عربات القتال المدرعة المجنزرة والمدولبة: توجه نحو أساطيل متوازنة
انحصرت معظم المشتريات الدفاعية أواخر القرن الفائت في منطقة الشرق الأوسط في عربات القتال المدرعة المجنزرة بما فيها دبابات القتال الرئيسية. وشكّلت هذه المشتريات امتداداً لمعدات الحرب الباردة حيث ترتكز سيناريوهات القتال على الحرب المرتفعة الحدة، أي الهجمات الشاملة تنفذها تشكيلات كبيرة ومتتابعة من الثنائي دبابة / عربة قتال مجنزرة. وشكلت عمليتا عاصفة الصحراء وحرية العراق آخر سيناريوهات هذه الحرب ليأتي بعدها التحول الكبير من الحرب المرتفعة الحدة إلى سيناريوهات الحرب المنخفضة الحدة أو الحرب غير المتماثلة أو العمليات العسكرية غير الحربية MOOTWA حيث تتصادم دول أو قوى حليفة و/ أو متحالفة ضد أحزاب وحركات غير حكومية في الحرب على الإرهاب. وعَكَس مسرحا العمليات الأفغاني والعراقي، وتحديداً المرحلة الثانية من عملية «حرية العراق» بعد حل القوات المسلحة العراقية، صورة واضحة عن هذه الحرب الجديدة حيث العدو في كل مكان ولا مكان. فهذا العدو وبخاصة الجماعات الإرهابية هي قوى عابرة للحدود والقارات ما استدعى تشكيل قوى حليفة أو متحالفة من عدة دول ومناطق لمحاربتها حيث لا تستطيع دولة واحدة الإجهاز عليها. وكان من الطبيعي أن تتغير الوسائل من جراء تغير سيناريوهات القتال. فكانت عربات القتال المدرعة المدولبة وبخاصة الثمانية الدفع هي الحل، حيث بدأ التهافت لشراء العربة المنشودة لمجابهة خصومها ولتحقيق التوازن بين القطاعين المدولبوالمجنزر. وأسفرت تلك الحقبة عن توقيع عقود ضخمة لشراء دبابات قتال وعربات مجنزرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر العقود التالية: الكويت اشترت 263 دبابة M1A2 Abrams و 254 عربة Desert warrior و 100 عربة BMP-2 و BMP-3؛ الإمارات استحوذت على 390 دبابة «لوكليرك» Leclerc و 46 عربة إخلاء و450 عربة BMP-3؛ السعودية اشترت 361 دبابة M1A2 Abrams و 400 عربة M-2 Bradley و 1600 عربة M113؛ عُمان استحوذت على 38 دبابة «تشالنجر 2» و 43 دبابة M-60 A3؛ قطر هي الدولة الوحيدة في الخليج التي أخّرت مشترياتها من عربات القتال المدرعة حتى العام 2017 حيث اشترت 62 دبابة Leopard 2 A7+ و 44 عربة AMX. وفيما لا زالت عربات القتال المدرعة المجنزرة تستخدم بأعداد كبيرة في المنطقة، فإن هناك أعداداً متزايدة من الدول، وبخاصة دول الخليج العربي، تتجه نحو أساطيل متوازنة من العربات المجنزرة والمدولبة. لعل الميزة الرئيسية لعربات القتال المدولبة بما فيها دبابات القتال الخفيفة المدولبة هي حركيتها التكتيكية والاستراتيجية، حيث باستطاعتها التحرك بسرعة على مسافات بعيدة بقوتها الذاتية. ولدى هذه العربات أكلاف دعم خدمة متدنية على امتداد دورة حياتها، وهي أسهل للتشغيل والصيانة وتحظى بمستويات منخفضة من البصمة الصوتية التي قد تشكل في تحركاتها العنصر المفاجئ للعدو. أما عربات القتال المدرعة المجنزرة فهي عادة ما تُنقل على متن معدات ثقيلة (حاملات دبابات أو نقل جوي استراتيجي محدود) إلى أماكن انتشارها، والتي تعاني في أوقات الأزمات من مستوى متدن في الجهوزية، وهي بحسب الجيش اللبناني تشكل قوة صدم بفعل ضجيج مجنزراتها ما يؤثر سلباً على معنويات الجنود. ومن حيث القدرات العملانية فكلا عربتي القتال المدرعة ACV و «عربة المشاة القتالية» IFV المتقدمتين مجهزتان بنظام إدارة رمي يحوي كمبيوتراً بالستياً يؤمن رمياً دقيقاً ليلاً ونهاراً في جميع الأحوال الجوية، وتوفر مراقبة دائرية لآمر العربة والطاقم ما يعزز الإلمام بالوضع المحيط فضلاً عن تجهيزها بأنظمة حرب إلكترونية أو حماية ذاتية بنظامي القتل الناعم والخشن. ما زالت عدة دول تستخدم عربات القتال المدرعة في طراز ناقلة جند مدرعة محمية بمركن سلاح يشغّل مباشرة أو عن بُعد، وهي مسلحة، بصورة نموذجية، برشاش ثقيل عيار 12.7 ملم ورشاش متوسط محوري عيار 7.62 ملم. ولدى العربات الأحدث مستويات عالية من الحماية والحمولة والحيز الداخلي ما يمكّنها من تنفيذ مروحة واسعة من المهام الميدانية، على غرار عربة قتال المشاة IFV المجهزة بمركن سلاح يشغل عن بُعد عيار 30 ملم ورشاش محوري عيار 7.62 ملم. فدولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، تستخدم العربة التراكبية المدرعة AMV صنع «باتريا» Patria مجهزة ببرج BMP-3 الروسي، المسلح بمدفع عيار 100 ملم، وآخر عيار 30 ملم ثنائي التلقيم مع رشاش محوري عيار 7.62 ملم. وبغية استكمال أسطوله الحالي من العربات المدرعة الخفيفة LAV الثمانية الدفع صنع «جنرال دينامكس لاند سيستمز – كندا» GDLS-C والتي سُلِّمت منذ عدة سنوات بعشرة طرز، فإن الحرس الملكي السعودي SANG تسلم مؤخراً الجيل الجديد من عربات GDLS-C (8×8)، وقد جهز الكثير منها بالجيل الأحدث من عائلة برج CMI DefenceCockeril 300 Series الذي يحوي طاقماً من اثنين. فالبرج Cockerill 3030 مجهز بمدفع MKC4 عيار 30 ملم صنع Northrop Grumman Armament Systems (NGAS) ، فيما سلح البرج Cockerill 3105 بمدفع محلزن عيار 105 ملم، مع نظام تلقيم أوتوماتيكي ما يخفض عديد الطاقم إلى اثنين. تشغل عُمان حالياً أسطولاً من 160 عربة «بيرانها 8x8» Piranha 8x8 بإعدادات مختلفة صنع GDELS-MOWAG. وعُزز هذا الأسطول بعربات PARS 8x8، صنع شركة FNSS التركية، وجهز الطراز IFV ببرج Saber الأحدث الأحادي الطاقم، وهو مسلح بمدفع M242 عيار 25 ملم ثنائي التلقيم صنع شركة NGAS. وتستخدم هذه العربة من قِبَل قوات عديدة في منطقة الشرق الأوسط. كما طورت FNSS الإعدادين 6x6 و 4x4 ولديهما الكثير من المكونات المشتركة مع الطراز 8x8 . وفيما هناك توجه واضح إلى شراء عربات المشاة القتالية IFV واشتقاقاتها، ما زال هناك فجوة في سوق عربات 6x6، التي هي أكثر تراصاً ويمكن نقلها بطائرات «سي-130 هيركوليز» C-130 Hercules صنع Lockheed Martin، كما لديها شعاع استدارة أصغر من عربات 8x8 ، ما يجعلها مثالية للاستخدام في الأماكن الضيِّقة كتلك الموجودة في الأماكن الآهلة. الحرس الوطني الكويتي يشغل بدوره أسطولاً من عربات «باندور» Pandurصنع GDELS Steyr Daimler Puch. جهز الطراز الأقوى منه ببرج مدفع ثنائي الطاقم عيار 90 ملم صنع شركة CMI Defenceالبلجيكية. وأبرمت البحرين مؤخراً عقداً مع شركة «أوتوكار» Otokarلشراء عدد غير محدد من عربات «آرما» Armaالتي تصنعها الشركة بالإعدادين 8x8 و 6x6 .يمكن تسليح هاتين العربتين بمجموعة من مراكن الأسلحة المشغلة عن بُعد. وتروج الشركة البرج المشغل عن بُعد «مزراك» Mizrak-30 المجهز بمدفع عيار 30 ملم مع رشاش محوري عيار 7.62 ملم. ويتراءى للمراقب الذي يواكب المعارض الدفاعية الدولية وبخاصة الإقليمية منها، على غرار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن هناك تراجعاً كبيراً في سوق عربات القتال المدرعة المجنزرة، وتقدماً في المقابل في سوق العربات المدولبة. وتتضمن الأخيرة عربات تجارية مجهزة بدروع خفيفة الوزن لحماية مستقليها من الأسلحة الخفيفة إضافة إلى العربات العسكرية 4x4 ، و 6x6 و 8x8 الأكبر حجماً والأثقل وزناً والأفضل حماية. وتقوم الدول الإقليمية بشراء هذه العربات من الخارج أو تجميعها أو تطويرها بنفسها، كما فعلت الإمارات بتطوير عربة «الوحش» Wild Falcon التي سجلت ظهورها الدولي الأول في IDEX 2019، أو عربة «ربدان» التي هي قيد الإنتاج المتوالي وعربة RG41 8x8 التي ظهرت خلال المعرض مسلحة بمركن سلاح مشغل عن بُعد عيار 30 ملم ومجهزة بنظام مساعدات دفاعية للحماية الذاتية ونظام كاميرات للاطلاع على الوضع المحيط ونظام رقمي لإدارة القتال. إن الوضع غير المستقر في المنطقة يدعو إلى المواظبة على ميدنة العربات «المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن» MRAP. ولهذه العربات حماية درعية أكثر من الماضي لمستقلّيها ضد الألغام والحشوات المتفجرة المرتجلة ميدانياً والتي تشكل التهديد الرئيسي خلال العمليات المضادة للإرهاب في وقتنا الحاضر. ولما كانت أرواح العسكرين على المحك في مسرحي العمليات العراقي والأفغاني بسبب الأضرار البالغة التي كانت تحدثها الحشوات المتفجرة المرتجلة ميدانياً ضد عربات «هامفي» Humvee بسبب هشاشة هيكلها، كانت «أوشكوش» Oshkosh السباقة في تطوير العربة المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن للعمل في العراق، وتلتها العربة «المقاومة للألغام والمحمية من الكمائن والملائمة لجميع الأراضي» M-ATV للعمل في أفغانستان حيث الأزقّة والأحياء الضيّقة. ومؤخراً فازت Oshkosh بعقد الجيش الأميركي لمشروع العربة التكتيكية الخفيفة المشتركة JLTV لتحل محل عربتي MRAP، وتشارك هذه العربة بخصائص الحماية والقوة النارية للعربتين الآنفتي الذكر إنما تتفوق عليهما بالسرعة والمرونة العملانية. وفي الختام، استدعت سيناريوهات الحرب المرتفعة الحدة الاعتماد على عربات القتال المدرعة المجنزرة، فيما استدعت الحرب المنخفضة الحدة الاعتماد على عربات القتال المدرعة المدولبة. ولما كانت الدول عُرضةً لمنازلة خصومها في السيناريوهين، أصبح لزاماً عليها الاحتفاظ بأسطولين متوازنين من العربات المجنزرة والمدولبة، وفي الأخيرة فإن قدرات الحرب المضادة للإرهاب ترتقي إلى مستويات عالية جداً في حال استخدامها من قِبَل القوات الخاصة.