من يحمي الخليج العربي!
فيما توفر القوات البحرية الدولية سفناً حربية أكبر للدوريات البحرية في مياه الخليج، تقوم دول مجلس التعاون الخليجي ببناء قواتها البحرية للحفاظ على وجود مستدام في المنطقة.
لا تزال منطقة الخليج تشكّل منطقة ساخنة للأمن العالمي، وتشكل مياهها بوتقة تنصهر فيها التحديات الأمنية المختلفة. علاوة على ذلك، يعتبر السياق أو المفهوم الأمني للمنطقة فريداً من نوعه في بعض النواحي: حيث أن في مناطق عالمية أخرى، يمكن تقسيم المخاطر المنخفضة والعالية الحدة إلى حد ما، فإن الطبيعة المقيدة جيوفيزيائياً والضيقة جيوستراتيجياً للمنطقة البحرية الخليجية تعني أن التحديات البحرية المنخفضة والعالية الحدة متشابكة، ما يجعلها بقعة أكثر اضطراباً وتقلباً من مخاطر «المنطقة الرمادية» الهجينة. تشمل التهديدات الأمنية البحرية المنخفضة في حدّها الأدنى مكافحة تهريب المخدرات وغيرها من عمليات التهريب الأخرى عبر شمال بحر العرب إضافة إلى مخاطر الإرهاب والقرصنة البحرية الأخرى التي تتعرض لها السفن التجارية التي تعبر مضيق هرمز. في الطرف المقابل من طيف المخاطر، تعكس منطقة الخليج العربي التوجه العالمي للعودة إلى المنافسة البحرية على صعيد الدول فيما تواصل إيران تحسين قدراتها البحرية في جميع المجالات، وتقوم أيضاً بتطوير القدرة المشتركة التي تطرحها مخاطر منع الدخول/ المنطقة المحرّمة بجوار مضيق هرمز. ومن جهتها تواصل البحرية الغربية أيضاً – وعلى وجه الخصوص البحريات الأميركية USN، والملكية البريطانية RN، والفرنسية FN، على بناء وجود بحري مستدام في المنطقة، سواء في البحر أو على السواحل، لدعم المصالح الأمنية الوطنية والمتعددة الجنسيات.
بين طرفي الطيف، تلعب مخاطر «المنطقة الرمادية» الهجينة دوراً نشطاً في البحر عبر المنطقة. وفي إحدى الأحداث الأخيرة، تعرضت عدة سفن تجارية في منتصف العام 2019 لهجمات بحشوات متفجرة أثناء الرسو والإبحار، وفي بعض الأحيان صعد المعتدون إلى متن السفن وتم اختطاف أو احتجاز الطاقم. وأدت هذه الحوادث إلى استجابة أو ردة فعل دولية سريعة، على سبيل المثال تشكيل فريقَيْ عمل أو مجموعَتَيْ قتال بحريتين متعددتي الجنسيات لزيادة المراقبة والأمن البحريّين في المنطقة، وبناء الأمن البحري الدولي المؤلف من تسع دول - IMSC - والذي يشكل فريق عمل التحالف CTF المسمى Sentinel الذي يشكّل المكوّن العملاني؛ وفريق العمل الأوروبي للإلمام بالوضع البحري في مضيق هرمز EMASOH بقيادة أوروبية.
يتواجد فريقا العمل الجديدان جنباً إلى جنب مع الحضور الأمني البحري الذي أنشأته بالفعل شراكة «القوات البحرية المشتركة» CMF بقيادة البحرية الأميركية ومقرها البحرين. وبالتعاون مع 33 شريكاً دولياً مساهماً، أنشأت CMF ثلاث فِرَق عمل مشتركة ومنفصلة CTF وهي: CTF-150 التي تركز على مكافحة الإرهاب، و CTF-151 التي تركز علي مكافحة القرصنة و CTF-152 التي تركز على الأمن في مسرح العمليات.
تتمثل الروح الاستراتيجية للعديد من القوات البحرية الإقليمية والخارجية العاملة في منطقة الخليج وحولها في توفير الوجود الداعم للمصالح الأمنية البحرية الوطنية والمتعددة الأطراف. وينعكس ذلك بشكل كبير أيضاً في منظور مجموعة رئيسية أخرى من القوات البحرية العاملة في المنطقة –أي القوات البحرية المحلية التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي.
لدى جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والبحرين، والكويت، وسلطنة عُمان، قوات بحرية تساهم بفعالية في عمليات وطنية ومتعددة الجنسيات في المنطقة.
وفي السياق المتعدد الجنسيات، على سبيل المثال، هناك خمس دول في مجلس التعاون الخليجي – المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت وقطر – هم أيضاً أعضاء في القوات البحرية المشتركة CMF. وتولت هذه الدول، باستثناء قطر، قيادة فرق عمل التحالف CTF المختلفة في أوقات مختلفة. وتقود البحرية الملكية وحرس الحدود السعوديون حالياً فرق عمل التحالف CTF-150 و CTF-152 على التوالي، فيما تتولى البحرية الباكستانية قيادة الفريق CTF-151.
على امتداد منطقة الخليج العربي، وفيما توفر البحريات الأميركية والبريطانية والفرنسية وغيرها من القوات البحرية الغربية قدرات عالية المستوى. توفر القوات البحرية لدول مجلس التعاون الخليجي مجموعة من القدرات الأمنية البحرية الرئيسية. علاوة على ذلك، لديهم المكانة والقدرة على تحقيق وجود مستدام.
تقوم البحرية الملكية السعودية بتشغيل فرقاطات حديثة، ولديها (إلى جانب الإمارات العربية المتحدة) أيضاً قدرات الحرب المضادة للألغام وطائرات الدورية البحرية. ومع ذلك، وفيما تضيف القوات البحرية لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة قدرة بارزة إلى مزيج الأمن البحري الإقليمي وعلى وجه الخصوص مهام الدوريات البحرية وبالتحديد، الفرقيطات، وزوارق الدورية، وزوارق الهجوم السريعة FAC والزوارق الاعتراضية، وتوفر دول المجلس الست قوات دورية بتشكيلات مختلفة، في حين أن هذه القوات هي مزيج من القدرات القديمة والجديدة، فإن بعض المنصات الجديدة جديرة بالاهتمام– على سبيل المثال، فرقيطات البحرية السلطانية العُمانية من فئتي «الخريف» و«الأفق»؛ وفرقاطة البحرية الإماراتية فئة أبو ظبي وزوارق الهجوم السريعة فئة بينونة. وتجدر الإشارة أيضاً في سياق الأمن البحري، إلى أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست لديها قوات خفر سواحل أو شرطة بحرية. وهذا يؤكد على قدرة القوات البحرية الخليجية في العمليات المنخفضة الحدة والقدرة على زجّ القوى الأمنية البحرية عند الاقتضاء في جميع أنحاء المنطقة. ولعل القدرة الأبرز هنا تتمثل في تسلُّم خفر السواحل الإماراتي زورقَيْ دورية بعيدة عن الشاطئ من فئة Arialah.
ومن شأن الأخيرة عند إلحاقها بسابقاتها المحلية أن تعزز قدرة القوات البحرية الخليجية الجماعية على تكوين قوة دورية وخفر سواحل في البحر وازنة تؤدي إلى توازن الأمن البحري في المنطقة.
يوفر تشكيل الأمن البحري CTF Sentinel/ IMSC مثالاً جيداً على أين وكيف تحدث القوات البحرية الإقليمية تأثيراً أمنياً بارزاً. وتجدر الإشارة إلى أن ثلاث من القوات البحرية الخليجية – المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين هم أعضاء في IMSC. ويقوم مفهوم المناورة أو العمليات لدى CTF Sentinel على مهام «Sentinel» – التي تتطلب منصات أكثر قدرة (على غرار المدمرات والفرقاطات) لتكون موجودة في مناطق أكثر خطورة (مثل محيط مضيق هرمز) – يتم تنفيذها من قبل القوات البحرية الأكبر على غرار البحريتين الملكيتين البريطانية والأسترالية؛ وتتطلب «مهام الحراسة» Sentry Duties–، من حيث المبدأ، قوات دورية تركز على أمداء أطول من المناطق لتأمين المراقبة التي يتم تنفيذها إلى حد كبير من القوات البحرية الإقليمية.
على الرغم من هذا التقسيم الواضح للعمل في تشكيل مثل CTF Sentinel، فإنه يوفر وجود أكثر اتساقاً على نطاق أوسع في جميع أنحاء المنطقة، ويتطلب من القوات البحرية لدول مجلس التعاون الخليجي، على المستوى الفردي والجماعي، الحفاظ على قدراتها الرئيسية وزيادتها. وقد تشمل هذه القدرات أجهزة استشعار واتصالات محسنة – ما يسمح لهذه القوات البحرية بتعزيز ومشاركة الفهم الجماعي للصور البحرية والعملانية المعترف بها. إن هذا الفهم الجماعي المعزز والمشترك للصورة البحرية الإقليمية ضروري لفهم مخاطر «المنطقة الرمادية» علي وجه الخصوص، تعزيز فعالية الوجود المطلوب لمعالجته.