الحرب المضادة للعربات الجوية غير الآهلة الصغيرة
تشكّل الطائرات من دون طيار (أو الأنظمة الجوية غير الآهلة UAS أو العربات الجوية غير الآهلة UAV) وعلى وجه الخصوص الطوافات الصغيرة الرباعية الدوار Quadcopter أو Drones، إحدى التهديدات الرئيسية التي تواجه القوات الأرضية في الوقت الراهن، ولهذا السبب طوّرت بعض الصناعات الرئيسية أنظمة مضادة لهذه التهديدات المتنامية التي تطرحها الطائرات غير الآهلة.
دعت الحوادث الأخيرة، في مطارات لندن ونيوجرسي، إلى الاستجابة والتصدي بفعالية لعمليات تحليق الطائرات من دون طيار وبخاصة الصغيرة منها التي يستخدمها هواة أو إرهابيون. وفي التفاصيل أدت هذه العمليات المارقة في كانون الأول/ ديسمبر الفائت إلى إقفال موقت لمطار غاتويك الدولي في لندن لمدة 36 ساعة، كما كان هناك حادث مشابه في مطار هيثرو الدولي اللندني أوائل كانون الثاني، وفي الآونة الأخيرة في مطار تتربورو في نيو جرسي، الولايات المتحدة.
وأكّد التعليق المؤقت للرحلات الجوية في مطارات غاتويك وهيثرو وتتربورو مدى اعورار وخطورة هذه التهديدات الجديدة. وبالتالي فإن شراء مثل هذه الطائرات من المخازن الكبرى بكلفة رخيصة تقل عن 1000 دولار، تشكل خطراً استراتيجياً عند استخدامها لأغراض شائنة. قد يكون هذا التهديد جديداً للأجهزة الأمنية ولكنه معروف منذ فترة طويلة نسبياً لدى القوات العسكرية.
وبغية التصدي لصعوبة رصد الطائرات الصغيرة غير الآهلة طورت شركة «أرونيا» Aaronia الألمانية نظام «أرتوس» AARTOS لرصد تهديدات الطائرات الصغيرة في محيط المطارات. واختُبِرَت أنظمة هذه الشركة بنجاح في عُمان، وهي الآن مركبة في مطار مسقط الدولي، ما يجعله المطار الأول في العالم معترفاً به دولياً الذي يستخدم نظاماً لرصد الطائرات الصغيرة. وبعكس أنظمة الرصد المستندة إلى الرادار، التي تتميز برصدها المنخفض ومعدلات الإنذار الزائفة العالية، فإن «آرتوس» يستخدم نظام تردد راديوي خامد بالكامل معتمداً تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ويمكن أن يتضمن «آرتوس» أيضاً كاميرا ذات مدى بعيد للتحقق البصري من الطائرات المشبوهة. كما يقدم برمجيات تسمح بعرض خريطة ثلاثية الأبعاد للمطار علاوة على التحكم بالحركة الجوية في الوقت الحقيقي.
وبدورها طورت شركة «رايثيون» Raytheon تكنولوجيتها المضادة للأنظمة الجوية غير الآهلة UAS تحت مسمى «ويند شير» Windshear. ويستطيع نظامها للقيادة والسيطرة والاتصالات، الذي يستخدم تقنية «إقبس وشغّل» لمستشعرات متعددة، مساعدة المشغلين لاستخدام الاستجابة الصحيحة للتهديدات الجوية في الوقت المناسب.
وباستطاعة Windshear تعقب الأنظمة الجوية غير الآهلة من خلال الترددات الراديوية، والمستشعرات الصوتية إضافة إلى كاميرات بصرية إلكترونية وحرارية أو مراقبة بشرية أرضية. وباستطاعة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في Windshear اختبار منهاج العمل الأفضل في بعض الظروف الخاصة.
واختبرت Raytheon عدة أنظمة رصد، بما فيها رادار «سكايلر» Skyler ذو الطاقة المنخفضة إضافة إلى نظامي «مسمر» MESMER المستند إلى الترددات الراديوية و Black Sage UAS للرصد المتعدد.
وبغية رصد، وتعقب وتعطيل أو تدمير الأنظمة الجوية غير الآهلة، يعالج نظام MESMER الترددات الراديوية بطريقة تسمح له بالسيطرة على الأنظمة المهاجمة أو الداهمة، وهو فعال جداً في حالة المؤثرات غير الحركية. وعلى سبيل المثال، فإنه لا يحبذ استخدام مؤثرات حركية مدمرة في ملعب كرة قدم ينتج عنها تساقط شظايا، ومتفجرات وعوامل كيميائية. وبالمقابل يجمع نظام Black Sage UASX المستشعرات، والكاميرات والمؤثرات والبرمجيات.
وعلى الرغم من صعوبة مراقبة الأنظمة الجوية وبخاصة عندما تحلق على ارتفاعات منخفضة فوق التضاريس الأرضية لتجنب كشفها رادارياً، فإنه يفضَّل استخدام أجهزة رصد متعددة لضمان كشفها. ونشهد اليوم أنظمة مستقلة تبث إشارات ترددات راديوية، والتي يتم برمجتها مسبقاً باستخدام إما نظام تحديد الموقع العالمي GPS أو الرؤية باستخدام الأجهزة البصرية.
وتتضمن الإجراءات المضادة للتغلب على الأنظمة غير الآهلة الصغيرة التشويش أو الخداع بالترددات الراديوية والتأثيرات السيبرانية. وبما أن بعض الأنظمة غير الآهلة تحلق بسرعة 200 ميل/ الساعة، ويمكن إرسالها بأسراب أو موجات، فقد عمدت بعض الشركات بما فيها Raytheon إلى تحسين السرعة من خلال الذكاء الاصطناعي. وتقدم Raytheon أيضاً تكنولوجيا ليزرية ذات طاقة عالية وموجات صغرية ذات طاقة عالية أيضاً التي بإمكانها تعطيل أو تدمير العربات الجوية غير الآهلة.
وكانت Raytheon السباقة في إطلاق نظام للحرب المضادة للعربات الجوية غير الآهلة الأكثر تطوراً أسمته «كويوط» Coyote، والذي اختاره الجيش الأميركي كحل على المدى القريب لمكافحة العربات الجوية غير الآهلة الصغيرة. وباستطاعة نظام «كويوط»، المجهز برأس باحث وآخر حربي يفجَّر بصاعق تقاربي، العمل بنجاح للتعرف على العربات الجوية المعادية وتعقبها وتدميرها.
Coyote، وهو الأكثر قدرةً في فئته، هو نظام صغير الحجم مستهلك يُطلق من أنبوبه باستخدام الهواء المضغوط، كما يقدم «كويوط» ذو الجناحين الترادفيين مكوثاً في الجو لمدة ساعة، وباستطاعته القيام بمهام مراقبة واستطلاع، ويمكن إطلاقه من قواذف أرضية وجوية وبحرية.
يقوم Cayote برصد وتعقب تهديدات الأنظمة الجوية غير الآهلة وبتقديم معلومات التهديف في الوقت المناسب، وذلك من خلال رادار المسح الإلكتروني AESA الذي يعمل بنظام التردد الراديوي في الحيّز Ku الخاص بشركة Raytheon. وبإمكان «كويوط» التحليق مستقلاً أو يُشبك ضمن سرب أو أسراب من الأنظمة الجوية غير الآهلة. وهو قابل أيضاً للتكيف مع مجموعة واسعة من المهام تتضمن الاستخبار والمراقبة والاستطلاع، والحرب الإلكترونية، والتهديف، والضرب ضد أهداف متحركة في ميادين القتال، وتقدير الأضرار في الوقت الحقيقي، وخفض تهديدات الطائرات غير الآهلة وتطبيق قدرة العمل بتشكيلة السرب. وأصبحت Raytheon اليوم على وشك إنهاء تطوير اشتقاقات متقدمة من «كويوط» بإمكانها أن تحلق أسرع وأبعد.
كما أن Raytheon لم تعمل على تطوير أنظمة رصد وتعقب فحسب، بل عملت أيضاً على تطوير مجموعة من التكنولوجيات التي باستطاعتها تعطيل أو تدمير العربات الجوية غير الآهلة الصغيرة أو الدرونات، وذلك من خلال إضافة مستشعر تردد راديوي راداري ورأس حربي يفجّر بصاعق تقاربي.
وفي محاولة منها لاستشراف المستقبل، تخطط «وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة» DARPA لتطوير مفهوم جديد يقوم على استخدام مجموعات من أسراب العربات الجوية للهيمنة على قوات العدو. كما وضعت DARPA طلباً لتحديد تكنولوجيات أنظمة دفاع جوي طبقي مبتكرة ومرنة وفعالة ومكونات للتصدي للأنظمة الجوية غير الآهلة الصغيرة UAS التي تزداد أهمية، فضلاً عن التهديدات التقليدية. وإلى ذلك تسعى DARPA إلى مقاربات تراكبية ومتدرجة المقاييس ومتاحة الكلفة يمكن ميدنتها في غضون السنوات القليلة المقبلة وأن تتطور بسرعة لتواكب تطورات التهديدات التكتيكية.
وبما أن الأنظمة الجوية غير الآهلة الصغيرة منخفضة الكلفة، فإن الأنظمة والمفاهيم الناشئة في بيئات مختلفة تحقق تقدماً في التكنولوجيا لإجراء رصد سريع وتعريف وتعقب وشل الأنظمة الجوية غير الآهلة الصغيرة فيما هي تخفف الأضرار الجانبية وتوفر مرونة للعمليات في بيئات مهام متعددة.
على صعيد آخر، تسعى وزارة الأمن الوطني الأميركية، ومكتب التحقيقات الفدرالي، وإدارة الطيران الاتحادي إلى حماية الخطوط الجوية المدنية، وطوافات الإخلاء الطبي من هجمات لعربات UAV. وإلى ذلك تشمل التطبيقات الأخرى حماية البنى التحتية الحساسة (منشآت حكومية، مفاعلات نووية، مطارات)، والأمن العسكري. وحققت الصناعة تقدماً كبيراً بتطوير عدد من الحلول الأخرى لرصد وتعقب وشل تهديدات عربات UAV.
في الختام، تنبثق الحرب المضادة للعربات الجوية غير الآهلة كسلاح جديد يستخدم ضد هواة أو إرهابيين يحاولون العبث بأمن الطائرات وبخاصة التجارية منها باستخدام أنظمة جوية غير آهلة صغيرة الحجم.