أن تثقب سماكة 3 ملم من الفولاذ الكربوني بفضل جهازها الليزري بقوة 500 واط من مسافة تصل إلى 500 متر في غضون 90 ثانية، ومن أدنى قرب بالغ 100 متر في 10 ثوان فقط. وبالتالي، تمكّن الأخصائيون الأتراك في الأنظمة الكهروضوئية من تسخين الطاقة الليزرية وتركيزها على نقطة وحيدة لفترة مطولة من الوقت وعلى نحو متواصل، أي أن المدفع الليزري بوسعه التركيز على نقطة محددة في الهدف وتسخينه إلى أن يُدمّر كلياً حتى أثناء تحرك الهدف.
تتبدّى كفاية المهندسين الأتراك بصورة واضحة، وعلى وجه الخصوص في مشروع «نازار» NAZAR. فقد أعلنت شركة «ميتيكسان» Meteksan عن هذا المشروع رسمياً خلال «معرض الصناعات الدفاعية الدولي 2021» IDEF 2021 . ووُقّع هذا المشروع بين شركة Meteksan و«وكالة الصناعة الدفاعية التركية» SSB («الأمانة العامة للصناعات الدفاعية» سابقاً) في العام 2015، وكانت هذه الشركة قد استثمرت بالفعل في التكنولوجيا البصرية الإلكترونية على مدى سنوات عديدة.
ويوفر نظام NAZAR قدرة «قتل ناعم» soft-kill بطاقة ليزرية متطورة بالحيّز العريض ضد صواريخ موجهة بصرياً إلكترونياً/ أشعة تحت الحمراء» (EO/IR) لحماية قواعد ومنشآت أساسية. ويملك هذا النظام القدرة على رصد صواريخ بصرياً إلكترونياً وبالأشعة تحت الحمراء وشلّها بتقنيات الإبهار الليزري و«القتل الناعم» ضد الصواريخ الداهمة من مسافة بعيدة. وفي الوقت الراهن، طُور اشتقاق أرضي نقال.
وثمة خطط أيضاً لأن تُجهز به في المستقبل الفرقاطات من الفئة I class. وسيكون هذا النظام قادراً أيضاً على العمل مع مستشعرات وأنظمة أخرى لمضاعفة الكفاية الإجمالية.
طرحت شركة «روكتسان» Roketsan في العام 2019 نظاماً مماثلاً آخر هو «ألكا» ALKA. ويتألف هذا النظام من مكونين ويستخدم التكنولوجيا الكهرومغناطيسية والليزرية ضد تهديدات لامتماثلة كنظام دفاعي جوي هجين عامل عن قرب. ويُعتبر هذا النظام فعالاً على وجه الخصوص ضد «العربات الجوية غير الآهلة» (UAV) والمسيرات drones ضد هجمات أسراب شاملة swarm attacks، وتتم هندسة النظام من وحدات «ذكاء صناعي» (AI). ويتم أيضاً الاشتباك مع التهديدات باستخدام «نظام التشويش الكهرومغناطيسي» Electromagnetic Jamming System ويُدمرها بواسطة «نظام التدمير الليزري» Laser Destruction System مع هندسة دفاعية ثنائية الطبقات. ويمكن استخدامه أيضاً للتصدي للأشراك الخداعية المتفجّرة (booby traps) في الأماكن السكنية، و«العبوات المتفجرة المرتجلة ميدانياً» على جوانب الطرق. ويُستخدم نظام ALKA عملانياً مع عربات رباعية الدفع. وثمة ميزة إضافية في هذه الأسلحة الليزرية وهي أنها تستمد الطاقة من مولدها الخاص، وبالتالي لا تعتمد على مصدر طاقة خارجي، ويعني ذلك أن كلفة رمي المدفع الليزري توازي سعر الوقود المستهلك [لتوليد الطاقة المطلوبة] خلال الرمي.
وإضافة إلى ذلك، تُعتبر هذه الأسلحة الطاقوية مقارنة بأسلحة المقذوفات التقليدية والصواريخ أرخص بكثير، إذ إن تلك الأخيرة يتعين بناؤها ونقلها وتخزينها وصيانتها بغية استخدامها. وعند الرمي من «أسلحة الطاقة الموجَّهة» (DEW)، فلا وميض يخرج من الفوهة أو عوائق دخانية، ويعني ذلك أنه من الممكن الرمي بهذا السلاح من مواقع مغلقة من دون أن يتعرض جنود القوات الصديقة للخطر؛ وبالتالي فإن أسلحة DEW هي نظام قتالي عالي الفعالية.
خلافاً للأسلحة الليزرية، غدت «المدافع القاذفة بالطاقة الكهرومغناطيسية المركبة على سكك» railguns، التي تعمل بكميات هائلة من الطاقة، تحظى بشعبية كبيرة أيضاً. ويُسرع نظام السلاح المقذوفات الفولاذية بواسطة آلية ناقلة لتيار كهرومغناطيسي على طول سكّتين موصلتين متوازيتين. ويحدث تسارع المقذوفات المعدنية بسبب الحقل المغناطيسي المتولد من دفق التيار. ويعتمد النظام المغلق على طول السكّتين وقوة التيار، وسرعات تصل إلى عدة كيلومترات في الثانية.
وقد طورت تركيا ثلاثة نماذج اختبارية، ولو ليس بالتزامن مع الطاقات القصوى. وكان معهد الأبحاث التركي «توبيتاك سايج» Tübitak Sage أول من بدأ اختبار نظام «سابان» SAPAN في العام 2014 وأعلن رسمياً في العام 2016 للمرة الأولى أن مداه وصل إلى 30 كيلومتراً خلال الاختبارات.
وعرضت شركة Aselsan نظام «توفان» TUFAN خلال «معرض الصناعات الدفاعية الدولي» IDEF 2019، وكذلك نظام المدفع الكهرومغناطيسي SAHI209 من صنع شركة «يتيكنولوجي» Yeteknology في العام 2019. ويُعتبر نظام TUFAN من Aselsan أحد الأنظمة الواعدة لصالح قوات الأمن التركية، وسوف يُنتج بطرز مختلفة، وهي: طراز خاص بالفرقاطات المستقبلية لدى البحرية، وآخر نظام نقال لصالح الجيش. وخلال الاختبارات وصل نظام TUFAN إلى سرعة بلغت 6 ماك (Mach)، أو أكثر من 7,400 كيلومتر في الساعة، وأنتج طاقة عند الفوهة بقوة 2 ميغاجول (megajoules) [0,55 كيلومتر في الساعة]. وتمثل هدف الشركة في تسريع المقذوف إلى مسافة بعيدة تبلغ مئات عدة من الكيلومترات. وسيستغرق إدخال المدافع الكهرومغناطيسية في ترسانة «القوات المسلحة التركية» بعض الوقت لأنّ جهود التطوير والأبحاث الخاصة بالمدافع الكهرومغناطيسية صعبة جداً إذ إنها تعتمد على معايير عديدة. ويعني ذلك أن نظاماً طُور لصالح البحرية يتسم بفوارق كبيرة مقارنة بأنظمة البر. واعتماداً على التصميم، تختلف المدافع الكهرومغناطيسية بشكل كبير عن المدافع البحرية التقليدية. ومن باب المقارنة، يبلغ مدى مدفع سفينة تقليدي، اعتماداً على تصميمه، نحو 25-40 كيلومتراً لكن المدفع الكهرومغناطيسي يصل مداه إلى 200 كيلومتر؛ ومقارنة بصاروخ تبلغ كلفته نحو العشر. ويعني ذلك أننا سنرى في المستقبل مدافع كهرومغناطيسية بمختلف التصاميم ستُسبب إحالة العديد من الأسلحة الحالية على التقاعد وتُغيّر بنحو كبير طبيعة القتال، وستُسهم المدافع الكهرومغناطيسية و«أسلحة الطاقة الموجَّهة» أيضاً بوتيرة كبيرة في مجال دورة «المستشعر إلى الرامي» sensor-to-shooter.
وضعت تركيا أهدافاً طموحة صُممت لجعل الصناعة الدفاعية التركية مستقلّة بنسبة 100 بالمئة عن العالم الخارجي بحلول العام 2053، فيما تُضاعف قدراتها التصديرية إلى 50 مليار دولار أميركي. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف على الصعيد العالمي، ينبغي أن تصبح عشر شركات دفاعية تركية على الأقل من بين الشركات العالمية الـ 100 الأكبر في العالم. ونجد في الصناعة الدفاعية التركية على وجه الخصوص أكثر من 1,600 شركة ناشطة، ويتواصل الاتجاه صعوداً. وبالطبع ستُضافر العديد من هذه الشركات جهودها وقدراتها في السنوات القليلة المقبلة وتُثبت حضورها في الأسواق الخارجية. ومن شأن هذا التطور، مقروناً بالسياسة الخارجية الاستباقية التي تنتهجها تركيا، أن يُمثل أداة مساعدة لتحقيق الأهداف. وثمة تساؤل ما إذا كانت الصناعة الدفاعية في تركيا ستصبح مستقلة 100 بالمئة، لكن موقف الولايات المتحدة القاضي بإقصاء تركيا عن برامج «المقاتلة الضاربة المشتركة» F-35 JSF لم يفرض تحدياً جديداً فحسب على الصناعة الدفاعية التركية، بل دفعها أيضاً إلى الاستحواذ على قدرات وكفايات مهمة لم تكن تملكها من قبل، وجعل موقفها يتسم بمزيد من الثقة بالذات.