الواقع الافتراضي والمعزَّز في تطبيقات التدريب
يزخر عالم الإنترنت ووسائل الإعلام بمصطلحاتٍ تُستَخدم على نطاقٍ واسع من دون أنْ تُعرَّف بشكل مماثل. وأمثلةٌ على ذلك هي «الواقع الافتراضي» Virtual Reality (VR) و«الواقع المعزَّز» Augmented Reality (AR). ونجد ضمن هذا الحقل أيضاً «الواقع المختلط» mixed reality و«الواقع الهجين» hybrid reality وحتى مصطلح «واقع مُختَلق بواسطة الكمبيوتر» computer-mediated reality.
ويذكر موقع «ويكيبيديا» Wikipedia أنّ «الواقع الافتراضي هو تجربة تفاعلية مولَّدة كمبيوترياً ضمن بيئة محاكاة تشمل سمعيات ومرئيات وأنواعاً أخرى من التغذية الرجعيّة الحِسّية». وفي ظل العصر الرقمي الحديث، تُعتَبر «ويكيبيديا» كمصدرٍ جيدٍ حول المسائل الواقعية كشأن القواميس التقليدية والموسوعات على غرار «وبستير» Webster، و«قاموس أكسفورد الإنكليزي» OED، و«موسوعة بريتانيكا» Encyclopedia Britanica وهكذا دواليك.
وتقول «ويكيبيديا» إنّ «الواقع المعزَّز» هو حيث يُضاف عالمٌ واقعي إلى معلوماتٍ مولَّدة كومبيوترياً، وتؤكّد أنّ «الواقع المختلط» و«الواقع الهجين» و«الواقع المُختَلق بواسطة الكومبيوتر» تعني في الأساس ما يعنيه «الواقع المعزَّز». وإذا ما توجَّهنا شطر حقل المحاكاة والتدريب، من الأسهل عموماً فَهْم المصطلحات. فعلى سبيل المثال، فإنّ أجهزة «محاكاة الطيران الكامل» FSS المدنيّة و«أجهزة محاكاة المهمّة الكاملة» FMS العسكرية هي نسخاتٌ طبق الأصل عن قمرة قيادة الطائرة التي سيُجرَى التدريب عليها، وتكون لأجهزة التحكُّم فيها، والمؤثِّرات المرئية والصوتية، وجميع أنظمة محاكاة الطيران الكامل تملك حركة سُداسية المحور تتحكَّم بقمرة القيادة كي يختبر الطاقم حركاتٍ مماثلة لتلك الموجودة في الطائرة الحقيقية. وتملك بعض أنظمة FSS العسكرية حركة سُداسية المحور، فيما تستأثر أجهزة أخرى بأنظمة مرئية عديدة تُعطي صورة واقعية عن مشهدٍ للعالم الخارجي أينما تطلَّعت. ومثل هذه الأجهزة التدريبية مستقلّة عن المعدّات الحقيقية وهذا ما يُشكِّل صميم أي نظام «افتراضي».
وغالباً ما تستخدم تمارين الجيش الميدانية، والتمارين البحرية في أعالي البحار، وتمارين القتال المجوقَل سيناريوهات معزَّزة كمبيوترياً تتضمّن محاكاةً («افتراضية») للخصوم، وبالوسع استخدام الليزر بدلاً من الطلقات الحيّة، فيما تُجرَى تحسيناتٍ أخرى للوضع في العالم الواقعي. وجميعها تقع تحت تعريف «الواقع المعزَّز» لأنّها أنظمة تدريب تمزج العالم الواقعي والبيانات الجاري محاكاتها. ومع ذلك، فإنّ استخدام مصطلح «الواقع المعزَّز» هو أكاديمي مقارنةً بالتوصيفات الأكثر دقّة لأنظمةٍ مستخدمة بالفعل في التمارين أو أنظمة التدريب المحدَّدة. وجرت العادة اعتبار التدريب الواقعي الوحيد هو ذلك الذي يستخدم طائرات وسفناً ودبّابات واقعية وغيرها من الأسلحة الواقعية التي تُطلِق النار إمّا باستخدام طلقاتٍ حيّة أو أخرى خلبية. أمّا أجهزة المحاكاة فقد اعتُبِرَت بمثابة تحضيرٍ ذي جدوى لتشغيل المعدّات الحقيقية، ومفيدة على وجه الخصوص لاستحداث تآلفٍ مع معدّات أكثر تعقيداً كإجراءات تفقُّد أنظمة المنصّات واستبيان الحالات الطارئة.
لكنّ التقدُّم السريع في قوة الكمبيوتر، والرسوميات الحاسوبية، إضافة إلى ربط مساعِدات التدريب training aids من أجل تدريبٍ متعدِّد الوحدات، ومتعدِّد المواقع، ومتعدِّد الأدوار الشامل لدولٍ عدّة (ما يُدعَى «التشبيك التدريبي»)، قد عكس الأهمية النسبية للتدريب في بيئة واقعية لصالح «البيئة الافتراضية» في العديد من مجالات التدريب. وبالطبع ثمة حاجة للتدريب الواقعي والآخر الافتراضي على حدٍّ سواء، إذ إنّه في أي نظام تدريبٍ حديث فعّال يُعتَبر استخدام معدّاتٍ حقيقية وأجهزة محاكاة افتراضية خطوة مُكمِّلة بعضها لبعض، ويعتمد معدّل «الواقعي إلى الافتراضي» real-to-virtual على نوع المعدّات والكوادر المنخرطة في التدريب، والهدف من ورائه.
وهناك عاملٌ مهم في هذا العصر الإلكتروني الحديث هو أنّه إذا ما استُخدِمَت معدّات حقيقية بالكامل في أي نمطٍ تدريبي، فبإمكان أي عدو محتمل رؤية كيفية استخدامها وأن يلتفت إلى تفاصيل مثل أنماط التوجيه وبروتوكولات بَث الإرسال والتردُّدات. ومن ثمّ يكون بحوزة العدو المحتمل المعلومات الوافية لإعداد إجراءات مضادة. وعلاوة على ذلك، وفي حالة بعض الأسلحة البعيدة المدى، قد لا يكون هناك مدى مجالٍ جوّي كافٍ لاستخدام السلاح الحقيقي في قدرته الكاملة، خصوصاً في أجواء أوروبا المكتظّة. وتُظهِر جميع هذه العوامل لماذا تُستَخدم تكنولوجيا محاكاة في التدريب العسكري على نحو أكثر مع اعتمادٍ أقل على المعدّات الحقيقية، وبالتالي الاحتفاظ بها لاستخدامها في أوضاع نزاعٍ فعلي وإطالة فترة خدمتها بعدم إبلائها بالاستخدام المتواصل في التدريب.
ولعل الاستخدام الرئيسي للمحاكاة في التدريب هو في المجال الجوّي، حيث يصل معدّل التدريب على «جهاز محاكاة إلى طائرة» إلى 70:30 في بعض المجالات، في حين أنّ معدّل 50:50 هو أكثر شيوعاً. فبإمكان المحاكاة أن يُسهِّل أنواعاً من التدريب أكثر من التحليق فعلياً على متن الطائرة. كما أنّه أقل كلفة بمرّاتٍ عديدة من استخدام الطائرة، وهو غير ميَّالٍ لوقوع حوادث من شأنها أن تُتلِف الطائرة وتقتل الطاقم في طَلَعاتٍ تدريبية حسّاسة. وبعبارةٍ أخرى، من الأفضل اقتراف أخطاءٍ في جهاز محاكاة طيران من أن يحدث الخطأ في الطائرة ذاتها. وهناك احتمال لاستخدام وصلات شَبَكِيّة بين مختلف الوحدات والقوّات والدول، لتدريبٍ مشترك.
وتنطبق مبادئ مماثلة على معدّات عسكرية معقّدة مثل السفن بدءاً من زوارق الإنزال وصولاً إلى حاملات الطائرات، وكذلك «عربات القتال المدرَّعة» AFV، وقطع المدفعية، وغيرها من عربات الجيش. ويكمن المجال الصعب في تطبيق تكنولوجيا المحاكاة في تدريب جندي المشاة. فمن الصعب جداً أن تتمكَّن من وضع فصيلٍ من جنود المشاة في جهاز محاكاة بالطريقة ذاتها التي يتم فيها وضع طاقم جوّي في جهاز محاكاة طائرة أو طاقم بحري في جهاز محاكاة حُجرة قيادة السفينة أو جهاز محاكاة لمركز العمليات القتالية في السفينة.
وكان الجنرال في البحرية الأميركية جيمس ماتيس James Mattis (الذي أصبح وزيراً للدفاع) قد طالب بتدريبٍ محسَّنٍ للمشاة باستخدام تكنولوجيا افتراضية معاصرة خلال «المؤتمر الدولي والصناعي للتدريب والمحاكاة والتعليم 2009» I/ITSEC 2009 في أورلاندو بالولايات المتحدة. وليس ثمة إجابة سهلة على هذا السؤال. فعلى المشاة التدرُّب على الأرض كأفراد، ضمن فصائل أو سرايا. فهم ليسوا في بيئة مثل قمرة قيادة طائرة أو حجرة قيادة سفينة أو مركز قتالي يسهُل استنساخها في جهاز محاكاة. لكن بوسع جنود المشاة في التمارين الميدانية أن يُطلِقوا أشعة ليزر بدلاً من الطلقات الحيّة، ولذلك فوائد جَمَّة.
فالنبضات الليزرية يمكن تشفيرها كي يكون بالإمكان تعريف مصدر النار الفردي، لأغراض «التقييم ما بعد المعركة» أو المراجعة والنقد، واستبيان ما إذا كان جندياً، أو مدفعَ دبّابة، أو قطعة مدفعيّة، أو طوّافة، أو أي طائرة، وحتى ما إذا كان مدفعاً بحرياً لسفينة في حربٍ ساحلية. وإذا ما اجتمع ذلك مع استخدام نظام GPS لتسجيل الوقت والموقع الدقيقَين لإطلاق النار ومناورات الجنود الأفراد وكيانات أخرى، يكون ثمة أساس لمراجعة معمَّقة «ما بعد الفعل العسكري» AAR استناداً إلى الواقع لا إلى الآراء، وثمة مَنْ يعتبر أنّ مثل هذه المراجعة المتطوِّرة باستخدام تكنولوجيا معاصرة كالتي أوردناها أعلاه تُشكِّل التطوُّر الأكثر أهمية في التدريب العسكري الميداني منذ الفراعنة والرومان والقرطاجيين القدامى. ولا بُدّ في ذلك من التشديد على مبادئ تكنولوجيا محاكاة متطوِّرة بالواقع الافتراضي والآخر المعزَّز، وهو ما تعكف الدول المتقدِّمة على تطويرها يوماً بعد يوم للارتقاء بالتدريب العسكري بالمحاكاة إلى واقعٍ ميداني قتالي، افتراضي أو معزَّز، يُحاكي الواقع الفعلي تماماً!
وفي الختام، تظهر هذه الرؤية الكيفية التي تستخدم فيها تكنولوجيا المحاكاة الحديثة لتحسين التدريب العسكري في أبعاده الأرضية، والبحرية والجوية. وهناك توجه نحو المزيد من استخدام ما يسمى بـِ «أنظمة التدريب الافتراضية» التي هي أقل كلفة من استخدام معدات خطوط الجبهة الأمامية ولا تؤدي إلى إتلاف المعدات الخفيفة من خلال استدامة استخدامها في التدريب. وإلى ذلك، في بعض المجالات، باستثناء ربما تدريب المشاة، يمكن استخدام التدريب المحاكي لإنتاج سيناريوهات أكثر، والتي هي غير ممكنة عند استخدام المعدات الخفيفة.