نظام إدارة القتال البحري: توجُّه نحو هندسة رقمية مفتوحة
ضاعفت سرعة الحروب وانتشار التهديدات «المتعددة المجالات» من الضغوط الهادفة إلى تطوير «أنظمة إدارة القتال البحرية» وضرورة استجابتها السريعة، وهذا ما سلّط الضوء عليه أليكس فالينتي الكاتب في الشؤون العسكرية.
تُستخدم الصواريخ «الفائقة لسرعة الصوت» (hypersonic) والبالستية، والأنظمة غير الآهلة كمستشعرات رؤية أمامية متقدمة، وكمنصات لشَن «هجمات مكثفة» (swarm) بغية استحداث «تهديد مُشبع» (Saturating threat) في كثافته ووتيرته المتتالية المتسارعة التي تربك العدو وتفتح ثغرات قاتلة في دفاعاته، فضلاً عن تطوير غواصات لا تنفك تزداد خفاء ومقاتلات نفاثة تغدو أسرع فأسرع ... ويُجبر عرضُ، ونطاق، ووصول وسرعة مداهمة التهديدات البحرية الراهنة، القادة البحريين على الدخول في سباق محموم مع الوقت لاكتساب المعلومات الحاسمة، واتخاذ القرارات المناسبة والحفاظ على التفوّق.
وأكثر ما يظهر ذلك على نحو جلي في أحدث مستجدات تطوير «أنظمة إدارة القتال» (CMS) البحري. وبينما تواجه البحريات تهديدات تمتد عبر مجالات عديدة - من تحت الماء صعوداً إلى الفضاء - يتعين على القادة أن يفيدوا من معلومات مستقاة من مجموعة متنامية من المستشعرات داخل الأساطيل وفي ما بين القوى المتحالفة. ومن الناحية العملانية، يتعيّن على «أنظمة إدارة القتال» أن تكون قادرة على إدماج العديد من المستشعرات، وتلقّي، ومعالجة، ومشاركة بيانات ومعلومات عبر منصات عديدة، بسرعة إيقاع غير مسبوق.
وفي كتاب «الفوز في البحر خلال القرن العشرين: تكتيكات في العصر الخامس للقتال البحري» (Vaincre en mer au XXIe siècle - La tactique au cinquième âge du combat naval) الصادر في شباط/ فبراير العام 2023، يلفت المؤلِّفان ثيبول لافيرنهي (Thibault Lavernhe) وفرانسو-أوليفيه كورمان (François-Olivier Corman) إلى أنّ: «ذلك يحدث لأنّ كلّ شيء بات أسرع، وأشد قوة وأبعد مدى بما يُحتّم أن يكون الوقت محط اهتمام خاص بغية اغتنامه بأفضل السبل المتاحة، لأنه أصبح أكثر من أي وقت مضى المادة الأكثر حساسية التي يتلاعب بها الخبراء التكتيكيون». لقد أصبح الوقت الآن أكثر من أي وقت مضى هو «العامل الحاسم».
فيما بدأ العالم يستقي الدروس من النزاع الدائر في أوكرانيا، تغدو التطوّرات في تكتيكات وتكنولوجيات الحرب البحرية، التي تُستَشرف بالتوقّعات أساساً أكثر من التجربة الميدانية، تحظى أكثر فأكثر بتركيز شديد.
ومن الثابت في هذه الأيام، على سبيل المثال، أنّ الأنظمة غير الآهلة – سواء كانت عربات جوّية (UAV)، أو عربات سطح (USV)، أو عربات تحتمائية (UUV) - أصبحت واسعة الانتشار وربما باتت من الضروريات التي لا غنى عنها في المجال البحري. ويُشكّل الهجوم الذي تعرّضت له القاعدة البحرية «سيفاستوبول» (Sevastopol) في 29 تشرين الأول/أكتوبر العام 2022 خير مثال على قدرة أسطول صغير من أنظمة غير آهلة (ثماني عربات جوية UAV وسبع عربات سطح USV) أن تُحدث تأثيراً مباغِتاً وحاسماً. ربما لم يكن الضرر الذي تعرّض له الأسطول الروسي كبيراً إذ لم تُصَب إلا فرقاطة واحدة وكاسحة ألغام، لكنّ الهجوم حفّز عودة الأسطول الروسي الأكثر أهمية إلى الميناء. فقد إنقضّت العربات المهاجمة من الجو ومن البحر واستخدمت أنظمة اتصالات معاصرة - يُرجح أن تكون أنظمة سواتل - لتنسيق هجومها المتعدد المجالات. وسرت تقارير أيضاً عن أنواع مختلفة من الصواريخ أُطلقت من البحر إلى الشاطئ ومن الشاطئ إلى البحر. فعلى سبيل المثال، أوردت مصادر دفاعية في تقرير لها أن روسيا أطلقت صواريخ جوالة بعيدة المدى (تردّد أنها من نوع «كاليبر» Kalibr) من سفن في البحر الأسود لضرب أهداف أوكرانية على البر. في المقابل، يتذكر الجميع كيف أغرقت أوكرانيا سفينة الصواريخ الموجّهة الروسية «موسكافا» Moskva من فئة «سلافا» Slava بصاروخين مضادين للسفن من نوع «نبتون» Neptune أُطلقا قبالة ساحل أوكرانيا. واستخدمت القوات الأوكرانية أيضاً بطاريتها الدفاعية الساحلية للصواريخ المضادة للسفن من نوع «هاربون» Harpoon لمواجهة سفن السطح الروسية في البحر الأسود.
وأخيراً، على الرغم من أنّ روسيا لا تتّخذ المنحى البحري أساساً في حرب أوكرانيا، فقد نشرت العام الفائت صواريخ فائقة لسرعة الصوت في أحدث هجماتها على أهداف عديدة في أوكرانيا. وكما أشار لافيرنهي وكورمان في كتابهما، وما قاله الأدميرال بيير فاندييه (Pierre Vandier)، رئيس الأركان البحرية الفرنسي خلال افتتاح المؤتمر البحري في باريس الذي نظّمه «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية» (IFRI) الباريسي بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير العام 2023، فإنّ استخدام تكتيكات الهجمات المكثفة أو الشاملة و«المجالات المتعددة» ليس بالجديد من ناحية تلك التكتيكات، بل من ناحية عرض وعمق وإيقاع أو سرعة نشر واستخدام تلك التكنولوجيات والتكتيكات.
وتعتبر، اليوم، تداعيات تلك التكتيكات على تطوير واستخدام «أنظمة إدارة القتال» (CMS) كبيرة جداً. وفيما يتعيّن على البحريات استخلاص معلومات واتخاذ قرارات استناداً إلى عدد متنام من مستشعرات وعبر مجالات عديدة، بدءاً من قعر البحر إلى الفضاء بإيقاع سريع مناسب، لم تعد «أنظمة إدارة القتال» مجرّد أداة تُواجه وضعاً تكتيكياً. وقال يونيك فيهاي (Yonec Fihey)، كبير مديري «تطوير الأعمال لسفن وأنظمة السطح» لدى مجموعة «نافال غروب» Naval Group: «لقد أصبحت تلك الأنظمة بمثابة منصة موحِّدة متعددة المجالات، تهدف إلى إحداث تفوّق من ناحيتي المعلومات واتخاذ القرارات، فضلاً عن تفوّق في الفعل، إذا ما كان ثمة حاجة لاتخاذ خطوات في نهاية المطاف».
قبل أن يوفر نظام إدارة القتال CMS وعياً أو إدراكاً بالوضع المحيط تكتيكياً حاسماً في الوقت الحقيقي وشبه الحقيقي لصالح القادة البحريين، يتعيّن تحديثه بأحدث المستجدّات التكنولوجية. وكما لفت لافيرنهي وكورمان: «في معظم الأحيان، لا يسود تفوّق تكتيكي إلا من معرفة تامة بواقع التطور التكنولوجي واتّقان استخدام ذلك التطور». وإذا ما أخذنا في الاعتبار السرعة التي تتطوّر فيها تلك التكنولوجيات ويُصار إلى تبنّيها، يتعيّن على أنظمة CMS اليوم أن تكون قادرة على التطور بوتيرة سريعة بغية إدماجها في «نظام الأنظمة» (system-of-systems) للسفينة والقوات البحرية - مع تفعيل هذا النظام بالنمط «التعاوني». وأوضح جاي هارت Jay Hart، كبير مهندسي أنظمة القتال لدى شركة «بي أم تي» BMT: «نَجَم عن ذلك حافز متواصل نحو تطوير هندسة تراكبية ومفتوحة على نحو أكثر (لصالح نظام CMS) مقرونة بتبنّي هندسات برمجية حديثة ومناهج تطوير».
فعلى سبيل المثال، طور نظام SETIS من مجموعة Naval Group استناداً إلى هندسة رقمية. فالاشتقاق الذي جرى تركيبه على الفرقاطة الفرنسية «فرقاطة الدفاع والتدخل» Frégates de Défense et d’Intervention (FDI) هو حالياً افتراضي بالكامل ويستند إلى مركزَيْ بيانات يقعان عند طرفَيْ السفينة. وبحسب فيهاي، يوفر ذلك مرونة أكبر، ويسمح لمجموعة Naval Group بإدماج أنظمة جديدة، على غرار الأسلحة الليزرية، وكذلك أنظمة «الذكاء الاصطناعي» (AI) والأنظمة غير الآهلة، على نحو أكثر سهولة وتفاعلية. وشدّد فيهاي قائلاً: «في نهاية المطاف، يتمثل الهدف في الحصول على هندسة رقمية تتطور مع السفينة طوال فترة خدمتها، وتوفر للعملاء نظام إدارة قتال CMS بأقصى تطور تقني يضمن التفوق من ناحيتي المعلومات واتخاذ القرارات».
أمّا أنظمة CMS الأخرى في السوق، على غرار Athena من «ليوناردو» Leonardo، و 9LV من «ساب» Saab، و INTeACT من «ب إيه إي سيستمز» BAE Systems، و TACTICOS من «تاليس» Thales، فقد جرى تطويرها جميعاً حول مفاهيم مماثلة للهندسة المفتوحة. وقال لورينزو كوزيلا Lorenzo Cozzella، «مدير التسويق الاستراتيجي» لقسم الإلكترونيات الخاصة بالمجال البحري في شركة Leonardo: «إن الهدف هو حقاً التمكّن من إضافة وحدات جديدة إلى نظام CMS على نحو محكم وآمن، حيث يتعيّن إدماج أنظمة ووظيفيات functionalities عملية جديدة مع الحدّ الأدنى من التأثير (أي من ناحية الأمن السيبراني والتوافق التشغيلي)».
والميزة الأكثر أهمية للهندسة المفتوحة هي القدرة على «استضافة أو إدماج وظيفيات طرف ثالث بشكل سهل»، حسبما أضاف هارت. وقد طوّرت شركة BAE Systems لهذا الغرض مفهوم التطبيقات المغلقة ‘App Locker’ لنظام INTeACT. وتوفّر الشركة من خلال «طقم التطوير البرمجي» (SDK) بيئة تطوير متكاملة لأنظمة CMS تتوافر مجاناً للصناعة ومختبرات الأبحاث بغية اختبار تطبيقاتها في مقابل «الواجهة البينية» المفتوحة لنظام CMS. فإذا ما أُحرز النجاح، يُدمج عندئذ التطبيق، ويُختبر ويتم التحقّق من وجود مكامن ضعف محتملة فيه من ناحية السلامة والأمن من قِبل فِرق تابعة لشركة BAE Systems ووزارة الدفاع في منشأة «بورتسماوث للإدماج البحري» (Portsmouth Maritime Integration) التابعة لشركة BAE. وقالت أميليا غولد Amelia Gould، مديرة وحدة أعمال أنظمة قتال السفن البحرية لدى BAE Systems: «ما أن تتم المصادقة على التطبيق حتى يُضاف إلى نظام التطبيقات المغلقة App Locker لصالح القادة بغية استخدامه وفقاً للمهام المُناطة بهم».
فيما تواصل الحرب البحرية التوسع عبر مجالات متعددة، من قعر البحر إلى الفضاء، فإن مجرد كونها قادرة على تحقيق تفوق من إدراك الوضع المحيط يعني أيضاً قدرتها على الرؤية الأمامية الميدانية المتقدمة. ويعني ذلك أيضاً الحصول على المعلومات في الوقت الحقيقي (أو شبه الحقيقي) لأنه، كما كتب لافيرنهي وكورمان، تكون «فترة صلاحية المعلومات (المستقاة من مستشعرات) وتقييمات الوضع الناجمة عنها أقصر بكثير». وفي مثل هذا السياق، من المحتّم أن تلعب المسيرات (UAV)، وعربات السطح غير الآهلة (USV)، والعربات التحتمائية غير الآهلة (UUV) دوراً مهماً في مفهوم هندسة الأسطول الموزّعة التي تحاول ترسيخها البحرية الأميركية - مع تتبع بحريات أخرى لخطواتها - فيما يتوقّع أن تُسهّل أنظمة CMS ذات الهندسة المفتوحة وتُسرّع بشكل كبير من عملية إدماجها على متن السفن. وأوضح فيهاي: «تُسهّل الهندسة الرقمية المفتوحة لنظام SETIS إدماج جميع الأنظمة الجديدة على متن سفينة، بما في ذلك الأنظمة غير الآهلة». وأضاف: «يُنجَز ذلك من خلال الإدماج المحكم لمهام المُسيّرات I4Drones Mission System في «نظام إدارة القتال» بغية تطبيق القدرة «غير الآهلة» على النظام». أولاً، تسمح للمشغّلين للتخطيط للمهمة قبل إطلاق عربات UAV/USV/UUV، بما في ذلك خطط الطيران/الملاحة فضلاً عن تعريف المنطقة العملانية وتحديد قواعدها وفقاً للوضع التكتيكي. ثانياً، إنما من خلال «نظام القتال» يتم التحكم بالأنظمة غير الآهلة عن بُعد من أجل إرسال المعلومات - الملاحة، والوضع التكتيكي للأسطول، إلخ - وتلقّي بيانات - ويتم جمع البيانات، وإدماجها، ومعالجتها، وتحويلها إلى معلومات هادفة ذات فائدة.
وعلى نحو مماثل، تختبر شركة Leonardo إدماج عربات UAV في نظامها Athena على متن فرقاطة FREMM من خلال البرنامج الأوروبي «التعاون المفتوح للوعي البحري الأوروبي» OCEAN 2020 . وعلى خط مواز، تعكف الشركة عبر مختبرات Leonardo أيضاً على اختبار إدماج أنظمة غير آهلة في جميع المجالات - الجوية، والبرية، والسطحية، والتحتمائية. وأوضح كوزيلا: «نعني بالإدماج حمولة تلك الأنظمة (مثل الفيديو والبيانات، إلخ)»، فيما لا يزال التحكم عن بُعد بالأنظمة يتم عبر محطة أو مركز مكرس لهذه الغاية. وإلى جانب المحدودية التقنية، يؤكد هارت أن ما بات على المحك في هذا السياق هو ضمان أن لا يؤثر طرح تلك الأنظمة على صلاحية إدماج ما تبقى من نظام CMS.
وعلى الرغم من هذه المستجدات الكبيرة في إحراز تقدم، أوضح هذان المصدران أن إدماج الأنظمة غير الآهلة في نظام إدارة قتال CMS هو تطور لا مفر منه. فلا يتعين عليه فحسب أن يتطور مع ازدياد نضج تلك الأنظمة، بل ينبغي أيضاً أن يأخذ في الاعتبار مختلف مستويات استقلاليته. فعلى سبيل المثال، ليس ثمة عربة سطح غير آهلة USV قادرة حالياً على العمل باستقلالية تامة. ويشير كوزيلا إلى أنه: «يمكن تفسير الموجات على أنها أشياء خاطئة أو يمكنها أن تغطي على عوائق محتملة و/أو أشياء مثل عوامات أو طوافات، واستحداث خطر اصطدام»، ويضيف «ولهذا السبب يتم تشغيل كل تلك الأنظمة عن بُعد». وتعمل Leonardo حالياً على تطوير حل للتغلب على كل تلك التحديات.
ويتابع هارت أنه بسبب كون هذه الأنظمة تحديداً مشغّلة عن بُعد، تتمثل المسألة الأساسية في الحفاظ على وصلة اتصالات مجدية بين عربات UAV/USV العاملة «في ما يتعدّى خط النظر» (BLOS) و«نظام إدارة القتال» CMS في السفينة، خصوصاً في ظل الأحوال الجوية الرديئة. ويؤكد هارت «إذا، ليس التحدي تقنياً إلى هذا الحد، إذ بالإمكان مضاعفة الاستقلالية، بل يكمن في تخطّي اغتنام تلك الأنظمة كمستشعرات إلى استخدامها على نحو آمن كأسلحة مقتدرة».
وفي هذا السياق، تعمل العربات التحتمائية غير الآهلة UUV عموماً بدرجات أعلى من الاستقلالية بسبب الصعوبات المرتبطة بالاتصال تحت الماء. وقال فيهاي: «إن التحدي الماثل في هذه المسألة هو ذو وجهين». أولاً، يتعيّن تحديد مواصفات وحيثيات المهمة - بما في ذلك قواعد الملاحة ووضع الأولويات لعناصر المهمة - بوضوح من خلال «نظام القتال» Combat System قبيل الشروع بتنفيذ المهمة. وأوضح فيهاي «اعتماداً على الهدف الذي ستتصدّى له العربة التحتمائية UUV، يتعين عليها أن تستبين ما إذا كانت ستجعل المهمة أولوية لها أو ينبغي عليها الصعود إلى السطح لإرسال المعلومات». ثانياً، يواجه مشغّلو عربات UUV تحدّي عدم معرفتهم بالذي تقوم به عربات UUV تحت الماء. ولهذا السبب تُولي مجموعة Naval Group أهمية لاستخدام ’توأم رقمي‘ digital twin لعربة UUV من أجل التمكّن من وضع أدقّ سيناريو ممكن لسلوكها أو تصرفها خلال المهمة. وأضاف فيهاي «إن التوأم الرقمي هو نسخة تامة عن النظام، بما في ذلك الاستقلالية في اتخاذ القرارات كما هو محدد في مواصفات مهمتها mission specifications».
وبالتالي، فإن العديد من المحدوديات التي تُقيّد حالياً إدماج عربات UAV و USV، و UUV في «أنظمة إدارة القتال» CMS ليست تقنية بالضرورة. وقال هارت «يسمح مستوى الجهوزية التكنولوجية اليوم بتنفيذ مجموعة كبيرة من المهام بفضل هذه الأنظمة، لكنّ المشكلة تتعلّق أكثر بموثوقية ودقّة النظام، والسلامة الوظيفية، وامتثاله لأية قيود تنظيمية أو تشريعية على غرار ’قواعد الاشتباك‘ (ROE)».
تواجه البحريات في الوقت الراهن تحديَيْن بارزَين: فمن جهة، تغدو التهديدات أكثر تبايناً وسرعة وخفاء وذات مدى أطول من أي وقت؛ أما من جهة ثانية، فقد تسبّبت عقود من تراجع الإنفاق الدفاعي، مقروناً بتقادم المنصات، في خفض قوة الأساطيل التي بالكاد تستطيع أن تنتشر في ميادين العمليات الشاسعة والمتناثرة اليوم. وفي مثل هذا السياق، يُعتبر الاشتباك التعاوني، كما كتب لافيرنهي وكورمان، خطوة أساسية لجمع المعلومات في الوقت الحقيقي والتصدي بنجاح لتهديدات مثل الصواريخ الفائقة لسرعة الصوت. إن نظام إدارة القتال CMS هو عنصر حاسم في هذه الجهود.
وتعمل البحرية الأميركية على تطوير مثل تلك القدرة على مستوى الأسطول منذ تسعينات القرن الماضي مع «قدرة الاشتباك التعاوني» (CEC)، وهي نظام تشبيك مستشعرات في الوقت الحقيقي يُركّز على تطوير المكونات المادية والبرمجية التي تتيح مشاركة بيانات رادار ونظام «التعرف على الصديق من العدو»(IFF) على جميع المنصات المجهزة بنظام تشبيك المستشعراتCEC - بما في ذلك الأنظمة غير الآهلة. فعلى سبيل المثال، تمكّنت المدمّرة الأميركية USS John Finn بنجاح في 27 نيسان/ أبريل العام 2021 من إطلاق صاروخ نشط ذي مدى ممدّد (SM-6) استناداً إلى معلومات تهديف تم جمعها من أنظمة آهلة وغير آهلة على حد سواء.
وكانت «المفوضية الأوروبية» قد تقدّمت في ذلك العام بأول استدراج للعروض لصالح «الصندوق الدفاعي الأوروبي» (EDF) لتطوير «قدرة مراقبة بحرية تعاونية» (NCS)، تُركّز كشأن مثيلتها الأميركية على «الحرب المضادة للجوّيات» (AAW)، وتحديداً القدرة على استخدام عدد كبير من المستشعرات للشبكات بغية استحداث «وعي تكتيكي تتم مشاركته ضمن تحالف، ويكون الأفضل من ناحية الأداء والمرونة».
وكما يُدلّل الاسم، لا تزال قدرة NCS في مرحلتها الأولى - أي المراقبة - وتعمل مجموعة Naval Group وشركة Leonardo على «مرحلة تبادل ودمج للبيانات على مستوى خارطة البيانات الرادارية» Plot Level Data Exchange and Fusion (PLDEF). وأوضح فيهاي «ثمة محدوديات لأنظمة CMS التقليدية، خصوصاً في ما يتعلق بالسرعة، وفترة الاستجابة، والقدرة على اتخاذ الخطوات ضمن فترات تأخير قصيرة جداً». إن الميزة الرئيسية لنظام NCS هو أنه بدلاً من تبادل معلومات أو إحداثيات الرصد أو التعقب track الذي ينفذه الرادار، كما هو الحال في الوقت الراهن مع وصلة البيانات التكتيكية، ستتمكّن السفن من تبادل «خارطة البيانات الرادارية» Plot مباشرة - وعلى رأسها البيانات الأساسية بما في ذلك السرعة، والارتفاع والاتجاه.
وجرى الاختبار الأول لنظام PLDEF خلال تمارين Formidable Shield التي نظمها حلف شمال الأطلسي «الناتو» (NATO) في العام 2021، عندما تبادلت فرقاطة Forbin تابعة للبحرية الفرنسية من فئة Horizon وفرقاطة هولندية من فئة de Zeven Provinciën بنجاح «خرائط بيانات رادارية» عبر «وصلة البيانات التكتيكية» Link 16 (TDL).
تغيّرت وتيرة الحرب البحرية في العقد الأخير بشكل جذري. فلم تعد فحسب تتعلق بالقدرة على تعقب وتحديد هويّة تهديدات فائقة لسرعة الصوت والاشتباك معها، بل أصبحت أيضاً تتصل بالتصدي لتهديدات متعددة، بالتزامن أحياناً، بحراً وبراً وجواً.
وقد شهدت السنوات الأخيرة جهداً عالمياً لتطوير قدرات مراقبة واشتباك «تعاونية»، وتأثير مثل هذه المستجدات على أنظمة CMS في السفن. فهي لا تتطلب فحسب المقدرة على الإدماج السريع لأحجام كبيرة بازدياد من البيانات المستمدة من مستشعرات عديدة، بل القدرة أيضاً على معالجتها وتوفير الدعم لصنع القرار المناسب في فترات زمنية أقصر بكثير.
ويتواصل انبثاق تكنولوجيات ومعالجات عديدة لتسهيل مثل هذا الهدف. فعلى سبيل المثال، صمّمت شركات مثل Naval Group، و Leonardo، و BAE Systems، و Saab نظام إدارة قتال CMS ذا هندسة مفتوحة ليتمكن من مجاراة التطورات التكنولوجية بما في ذلك مستجدات التقدّم في «الذكاء الاصطناعي» (AI) و«تعلّم الآلة» (ML) لدعم المشغّلين في سباقهم مع الوقت. ويمكن أن تكون «الحوسبة الكوانتية» تكنولوجيا ذات فائدة أيضاً لأنظمة CMS المستقبلية.
وفي الختام، تغدو التوصيلية أو الاتصالية connectivity بين المنصات معياراً عسكرياً حاسماً بازدياد للبقاء في ارتباط متكامل وثيق يستبق التطورات، فإذا ما فُقِدت منصة، فستكون منصة أخرى بل منصات أخريات جاهزات لإتمام المهمة على نحو حاسم في إدارة القتال البحري.^