المعرض الدولي للدفاع والصناعات العسكرية EDEX: من يملك مفتاح القوة يصنع السلام
باعتبارها لاعباً عسكرياً رئيسياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، استضافت مصر المعرض الدولي للدفاع والصناعات العسكرية، أو بحسب التسمية التقنية «معرض الدفاع المصري» Egypt Defence Expo أوEDEX، الذي انعقد في دورته الأولى في الفترة الممتدة من 3 ولغاية 5 كانون الأول/ ديسمبر 2018 في «مركز مصر للمعارض الدولية» EIEC في القاهرة.
افتتح المعرض ورعاه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، وحضره رئيس الوزراء الدكتور مصطفى المدبولي ووزير الدفاع والانتاج الحربي محمد زكي إضافة إلى حشد كبير من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية والإدارية والوفود الرسمية وأعضاء من السلك الديبلوماسي المنتدبين إلى جمهورية مصر العربية.
وقال سيادته في حفل الافتتاح: «يؤكد تأسيس المعرض موقع مصر كدولة رائدة وفعّالة بطاقاتها لتنظيم هكذا أنشطة عسكرية دولية، والذي من شأنه أن يقوي الدور الذي تلعبه مصر في المنطقة. كما يؤكد أيضاً دورها في الاستقرار الإقليمي والدولي».
بدوره لفت وزير الدفاع إلى أن رعاية الرئيس السيسي للمعرض تهدف إلى توجيه رسالة إلى العالم بأن أنظمة الدفاع وأنشطة التسليح هي من الركائز الأساسية للسلام والأمن وقلعة الاستقرار للدول والشعوب، وأضاف: «من يمتلك مفاتيح القوة باستطاعته صنع السلام».
وزار المعرض عشرة وزراء للدفاع من الدول التالية: الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عُمان، السودان، فرنسا، اليونان، قبرص، جنوب السودان، كاميرون، الصومال وكوريا الجنوبية. وأعربوا عن تقديرهم العميق للرئيس المصري على افتتاحه ورعايته المعرض.
ساهم في المعرض 373 شركة عارضة من 41 دولة، ونظّمته شركة «كلاريون إيفنتس» Clarion Events بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية.
وعلى مدى السنوات الخمس الفائتة زادت مصر وارداتها من الأسلحة بصورة جذرية ما جعلها الدولة الثالثة عالمياً في برامج المشتريات الدفاعية مع مراعاة أمرين: تنويع مصادر الأسلحة وعدم الاعتماد على مورّد رئيسي أحادي كالولايات المتحدة، وإعطاء الأولوية للمشتريات البحرية والجوية. وإلى ذلك، شهد المعرض ثلاثة أحداث رئيسية هي: غياب كامل للصناعات الدفاعية التركية بسبب الاختلاف والمقاطعة السياسية بين البلدين؛ حضور خجول للشركات الأميركية الرئيسية على غرار «بوينغ» Boeing، و«لوكهيد مارتن» Lockheed Martin، و«رايثيون» Raytheon و«نورثروب غرومان» Northrop Grumman. ويعود ذلك إلى اتخاذ قرار متأخر بخصوص المشاركة وكان الغرض منها دعمEDEX 2018 في دورته الأولى؛ أما الحدث الثالث فيعود إلى حضور قوي للشركات الصينية وبخاصة الشركات المصنِّعة للعربات الجوية غير الآهلة.
وأتاح المعرض للقوات المسلحة المصرية بفئاتها الثلاث البرية والبحرية والجوية الاطلاع على أحدث التكنولوجيات الدفاعية والأمنية. وهذا ليس بجديد، فهذه القوات ثابرت تاريخياً على الاستثمار في أحدث الأسلحة تنفيذاً لاستراتيجيتها الدفاعية وعمدت إلى تقوية إنتاجها الوطني من الأسلحة عبر سلسلة من المجمعات الصناعية العسكرية. وفي المقابل، أتاح المعرض للشركات العارضة فرصة عظيمة لتقديم أحدث ما لديها في مجال التكنولوجيا العسكرية وتبادل الخبرات وتطوير الأعمال في مجال الإنتاج الحربي المصري.
وبحسب الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الأوروبية: «هناك الكثير من المستجدات في السوق الدفاعية المصرية والمنطقة، ولا نود خسارة هذه الفرصة العظيمة». باختصار تطمح العديد من الشركات إلى فتح آفاق تعاون جديدة مع مصر ودول المنطقة من خلال هذا الحدث.
فيما تسعى مصر إلى تأمين مصادر بديلة للأسلحة إضافة إلى الأسلحة والمعدات الدفاعية المموَّلة من المساعدات العسكرية الأميركية، قد يتلمس مورِّدو الأسلحة الرئيسيون لمصر كالولايات المتحدة الأميركية الحقيقة المرّة. ففيما تشكل مصر حليفاً للولايات المتحدة الأميركية، وتتلقى منها نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنوياً، إلا أنها ومنذ العام 2013 بدأت تعزز تدريجياً علاقاتها مع روسيا في محاولة منها للابتعاد عن الاعتماد الكلي على الصادرات العسكرية الأميركية. إن هذا القرار المصري التفتيش عن مورِّدين جُدد للأسلحة كان متوقعاً بعد أن ذاقت مصر الأمَرَّيْن من جراء الاعتماد المطلق على مورِّد أجنبي أحادي، وتحديداً إزاء التهديدات الأميركية المتكررة بوقف أو تعليق إمدادها بالأسلحة والتي بدأت بتنفيذ توقيع اتفاقيات كامب دايفيد في العام 1978.
إن هذا التحول للقوات المسلحة المصرية من الاعتماد الشامل على الأسلحة الأميركية كان أيضاً واضحاً عندما صرّح قائد سلاح الجو المصري محمد عباس مؤخراً بأن القيادة السياسية المصرية أوعزت إليه بالاعتماد ليس فقط على الأسلحة والطائرات الأميركية فحسب بل الاعتماد أيضاً على مصادر متعددة لتحديث أسطولها من الطائرات.
إن التوجه المصري نحو الدول الأوروبية مبرر أيضاً عندما تعالت الأصوات في إدارة الرئيس ترامب لإعادة تقييم التمويل العسكري الأجنبي المقدَّم إلى القاهرة. ويلاحظ المراقبون أنه ومنذ العام 2013، وباستثناء صفقة طوافات الأباتشي الإضافية في العام 2014 والمؤلَّفة من عشر طوافات، فإن مصر لم تستخدم المساعدة العسكرية الأميركية البالغة 1.3 مليار دولار سنوياً لطلب أنظمة دفاع رئيسية من الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك، استخدمت مصر التمويل النقدي لدفع ثمن المشتريات الضخمة السابقة، بما فيها صفقة مقاتلاتF-16 في العام 2009 البالغة نحو 3.2 مليارات دولار وصفقة الـ 1.3 مليار دولار التي أبرمت في العام 2011 لشراء أعداد إضافية من دبابات القتال الرئيسية «أبرامز» M1A1 Abrams. إن حجم المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأميركية، وعلى وجه الخصوص، مبيعات صواريخ «هاربون» Harpoon، ودباباتAbrams وطوافات الأباتشي ومقاتلاتF-16، كان متوازناً مع المشتريات الروسية المتمثلة بصواريخ «كورنت» KornetودباباتT-90، وطوافاتMi-17 ومقاتلاتMiG-29 وغيرها من المعدات.
ومنذ العام 2013 اشترت مصر، وبمساعدة قروض وهبات مالية من دول الخليج، أنظمة هجومية متقدمة ومنصات إنزال أو إسقاط للقوى من فرنسا، وروسيا وألمانيا بلغت قيمتها مليارات الدولارات. تضمنت على سبيل المثال، ثمانية مليارات دولار قيمة طلبات من فرنسا شملت 24 مقاتلة «رافال» Rafaleصنع شركة «داسو للطيران» Dassault Aviation، ونظاماً ساتلياً للاتصالات العسكرية صنع «إيرباص ديفنس أند سبايس» Airbus Defence & Space بقيمة 1.28 مليار دولار، وأربع فرقيطات «غوويند» Gowind وحاملتي طوافات «ميسترال» Mistral وفرقاطة متعددة المهامFREMM من صنع «نافال غروب» Naval Group.
ومن ألمانيا اشترت معدات تزيد قيمتها عن ملياري دولار تضمنت أربع غواصاتU-209 و 330 صاروخ جو-جو طرازIRIS-T إضافة إلى أسلحة خفيفة وعربات قتال وهي من ضمن 35 طلباً وافقت عليها الحكومة الألمانية.
ومن روسيا بلغت مشترياتها مليارات الدولارات أيضاً حيث شملت 50 مقاتلةMiG-29 بقيمة ملياري دولار، ونظام الدفاع الجويS-300 VM بمليار دولار وغيرها. وإلى ذلك، تتفاوض مصر حالياً مع فرنسا لشراء 12 مقاتلةRafale إضافية ومع روسيا لشراء 46 طوافة هجومية من نوع «كاموف» Ka-52.
ضاعفت أوروبا وبصورة دراماتيكية من مبيعاتها العسكرية إلى مصر خلال السنوات الخمس المنصرمة، ففي ألمانيا، وعلى الرغم من معارضة ونقد الأحزاب اليسارية لمبيعات أسلحة إلى حكومات قد تسيء إلى حقوق الإنسان، فإن مبيعات الأسلحة إلى مصر تضاعفت 205 في المئة ما بين العامين 2013 و 2017، قياساً بالفترة ما بين 2008 و 2012. في ما يتعلق بفرنسا فإن مبيعاتها من الأسلحة سلكت منحى تصاعدياً مماثلاً، وتجاوزت للمرة الأولى المبيعات الأميركية في الفترة المدرجة أعلاه. كما أبرمت اتفاقيات أسلحة جاوزت قيمتها الـ 10.2 مليارات دولار ما بين روسيا ومصر خلال العامين 2016 و 2017، وأبرمت أيضاً ترتيبات متبادلة لمدة خمس سنوات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 تسمح للطائرات العسكرية الروسية باستخدام القواعد الجوية والمجال الجوي المصريين. وفي خريف العام 2015 وقّعت مصر، التي تستخدم طوافات الأباتشي الأميركية، عقداً مع روسيا لشراء 46 طوافة هجومية من نوع «اليغاتور» Ka-52 Alligator. وتتداول وسائل الإعلام بأن مصر وقّعت أيضاً طلباً لشراء 50 مقاتلةMiG-29 M/ MiG-29M2. وأظهرت الصور التي التقطت في ميناء الإسكندرية عملية تفريغ نظامي الدفاع الجويS-300 VM وAntey 2500، وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن هناك العديد من العقود طيّ الكتمان تتناول تسلم مصر الرادار المتعدد أنماط التشغيل الثلاثي الأبعاد 3D – Radar Protivnik – GE. ومع ذلك، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أهمية التعاون العسكري الاستراتيجي ما بين مصر والولايات المتحدة وثمّن عالياً عودة التمارين العسكرية المشتركة تحت مسمى «النجم الساطع» Bright Star 2018.
بحسب وكالة التصنيف العسكريةGlobal Firepower، تصنّف القوات المصرية بالمنزلة الثامنة عشرة عالمياً، ورأت بأن القوات البحرية والجوية المصرية إعادة تنظيم ذاتها بصورة دراماتيكية لتلبية الظروف الإقليمية والمحلية المتغيرة. لقد صرفت مصر مليارات الدولارات لتحديث قدراتها العسكرية والقتالية، وهي الآن على أهبة الاستعداد لإسقاط القوى خارج حدودها للتغلب على أي خصم محتمل.
إن تجهيز القوات المسلحة بأحدث الأعتدة العسكرية، كان أكثر من ضروري بسبب التحول الذي طرأ على العقيدة العسكرية المصرية والتي لا يمكن تجنبه لمواجهة التهديدات الأمنية والقومية.
وفيما تتبع القوات المسلحة المصرية على مدى عقود عقيدة دفاعية متشددة، إلا أن هذه القوات تحركت نحو الأمن الوقائي لحماية الأمن القومي والمصالح المصرية. إن اهتزاز الاستقرار الإقليمي وتسلل المنظمات الإرهابية إلى بعض الدول أوجد حقيقة جديدة تتطلب درجة عالية من اليقظة والحذر على مدار الساعة. وسمحت برامج تحديث السلاحين البحري والجوي في مصر إلى أن تلعب دوراً هاماً في العمليات المضادة للإرهاب وبخاصة «داعش» في شبه جزيرة سيناء إضافة إلى الهجمات ضد هؤلاء خارج الحدود. وبحسب التصنيف الحديث لوكالةGlobal Firepower تحتل مصر الآن المرتبة السادسة في القوة البحرية العالمية وحاملة الطوافات الوحيدة في المنطقة. وتشكل حاملتا الطوافات التي استحوذت عليها مصر من فرنسا بقيمة 1.2 مليار دولار العمود الفقري للأسطول الجنوبي الجديد في مصر والقاعدة البحرية الرابعة في البحر الأحمر، التي دُشِّنت في كانون الثاني/ يناير 2017 وتقع في مرفأ مدينة سافاجا.
وبحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدوليةSIPRI، فإن مصر صرفت على مشتريات الأسلحة (بحسب السعر الثابت للعام 1990) نحو 751 مليون دولار سنوياً في الفترة الممتدة من 1990 وحتى 2013 ونحو 1475 مليون دولار سنوياً منذ العام 2014. وسمحت مشترياتها الأخيرة بأن تكون من بين الدول الخمس الرئيسية المستوردة للسلاح في العالم وذلك بحسب تقرير «تجارة الدفاع العالمية» السنوي الجديد الذي تصدره مجموعةHIS. وكذلك الأمر فإن معهدSIPRI أصدر مؤخراً تقريراً حول الصناعة الدفاعية العالمية ذكر فيه أن مصر تشكل جزءاً من التوسع الألماني في الصادرات الدفاعية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل عام. وبين العامين 2012 و 2017 أبرمت برلين، بحسب بيانات المعلومات، عقوداً لبيع أسلحة لمصر، والجزائر، وتونس والمغرب بنحو 11.2 مليار يورو.
وتقوم الحكومة المصرية حالياً بتنفيذ برامج تحديث رئيسية لقواتها البحرية وهي تصرف أموالاً على السفن أكثر من جميع الحكومات المصرية مجتمعة منذ العام 1990.
وبحسب كاسبر وبيت العضو المساعد في الأبحاث في «معهد لوي للسياسية الدولية»، فإن البحرية المصرية زادت أيضاً من وجودها في سواحل سيناء لوقف الإمدادات اللوجستية لتنظيم داعش من الوصول إلى أماكن عملها في شبه جزيرة سيناء. كما أن البحرية عززت أيضاً وجودها في ممر باب المندب لحماية الملاحة البحرية للعبور عبر قناة السويس وعلى وجه الخصوص بعد الهجمات الحوثية في اليمن على ناقلتي نفط العام 2017، وهذا ما دفع السعودية لتعليق الشحن النفطية عبر هذا الممر.
وأكد الفريق أحمد خالد قائد البحرية المصرية لوسائل الإعلام خلال فعاليات معرضEDEX 2018، بأن المسؤوليات الرئيسية للبحرية تتضمن حماية الموانئ البحرية الواحدة والعشرين، وقناة السويس، وآبار النفط مقابل سواحل سيناء. وخُصصت ثلاثة أرباع المصارفات العسكرية الرئيسية للدولة في السنوات الأربع الفائتة على برامج المشتريات على السفن وطائرات الأجنحة الثابتة والدوارة.
من شأن هذه المشتريات الضخمة من الأعتدة والمنصات العسكرية أن تدعم دور مصر كلاعب إقليمي رئيسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكإحتياط استراتيجي للدول العربية، وبخاصة الدول الخليجية للدفاع عنها عندما تدعو الحاجة.^