محاربة العربات الجوّية االمُسيَّرة من بُعد فئة Drones
منذ سنواتٍ قليلة فحسب، إذا ما أخبرتَ المسؤولين الأمنيين وواضِعي السياسات الدفاعية في الحكومة بأنّ «العربات الجوّية الصغيرة المُسيَّرة» Drones ، والتي تحلق من خلال ثلاث دوارات أو أكثر يتألف كل منها من عدد مماثل من الشفرات، تحت مسميات مختلفة مثل (Quadrocopter والمسماة «درونز» Drones)، ستُشكِّل تهديداً للأمن القومي والسلامة العامة، فإنّ هذا التوقُّع سيلقَى آذاناً غير صاغية. فعلى غرار السيّارات العادية التي تُستَخدم لمهاجمة المدنيين في الشوارع ونقل كميات كبيرة من المتفجِّرات، باتت العربات الصغيرة المُسيَّرة ممّا يسهُل شراؤها في السوق أو عبر الإنترنت، وهي رخيصة نسبياً وسهلة التشغيل. وكما قال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية كريستوفر راي بخصوص العربات المُسيَّرة: «التهديد واضحٌ وداهم ... والتوقُّعات أنّها ستسود هنا في وقتٍ وشيك».
في العام 2017، توقَّع تقريرٌ للسوق نَشَره المصرف الاستثماري «غولدمان ساكس» Goldman Sachs أنْ تبلغ قيمة سوق التجزئة للعربات الصغيرة المُسيَّرة نحو 2.5 مليار دولار. وتستأثر الولايات المتحدة بأكبر سوقٍ تجارية للعربات المُسيَّرة (نحو 17.5 مليار دولار)، تليها جمهورية الصين الشعبية (نحو 4.5 مليارات دولار) والمملكة المتحدة (3.5 مليارات دولار). ويدخل مليون عربة مُسيَّرة المجال الجوّي كلّ شهر في أنحاء العالم، بحسب هذا التقرير، حيث ستُصبح آفاق حماية المجال الجوّي من هذه المُسيَّرات مهمّة شاقّة، ما لم تكن قد أصبحت كذلك بالفعل.
إنّ الحاجة المتزايدة لإجراءاتٍ مضادة لضمان السلامة العامّة باتت لِزاماً فيما تصبح العربات المُسيَّرة المتوافرة تجارياً أكثر سرعة، وأصغر حجماً، وأرخص ثمناً مع القدرة على نقل حمولة متفجِّرات كبيرة ومقتدرة. ويستأثر القطاع العسكري وقطاع الأمن الوطني بالقسم الأكبر من سوق مكافحة العربات الصغيرة المُسيَّرة نظراً إلى دورهما المتزايد في تأمين الحماية ضدّ هذه العربات، وستُظهِر التهديدات المُدرَجة أدناه كم هي الحاجة مُلِحَّة إلى تطوير أنظمة مكافِحَة للعربات المُسيَّرة، مَرِنة وذات حركيّة عالية ومتكاملة القدرات بأسعارٍ مقبولة.
فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام هذه العربات للقيام بعمليات إرهابية واغتيالات، نظراً لمقدرتها على نقل حمولة زنة ثلاثة كيلوغرامات من السلاح أو الذخائر من دون أن تفقد قدرتها على المناورة ومدى وصولها. وهذا يعني إمكانية نقل سلاحٍ خفيف الوزن من قِبَل مجموعة إرهابية أو دولة مُعادية باستخدام عربة مُسيَّرة متوافرة تجارياً. ويمكن استخدام هذه العربات أيضاً لتهريب المخدّرات والممنوعات، والأسلحة إلى السجون، فضلاً عن توظيفها لأغراض المراقبة والتجسُّس، بما في ذلك الاستطلاع المُعادي لجمع معلومات استخبارية حول بُنَى تحتية حسّاسة، أو منظّمات أو أشخاص بهدف إلحاق الضرر والأذية أو تنفيذ اغتيال.
وعلاوة على ذلك، هناك أمثلة عديدة بالفعل عن عربات جوّية تدخل المجال الجوّي التجاري والعسكري، وأخرى تُشكِّل تهديداً لأمن الموانئ والمطارات والمستودعات من ناحية النشاطات الإجرامية فيما تُشكِّل خطراً على الطائرات خلال إقلاعها وهبوطها. كما أنّ المناسبات العامة يُحيق بها خطرٌ مماثل إذ إنّ السوق المُربِحَة لبَث فعاليات مناسباتٍ رئيسية يمكن أن تُمثِّل تهديداً وذلك من قِبَل ولدٍ طموح يُشغِّل عربة صغيرة مسيَّرة لتُحلِّق فوق ملعبٍ رياضي لنقل الأحداث عبر الإنترنت. وهكذا يصبح ملعبٌ رياضي حاشد أو مناسبة عامّة مكتظّة بالمشاركين هدفاً مؤاتياً للإرهابيين، مع خطر إلقاء حمولة متفجِّرات قاتلة تقتل أو تجرح عدداً كبيراً من الحاضرين في غضون دقائق معدودات.
وفقاً لتقريرٍ أخير أصدرته منظّمة الأبحاث المتخصصة «ماركتس أند ماركتس» Markets and Markets، يُتوقَّع أن تُسجِّل سوق العربات الصغيرة المُسيَّرة نموّاً من 342.6 مليون دولار في العام 2016 إلى 1.5 مليار دولار بحلول العام 2023. وتُحفِّز السوق بشكلٍ رئيسي عوامل مثل الأحداث المتزايدة لاختراقاتٍ أمنية وعملياتٍ إرهابية، ونشاطاتٍ غير مشروعة. وقد استأثر مورِّدو قطاعَيْ الدفاع والأمن الوطني بالحصة الأكبر من سوق مكافحة العربات المُسيَّرة في العام 2016.
ويُتوقَّع أن يزداد الطلب الناجم عن ذلك لتطوير نظامٍ فعّال مضادّ للعربات الصغيرة المُسيَّرة في وقتٍ قصير في قطاعَيْ الدفاع والأمن الوطنيين. فعلى سبيل المثال، يُتوقَّع أن تكون حلول رصد وتعطيل العربات المُسيَّرة التطبيق الأسرع نموّاً في سوق مكافحة العربات المُسيَّرة. وتنقسم أنظمة مكافحة العربات المُسيَّرة إلى فئتَين: نشطة وخامدة. ويمكن للأنظمة النشطة أن تستخدم راداراً لرصد العربات، والإلكترونيات البصرية لتأمين الكشف والتعرُّف وتحديد نوع العربات الصغيرة المُسيَّرة الداهِمة، وموقعها الدقيق. ومن ثمّ يُصار إلى تعطيل العربة المُسيَّرة باستخدام جهاز تشويش بالتردُّد الراديوي RF. ويمكن لبعض الأنظمة المضادة للمسيَّرات أن تُدمِّر تلك العربات الصغيرة، لكن من المهم جداً أن نتذكّر بأن أية عربة مسيَّرة مدمّرة ستسقط من السماء ويُحتَمل أن تتحطَّم فوق مواقع أو أشخاص. أمّا الأنظمة الخامدة فتُوظِّف قدرات الرصد والتشويش، لكن لا يسعها أنْ تُميِّز بين نوع العربة أو مشغّلها، ولا يمكنها أن تُوقِف العربة عن العمل إلَّا إذا ما أُدمِجَت مع أنظمة أخرى بإمكانها تأدية هذا الدور.
تعمل الدول حالياً على الاستثمار في تطوير أنظمة مضادة للعربات الصغيرة المُسيَّرة، حيث يُطوِّر الجيش الأميركي قدرات لإيقاف عمل المسيَّرات في الميدان، وقد مَنَحَ في شباط/فبراير العام 2018 فحسب عقوداً دفاعية بقيمة 80 مليون دولار لهذا الغرض.
وتجدر الإشارة إلى أنّ إسرائيل تُطوِّر أنظمة مشابهة وتُسوِّقها دولياً، ولا سيّما نظام «سكاي لوك» Skylock من «أفنون غروب» Avnon Group الذي دخلَ سوق مكافحة العربات الصغيرة المُسيَّرة في العام 2017، مع تسويق العديد من هذه الأنظمة في منطقة آسيا - المحيط الهادئ فيما تُخطِّط الشركة المذكورة لإقناع عملاء محتملين بقطاع الطيران المدني في كلّ من أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. وتؤكّد هذه الشركة زاعمةً أنّ ابتكاراتها هي وليدة الضرورة الدفاعية الاستباقية التي تتعامل مع التهديدات من ناحية «متى ستحدث؟» لا «ماذا لو حدثت؟» كما هو سائد. وتؤكّد أنّ أسعارها وفترات تسليم حلولها المضادة للعربات الصغيرة المُسيَّرة تنافسية ومتاحة، مع الجودة والسرعة والكلفة المُجزية. وتؤكّد الشركة أنّ نظام «سكايلوك» يوفِّر درعاً كاملاً للحماية من المسيَّرات يتألّف من رادار وإلكترونيات بصرية وتشويش نشط.
تُطوِّر الشركات المختصة درعاً وقائياً كاملاً مضاداً للعربات الصغيرة المُسيَّرة يتألّف من رادارٍ، وبصريات إلكترونية، وأجهزة تشويش نشطة لتعطيل التردُّد الراديوي للعربة، وإشارة «نظام تحديد الموقع العالمي » GPS، وكذلك جهاز ليزري فريد لإحراق، وإسقاط، أو تدمير عربة جوّية مسيَّرة على مدى يصل إلى 800 متر. والسرّ يكمن في تطوير راداراتٍ قوية جداً للمدى القريب لرصد المسيَّرات الصغيرة الداهمة على أمداءٍ قصيرة نسبياً، وهو ما تفتقد له السوق حالياً. أمّا جهاز الليزر فهو ضرورةٌ لا بُدّ منها كوسيلةٍ للتعطيل والتدمير. وهناك في الواقع عددٌ قليل جداً من الأنظمة التي بإمكانها أن توفِّر حالياً هذه القدرة إلى جانب التشويش لصَد المسيَّرات.
ولا يزال هناك يقينٍ في ما يتّصل بالمعاهدات القانونية المدنيّة والدولية حول استخدام أنظمة مكافحة العربات الجوّية الصغيرة المُسيَّرة. لكن من الواضح أنّها مسألة تحتاج إلى المعالجة وعلى نحو سريع. وفيما لا يزال هناك العديد من التطوُّرات التقنية التي يتعيّن تحقيقها لتحسين تكنولوجيات مكافحة العربات المُسيَّرة، فمن الواضح أنّ هذا التهديد لن يتوارَى، وإذا ما أردنا حماية حدودنا وتعزيز أمننا الداخلي لضمان السلامة العامة، فمن الضروري جداً أنْ يُدرِك صانِعو السياسات في الحكومة أنّ الأنظمة المضادة للعربات الصغيرة المُسيَّرة ستلعب دوراً رئيسياً في إبقاء أجوائنا آمنة.^