مسبار الأمل الإماراتي.. أول إنجاز عربي غير مسبوق

 

وضعت الإمارات العربية المتحدة مسبار «الأمل» الإماراتي في المدار حول كوكب المريخ، لتصبح بذلك أول دولة عربية تصل إلى الكوكب الأحمر.

 يعتبر هذا الإنجاز التاريخي فخراً للأمة العربية جمعاء وخصوصاً لشبابها، حيث أعاد بوصلتهم إلى التفكير العلمي المستقبلي بعيداً عن المماحكات السياسية وصراعات المحاور التي حنّطت أفكارهم وقولبت عقولهم بقوالب سياسية ودينية ومعيشية وغيرها... ومن هنا نقول باسم الشباب العربي الذي استيقظ طموحه العلمي بعد سبات عميق، واستدرك بعاده عن الساحة العلمية العالمية بعد طول غياب... شكراً للإمارات.

 وقال رئيس دولة الإمارات، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان إن «أبناء الإمارات حولوا الحلم إلى واقع، وحققوا طموحات أجيال من العرب، ظل يراودها أمل وضع قدم راسخة في سباق الفضاء، الذي ظل حكرا على عدد محدود من الدول». وأشاد سموه بالمشروع كونه نشأ نتيجة جهد مؤسّسي مخلص ودؤوب ومن رؤية طموحة هدفها خدمة المشروع الوطني الإماراتي خاصة والبشرية والمجتمع العلمي عامة ومحققا آمال الملايين من العرب بأن تكون لهم قدم راسخة في مجال استكشاف الفضاء.

وأكد حاكم دبي ونائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إن بلاده تحاول بناء نموذج للتنمية يؤكد للشباب العرب «أننا أبناء حضارة». وكتب على تويتر «نفخر اليوم بما وصلنا إليه عبر مسيرة انطلقت من الصحراء لتعانق الفضاء في زمن قياسي. وطن يزهو بقادة آمنوا فيه بالإنسان فصنعوا بذلك كفاءات وطنية وصلت بنا إلى المريخ في مشهد رائع. صفحة جديدة من التاريخ تعيد إلى الأذهان ريادة العرب في صناعة الحضارة الإنسانية في لحظة استثنائية». وأكد أن «هذا الإنجاز التاريخي بوصول مسبار الأمل إلى المريخ هو أعظم احتفال بالذكرى الخمسين لقيام اتحاد الإمارات.. ويؤسس لانطلاقتها الجديدة في الخمسين عاماً المقبلة.. مع أحلام وطموحات لا سقف لها»، مضيفاً سموه: «سنواصل تحقيق الإنجازات وسنبني عليها إنجازات أكبر وأعظم».

 ولفت سموه إلى أن «الإنجاز الحقيقي الذي نفخر به هو نجاحنا في بناء قدرات علمية إماراتية تشكل إضافةً نوعيةً للمجتمع العلمي العالمي».

 وهنأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، الشعب الإماراتي والأمة العربية بهذا الإنجاز التاريخي بالقول: «مبروك لشعب الإمارات، مبروك للأمة العربية، ما حققتموه شرف لكم ولأهلكم ولبلادكم ولأمتكم». وفي تغريدة على حسابه على تويتر، قال: «وصول «مسبار الأمل « إلى المريخ، هو موعد مع التاريخ، الذي سيكتب أن إرادة التقدم الإماراتية انتصرت على كل التحديات، وأن الرهان على شبابنا المسلح بالمعرفة حقق أهم إنجاز علمي عربي في العصر الحديث، وإننا نستطيع تحقيق كل طموحاتنا، مهما بدت صعبة أو حتى مستحيلة».

وأضاف الشيخ محمد بن زايد: «فخور بكم يا عيالي وهذه أجمل انطلاقة للاستعداد للخمسين سنة المقبلة.. إن شاء الله تكون البداية وننتظر منكم الكثير في مشاريع الفضاء المقبلة».

وقالت سارة الأميري، وزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة، رئيسة مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، إن نجاح «مسبار الأمل» في الوصول إلى المريخ يشكل بداية لسلسلة مهام علمية غير مسبوقة ستقدم صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ للمرة الأولى في تاريخ البشرية، وتضع بياناتها في خدمة المجتمع العلمي العالمي.

 وأضافت: «نبارك لكل من في دولة الإمارات ولكل الشعوب العربية هذا الإنجاز التاريخي الذي كان نتاج عمل سبع سنوات تقريبا ضمن برنامج متكامل لنقل المعرفة.. فالنهج المبتكر الذي اتبعته دولة الإمارات تكلل بالنجاح وشكل إضافة نوعية إلى قطاع استكشاف الفضاء في العالم».

مسبار الأمل
مشروع اليوبيل الذهبي

 

وكانت رحلة مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل» قد بدأت فعلياً كفكرة قبل سبع سنوات، من خلال خلوة وزارية استثنائية دعا لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في جزيرة صير بني ياس في أواخر العام 2013، حيث قاد سموه عصفاً فكرياً مع أعضاء مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين استعرض فيه معهم جملة أفكار للاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد في العام، وقد تبنت الخلوة يومها فكرة إرسال مهمة لاستكشاف المريخ، كمشروع جريء، ومساهمة إماراتية في التقدم العلمي للبشرية، بشكل غير مسبوق.

وتحولت هذه الفكرة إلى واقع، عندما أصدر صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في العام 2014 مرسوماً بتأسيس وكالة الإمارات للفضاء، لبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ، أُطلق عليه اسم «مسبار الأمل»، بحيث يتولى مركز محمد بن راشد للفضاء التنفيذ والإشراف على مراحل تصميم المسبار وتنفيذه، بينما تمول الوكالة المشروع وتشرف على الإجراءات اللازمة لتنفيذه.

تجربة حافلة بالتحديات

 

وعلى مدى أكثر من ست سنوات من العمل على «مسبار الأمل»، تصميما وتنفيذا وبناء من الصفر، شهد المشروع تحديات جمّة، شكل تخطيها قيمة مضافة له. وكانت أولى هذه التحديات إنجاز المهمة الوطنية التاريخية لتصميم وتطوير المسبار خلال 6 سنوات، حتى يتزامن وصوله مع احتفالات الدولة بيومها الوطني الخمسين، في حين أن المهام الفضائية المثيلة يستغرق تنفيذها ما بين 10 أعوام إلى 12 عاماً، حيث نجح فريق مسبار الأمل من كوادر وطنية عالية الكفاءة في هذا التحدي، محولين الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة إلى حافز إضافي دفعهم لبذل المزيد من الجهد.

وكان هناك تحد جديد تمثل في كيفية نقل المسبار إلى محطة الإطلاق في اليابان بالتزامن مع تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» عالمياً، وهو ما ترتب عليه إغلاق المطارات والموانئ حول العالم، ووضع قيود صارمة على التنقل بين الدول ضمن الإجراءات الاحترازية لمكافحة تفشي الفيروس، وكان على فريق العمل أن يضع خططاً بديلة لنقل المسبار في الموعد المحدد في ضوء هذا التحدي المستجد، حتى يكون جاهزاً للإطلاق في التوقيت المحدد سلفاً في منتصف يوليو 2020، وهنا سجل الفريق إنجازاً جديداً في مسيرة تخطي التحديات، إذ نجح في نقل المسبار إلى محطة تانيغاشيما اليابانية، في رحلة استغرقت أكثر من 83 ساعة براً وجواً وبحراً، ومرت بثلاث مراحل رئيسية، روعي خلالها اتخاذ تدابير وإجراءات لوجستية محكمة، لضمان إيصال المسبار إلى وجهته النهائية قبل الإطلاق في وضعية مثالية.

emm1

 

إعادة جدولة الإطلاق

 

ثم جاءت اللحظة الحاسمة التي ظل فريق العمل يترقبها بفارغ الصبر طوال ست سنوات من العمل الدؤوب، وهي لحظة الإطلاق التي تحدد لها الساعة الأولى من صباح يوم 15 تموز/يوليو 2020 بتوقيت الإمارات، ولكن مسلسل التحديات استمر، إذ تبين أن الظروف الجوية غير ملائمة لإطلاق الصاروخ الذي سيحمل المسبار، ليقوم فريق العمل بإعادة جدولة موعد الإطلاق ضمن «نافذة الإطلاق» الممتدة من 15 تموز/يوليو وحتى 3 آب/أغسطس، علماً بأن عدم نجاح الفريق في إنجاز عملية الإطلاق خلال هذه الفترة كان يعني تأجيل المهمة بأكملها لمدة عامين. وبعد دراسات دقيقة لتنبؤات الأحوال الجوية بالتعاون مع الجانب الياباني قرر الفريق إطلاق مسبار الأمل في 20 تموز/ يوليو 2020، عند الساعة 01:58 صباحاً بتوقيت الإمارات.

ولأول مرة في تاريخ المهام الفضائية لاستكشاف الفضاء يتردد العد التنازلي باللغة العربية، إيذاناً بإطلاق مسبار الأمل، وسط متابعة مئات الملايين من الدولة والمنطقة والعالم الحدث التاريخي، وحبس الجميع أنفاسهم انتظاراً للحظات الحاسمة التي سيصعد خلالها الصاروخ مخترقاً الغلاف الجوي للأرض بسرعة 34 ألف كيلومتر في الساعة حاملاً مع مسبار الأمل، وما هي إلا دقائق حتى تأكد نجاح عملية الإطلاق، ثم انفصال المسبار عن صاروخ الإطلاق بنجاح، ومن ثم استلام أول إشارة من المسبار في رحلته التي امتدت سبعة أشهر التي قطع خلالها أكثر من 493 مليون كيلومتر. كما تلقى المسبار أول أمر من محطة التحكم الأرضية بالخوانيج في دبي بفتح الألواح الشمسية وتشغيل أنظمة الملاحة الفضائية وإطلاق أنظمة الدفع العكسي، ليشكل ذلك فعلياً بداية رحلة المسبار الفضائية إلى الكوكب الأحمر.

مسبار الأمل
إشادة عالمية بنجاح مسبار الأمل

 

استحوذ نجاح دولة الإمارات في الوصول إلى كوكب المريخ ودخول «مسبار الأمل» إلى مداره حول الكوكب الأحمر على اهتمام أهم الصحف والمحطات العالمية، التي تابعت عن كثب هذه السابقة التاريخية التي تعزز مكانة الإمارات المتنامية كمركز للعلوم والمعارف الفضائية.

مهمات مسبار الأمل في المريخ

 

وتتضمن مهمة «مسبار الأمل» عند وصوله بنجاح إلى مداره حول الكوكب الأحمر أهدافاً علمية غير مسبوقة في تاريخ المهمات نحو المريخ، وتعد مساهمة عربية نوعية في التقدم العلمي للبشرية، إذ تشمل تقديم صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ للمرة الأولى في التاريخ، وتكوين فهم أعمق بشأن التغيّرات المناخية على سطحه، ورصد الظروف المناخية للكوكب الأحمر على مدار اليوم وبين الفصول، ومراقبة الظواهر الجوية، كالعواصف الترابية والتغيرات في درجة الحرارة، ودراسة تأثير التغيّرات المناخية في تشكيل ظاهرة هروب غازي الأوكسجين والهيدروجين من غلافه الجوي، عبر دراسة العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلية والعلوية، بالإضافة إلى كشف أسباب تآكل سطح المريخ، والبحث عن الروابط بين طقس اليوم والمناخ القديم للكوكب الأحمر. ومن شأن تحليل مناخ الكوكب الأحمر مساعدتنا على معرفة ما إذا كانت هناك إمكانية للحياة على سطح المريخ، واستشراف مستقبل كوكب الأرض، وسُبل الحفاظ على الحياة فيه.

وتتجلى الأهداف الاستراتيجية للمشروع في تطوير برنامج فضائي وطني قوي، وبناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية، والتأسيس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.

كما يحمل مسبار الأمل رسائل فخر وأمل إلى المنطقة العربية ويهدف إلى تجديد العصر الذهبي للاكتشافات العربية، ويحض العرب على تعزيز حضورهم العالمي.

 وتريد دولة الإمارات إنشاء «أول مستوطنة بشرية صالحة للحياة» على سطح المريخ، بحلول عام 2117. وجزء من هذه الخطة هو Mars Science City، وهي مجموعة من المختبرات التي ستفحص الكوكب، بالإضافة إلى تحديات الغذاء والطاقة هناك وهنا.

الباب
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2021
رقم الصفحة
3

أخر المقالات