المقاتلة الضاربة المشتركة F-35B: تقرير شامل
المقاتلة الضاربة المشتركة F-35B هي أول طائرة في العالم فوقصوتية وذات إقلاع وهبوط عاموديين STOVL، وهي قادرة على التحليق بسرعة 1.6 ماك وباستطاعتها حمل صاروخي AIM-120C وقنبلتي GBU-32 زنة الواحدة 1000 رطل أو ذخيرة الهجوم المباشر المشترك JDAM، إضافة إلى كونها أول مقاتلة شبحية في فئتها. وتؤكد قيادة مشاة البحرية الأميركية الحقيقة التي مفادها بأن المقارنة المباشرة ما بين F-35B وغيرها من المقاتلات التقليدية على غرار مقاتلة FA-18E/F Super Hornet غير ممكنة. إن F-35 ليست مجرد تحسين بسيط في طائرات الأجيال السابقة، وهي إلى حد ما تعيد كتابة العمليات الجوية من حيث العقيدة والممارسة.
تنوي مشاة البحرية الأميركية استبدال أساطيل طائرتي «هارير» AV-8B Harrier و«هورنيت» F/A-18 بـِ 353 طائرة F-35B و 67 طائرة F-35C. وتضمن المطلب الأساسي طائرة ذات سرعة أعلى من المنصات التقليدية عندما تكون بكامل حمولتها - أي الطائرة التي تلحظ قدرات نجاة محسنة – (وعلى وجه الخصوص على ارتفاعات منخفضة)، وإلكترونيات طيران ومستشعرات متقدمتين، وقدرات مستقلة لحيازة الأهداف. وإلى ذلك، فقد كانت الاستقلالية، والبصمة المنخفضة والمستشعرات المدمجة Sensor Fusion من الخصائص المشتركة أيضاً التي طلبها سلاح الجو الأميركي والبحرية الأميركية على السواء.
تجدر الإشارة إلى أن F-35 هي طائرة القتال الأولى في العالم من حيث أن تكون الأنظمة مدمجة بدلاً من أن تكون متحدة، كماهي الحال في مقاتلات الجيل الرابع، حيث يضاف كل مستشعر جديد إلى حجم المعلومات التي يتوجب على الطيار تحليلها بغية اتخاذ القرار. أما طائرات الجيل الخامس، فهي لا تتطلب من الطيار تحليل حجم البيانات، بل إن النظام يقوم بذلك له، مزوداً بذلك صورة مركّبة تقدم جميع المستويات الممكنة للإلمام بالوضع واتخاذ القرار بسرعة. ومن شأن هذه المقاربة أن تسرع عملية اتخاذ القرار إلى درجة تسمح فيها بالتفوق المعلوماتي والتغلب على أي تهديد. وبحسب تقديرات الخبراء يشكل الإلمام بالوضع عاملاً مقرراً بنسبة 80 في المئة في الاشتباكات القتالية الجوية. وفي هذا الخصوص إنه لمن الأهمية بمكان الفهم الكلي للمحدوديات الظاهرة في اشتقاق طائرة الإقلاع والهبوط العاموديين STOVL، التي فرضت على تصميم F-35 تعديلات طفيفة مقارنة بالخصائص الناشئة عن الفلسفة التي بنيت عليها F-35.
وإلى ذلك، فإن اشتقاق STOVL هو أثقل بِـ 2497 كلغ من الطراز A وذلك يعود إلى تصميم هيكلها الجوي الخاص غير المألوف واستحداث مكوّنات إضافية من التيتانيوم. وهي تعتمد نظام الرفع الخاص بشركة «رولز رويس» Rolls-Royce المتين حول المحرك F-135، الذي يحتوي على مروحة رفع وراء قمرة القيادة مدفوعة بعامود دوران المحرك، ونظام الدفع الموجه TVC يقع في مؤخرة عادم المحرك. ولدى المحرك F-135 الخاص باشتقاق B قوة دفع بِـ 41000 رطل موزعة بالتساوي ما بين المحرك الرئيسي ومروحة الرفع أثناء الإقلاع العامودي و/ أو الهبوط. ويسمح هذا الإنجاز بالتحكم بعمليات هبوط سريعة جداً مقارنة بالطائرة AV-8B التقليدية، فيما هي تضمن أيضاً قيادة أوتوماتيكية كاملة لعمليات الترجح (صعوداً ونزولاً)، مسهّلة بذلك مناورات التقارب من نقطة إلى نقطة. كما يوجد لدى الطائرة برنامج أوتوماتيكي للهبوط على سفن الهجوم البرمائية.
وفيما يشكل F-35B الطراز الأكثر تعقيداً، فإن تصميمه تأثر إلى حد كبير بمروحة الرفع ولديه حاضن أسلحة داخلي أصغر وسعة وقود داخلية أقل من كلا الطرازين –A و –C. وحددت حمولة الأسلحة بِـ 6800 كلغ بدلاً من 8160 كلغ في الاشتقاقات الأخرى. وينسحب المبدأ ذاته على حمولة الوقود. وباستطاعة F-35B حمل 6125 كلغ من الوقود داخلياً من نوع JP5 بدلاً من 8272 كلغ للطراز –A و 8960 كلغ للطراز –C وهذا ما يعطي الطائرة مدىً عملانياً يصل إلى 1667 كلم، كما يمكن إعادة تزويدها بالوقود جواً بطريقتي «المسبار» Probe و Drogue. وهناك أيضاً اختلاف آخر مرئي يتمثل بغياب المدفع الدوار ذي السبطانات الأربع GAU-22A عيار 25 ملم المعد للتركيب الداخلي مع 182 طلقة. وعندما يتطلب الوضع يمكن تركيب هذا المدفع، الذي يصل نمط رميه إلى 3000 طلقة/ الدقيقة، داخل حاضن ذي بصمة منخفضة يزن 445 كلغ وملقم بِـ 220 طلقة. وتفيد التقديرات بأن هناك دقة رمي أكبر بمعدل 38 في المئة قياساً على الدفع الدوار «فولكان» Vulcan M-61 التقليدي ذي السبطانات الست.
بذلت القوات المسلحة الأميركية جهوداً سياسية ومالية كبيرة لاستخدام الأعداد المتنامية للمعدات الشبحية. ومن حيث المبدأ، كان يفترض أن تكون البصمة الرادارية لـِ F-35 بقيمة -30db في المتر المربع الواحد (ما يعادل هدفاً مباشراً بحجم 10 سنتيمترات مربعة) أي رؤية أفضل بمئة ضعف قياساً بالطائرة F-22. واليوم، فنحن نعرف جدياً بأن هذه التوقعات تم زيادتها بشكل ملحوظ، حيث أن الإنتاج المتوالي للطائرات أصبح أكثر شبحية من الطرز الاختبارية، مع بصمة بقيمة 45db بالمتر المربع (أي 6 ملم2) وهي لم تكن مقتصرة على القوس الأمامي للطائرة، وهذا يعني أن المقاتلة باستطاعتها أن تهاجم أو تفك الاشتباك فوراً ضد أي هدف جوي أو أرضي. وعلى سبيل المثال، باستطاعة F-35 رصد مقاتلات شبه شبحية على غرار «يوروفايتر تايفون» Eurofighter Typhoon، و«رافال» Rafale و«سوبر هورنت» F/A-18E/F على مسافة 120 كلم، فيما باستطاعة الأخيرتين رصدها فقط على مسافة تراوح بين 33 و 38 كلم. وهناك إشاعات تقول بأن «سوخوي 50» Su-50، الذي يراوح مقطعها الراداري RCS بين 0.1 و متراً مربعاً، بحسب المصادر الروسية، باستطاعة F-35 رصدها على مسافة 120 – 150 كلم، بواسطة رادار «صفيف المسح الإلكتروني النشط» AN/APG-81 AESA. وباستطاعة هذا الرادار تعقب 23 هدفاً في تسع ثوانٍ والاشتباك مع 19 منها بمهلة 1.4 ثانية. وإلى ذلك، يمكن اقترانه بطقم الحرب الإلكترونية/ الإجراءات الإلكترونية المضادة AN/ASQ-239 لتوليد أهداف زائفة باستخدام تقنية «ذاكرة الترددات الراديوية الرقمية» DRFM. وتتألف المستشعرات الرئيسية من نظام التهديف البصري – الإلكتروني AAQ-40، و«نظام الفتحة الموزعة» AAQ-37، ومصدر إبطال الهديدات الدفاعية ThNDR/ الإجراءات المضادة بالأشعة تحت الحمراء الموجهة DIRCM.
وأظهرت التقديرات المستقاة من تمرينَي Green Flag و Red Flag، على الأقل بالنسبة للمعلومات المتاحة، بأن صواريخ S-300/400، قادرة على إسقاط F-35 بالعديد من الانتقادات وأنها تستطيع الاشتباك مع الطائرة على أمداء تصل إلى 30 كلم، وهو مدى أقصر من مدى الأسلحة التباعدية الموجودة في الحاضن الداخلي لِـ F-35. وكنتيجة لذلك، فإن البصمة المنخفضة هي العامل الرئيسي لتعزيز قدرات النجاة أو البقاء في العمليات الجوية العدائية الأولية، ولكن لا يمكن إنجازها حصرياً فحسب في هندسة الهيكل الجوي أو المواد الخاصة: على غرار العقيدة والتكتيكات وتأثيرات العوامل المضاعفة للقوة أيضاً. وعلى سبيل المثال، فإن تشكيلة من أربع طائرات تعمل من على حاملة طائرات تم اختيارها كضمانة متعاظمة في التغطية المتبادلة الكافية في ما خص قدرات المستشعرات، والاتصالات والحرب الإلكترونية. ويسمح هذا التشكيل في المحافظة على الملف الشبحي، على سبيل المثال، تقوم طائرة واحدة باستخدام الرادار فيما تبقى الطائرات الأخرى في وضع التشغيل الخامد وهي قادرة مع ذلك على المشاركة في الإلمام بالوضع الشامل في الوقت الحقيقي من خلال قدرات نظام الاتصالات/ التعريف عن الطائرة/ والملاحة CNI و/أو وصلة البيانات المتقدمة المتعددة الوظائف MADL، وبالتالي خفض البصمة الإلكترونية لمجمل التشكيلة بأكملها. وبدلاً من ذلك، فإن طائرة واحدة أو أكثر تركز على مهام الحرب الإلكترونية. وفيما تشكل هذه الطاقة قدرة مشتركة لجميع طائرات F-35، فإن الطراز –B يمكنه المساهمة في العمليات الجوية المرتفعة الحدة منذ بداية الشروع في تطوير الطائرة.
وستسمح هكذا طاقات شاملة لمشاة البحرية الأميركية USMC بإحالة أسطول طائرات «برولر» EA-6B على التقاعد ومن دون التضحية بالتأثيرات المتعددة للقوة في أطقم للحرب الإلكترونية. ومع ذلك، وليس سراً إذا قلنا إن الدور الرئيسي لطائرات F-35B الخاصة بِـ USMC يقوم على تغطية وحدات مشاة البحرية على الأرض، وفي الشواطئ، وفي المياه الساحلية. وستقوم الطائرة بالتالي على التركيز على مهام «الدعم الجوي القريب» CAS و «الاعتراض الجوي الميداني» BAI خلال كامل دورة حياة خدمتها. وأثارت هكذا مهام الانتقادات في الاعتراض الظاهر ما بين التخفي والدعم الجوي القريب، وأجاب الجنرال جان دايفس، النائب السابق للطيران على هذه الانتقادات بالقول: «دعوا «لوكهيد مارتن» Lockheed Martin تسلم المزيد من الطائرات ودعوهم أيضاً إلى تسريع عمليات التسليم» مضيفاً بأن أداء F-35B كطائرة مستشعرات مدمجة يجعلها من الأصول الرئيسية لضمان سلامة مشاة البحرية الأميركية على الأرض. وبعكس AV-8B، فإن مقاتلة F-35B هي بالفعل تعمل في مختلف الأحوال الجوية، وباستطاعتها النظر من خلال الضباب، وباستطاعتها أيضاً إطلاق أسلحة على ارتفاعات لا تسمح للرعائل الدنيا من الدفاع الجوي التدخل فيها. المسألة الرئيسية لقيادة USMC هي في إدماج «قنبلة القطر الصغير» GBU-53/B SDB-11، حيث بالإمكان استيعاب ثمانية منها في الحاضن الداخلي، وسيصادف ذلك إطلاق الطراز Block 4، الذي يتوقع أن يبدأ هذا العام. إن هذه الذخيرة البالغ وزنها 127 كلغ قادرة على ضرب أهداف ثابتة ومتحركة على مدى 40 ميلاً، وهي بذلك تشكل المستمكن الرئيسي للقدرات التكتيكية الجديدة في USMC في العمليات الجوية – الأرضية.
وفي ما خص وضع البرنامج، فإن F-35B ارتقت إلى «قدرة العمليات الأولية» IOC في مشاة البحرية الأميركية في العام 2015، وتعمل 16 مقاتلة منها منذ ذلك الوقت في قاعدة إيوانكو الجوية في اليابان وهي على جهوزية تامة لتنفيذ العمليات المحتملة في جنوب شرق آسيا.^