فنلندا إلى أين!

أصبحت فنلندا في الرابع من نيسان/أبريل العام 2023 أحدث دولة تنضم إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو» (NATO). وقد صادقت برلمانات الدول الأعضاء الـ 30 في الحلف على عضويتها. وعقب رفع العلم الفنلندي أمام مقار حلف «الناتو» في العاصمة البلجيكية بروكسل، أكد جينز ستولتنبرغ ، أمين عام حلف «الناتو»، للرئيس الفنلندي نينيستو: «إن فنلندا باتت أكثر أماناً وحلف الناتو أكثر قوة بعدما غدت فنلندا حليفاً. إن قواتكم في غاية الأهمية والاقتدار، ولا نظير لمناعتكم، ولقد عمل جنود من فنلندا ودول الحلف الأطلسي على مدى سنوات عديدة جنباً إلى جنب كشركاء في العمليات العسكرية».

وعلى غرار السويد، البلد الأوروبي الذي لا يزال ينتظر الانضمام إلى «الناتو»، اتبعت فنلندا سياسة عدم الانحياز العسكري. ومع ذلك، تغيّر هذا الوضع لدى البلدين عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير العام 2022.

وتملك فنلندا تاريخاً صعباً في مواجهة روسيا. فمع مطلع الحرب العالمية الثانية، وضع الاتحاد السوفياتي في عهد الرئيس جوزف ستالين تصوُّراً لفرصةٍ يغتنمها لغزو فنلندا، وهذا ما قام به في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر العام 1939، ما أذن ببدء ما أُطلق عليه «حرب الشتاء». وبينما تمكّنت فنلندا من صدّ هذا الهجوم الأول موقعة إصابات بالغة في صفوف السوفيات، فإنها أذعنت في آذار/مارس العام 1940 على توقيع «معاهدة موسكو للسلام».

وعندما شنّت ألمانيا حملتها لغزو روسيا في تموز/يوليو العام 1941 في عملية «بارباروسا»، انضمت فنلندا (بدعم ألماني) إلى هذا الهجوم بداية لتستعيد تسعة بالمئة من الأراضي التي أُجبرت على التنازل عنها للروس كشرط لتوقيع معاهدة السلام الأولى.

ومع ذلك، تراجعت القوات الفنلندية مع تعاظم قوة الروس عقب هجوم «كاريليا» (Karelia) في حزيران/يونيو - آب/أغسطس العام 1944، الذي تمكنت فنلندا في نهاية المطاف من إيقافه. وأُجبرت فنلندا مجدداً على توقيع اتفاق سلام منفصل مع روسيا أنهى رسمياً الأعمال العدائية في أيلول/سبتمبر العام 1944 مع إبرام «اتفاق هدنة موسكو»، الذي دفع فنلندا مجدداً إلى القيام بالتنازلات ذاتها التي كانت قد وافقت عليها بعد «حرب الشتاء».

وأرست فنلندا فعلياً شراكة وطيدة مع حلف «الناتو» أقلّه على مدى العقود الثلاثة الماضية من دون أن تكون عضواً فعلياً فيه. وتخضع «القوات الدفاعية الفنلندية» لخطة تحديث مع عمليات الاستحواذ على أعلى المستويات بما في ذلك 64 مقاتلة Lockheed Martin F-35A Lightning II قيد الطلب، وأربع فرقيطات فئة Pohjanmaa لصالح البحرية الفنلندية، ونحو 160 عربة مدرّعة سداسية الدفع من طراز Patria لصالح الجيش. وتُشغل فنلندا حالياً دبابات Leopard 2A4، أرسلت من بينها ثلاث اشتقاقات كاسحة للألغام إلى أوكرانيا.

ومن شأن عضوية فنلندا المستجدّة في حلف «الناتو» أن تزيد من حدود روسيا مع الدول الأعضاء في هذا الحلف الأطلسي بأكثر من 1,300 كيلومتر. وعلى الرغم من أن عضوية السويد في الحلف يُصار إلى تأخيرها من قِبل تركيا وهنغاريا، فمن المرجّح جداً أن تنضم هي أيضاً إلى حلف «الناتو» في المستقبل القريب. والمفارقة هنا هو أن روسيا رفضت بشدة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، حتى لا تصبح الأخيرة على تخوم الحدود الروسية، ولكنها لم تحرك ساكناً يُذكر بالنسبة إلى انضمام فنلندا. ويبدو مجدداً أن سياسات الرئيس الروسي بوتين قد حقّقت خلاف ما كانت خطته الاستراتيجية تهدف إليه، وهو حلف «ناتو» أضعف وليس أقوى.

الشركات
منتجات
الباب
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2024
رقم الصفحة
3

أخر المقالات