العدالة لوقف الإرهاب
تلازم مسارا الدفاع والأمن بصورة جلية بعد الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 11/9/2002. وبُعَيْد ذلك لم تسمِّ الولايات المتحدة الأميركية الوزارة الجديدة التي يفترض أن تُعنى بالأمن بِـ «وزارة الداخلية» بل أسمتها بِـ «وزارة الأمن الوطني»، التي تجمع الأمن الداخلي والدفاع الوطني، وإنْ كانت الأخيرة على صعيد العمليات أكثر منها على صعيد التنظيم البنيوي مع الاحتفاظ بتعاون وثيق مع وزارة الدفاع الأميركية. وأدى انتشار الإرهاب بشقَّيْه الإثني والمذهبي التفكيري، إلى انتقال الصراع من الحروب التقليدية إلى سيناريوهات قتالية جديدة اتخذت تسميات كثيرة، ولكنها في الجوهر هي واحدة، ألا وهي: الحروب غير المتماثلة، أو العمليات العسكرية غير الحربية MOOTW أو الحروب المنخفضة الحدة LIW، وإلى ترابط أوثق في العمليات المشتركة للقوات العسكرية والأجهزة الأمنية وتنامي دور الوحدات الخاصة في التصدي للإرهاب. وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى أن اضطهاد البعض للبعض الآخر وتهميشه من شأنه أن يولّد الرغبة بالانتقام وإعادة الاعتبار ولا يؤدي إلى السلام المنشود لافتقاره إلى العدالة، فحالة السلام المُثلى لا تتحقق إلا بالعدالة وهي قادرة على الصمود على مر الزمن، بعكس سياسة التشفي والانتقام التي غالباً ما تؤدي إلى تأجيج الحروب والنزاعات. واستنتاجاً: إن كل ظلم يحمل في طياته بذوراً لحروب مقبلة. وتطبيقاً على ذلك، إن لجوء رئيس الوزراء العراقي الأسبق نور المالكي إلى احتكار السلطة وتهميش أهل السنة أدى إلى نشوء «داعش» وإلى تداعيات الأمن المحلي والإقليمي وإطلاق الغرائز والعصبيات الدينية والعِرقية واقتراف الجرائم ضد الإنسانية البعيدة كل البُعد عن الإسلام. وما ينطبق على المالكي ينسحب على أعمال الرئيس الراحل صدام حسين التي أدت إلى تهميش الشيعة والتنكيل بهم، وبالتالي تجييش عصبيتهم أثناء الاجتياح الأميركي وبعده، كما ينسحب على الحلفاء في الحرب العالمية الأولى الذين فرضوا بعد انتصارهم في هذه الحرب سلاماً مجحفاً وانتقامياً بحق الألمان ما أدى إلى بزوغ الحركة النازية واندلاع الحرب العالمية الثانية. وبعكس ذلك، أطلق الحلفاء المنتصرون أيضاً في الحرب العالمية الثانية سلاماً يقوم على التنمية الاقتصادية وإعادة إعمار أوروبا بما فيها دول المحور تحت برنامج مشروع مارشال الذي فاز بقلوب وعقول المهزومين، وبالتالي استدامة السلام في أوروبا والعالم. ولا بد من الإشارة إلى أن الإرهاب بجميع أشكاله هو عابر للدول والقارات وينتقل بحرية فيما بينها، ويصعب على دولة بمفردها مكافحته، بصورة كاملة وشاملة، ولا بد من التعاون مع غيرها من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لتبادل المعلومات الاستخباراتية والآراء والتدريب، القيام بالتمارين الأمنية والعسكرية المشتركة. فالإرهاب في كل مكان ولا مكان، حيث يعمد الإرهابي بُعَيْد اقتراف جريمته إلى التنكر بِزّي المدنيين وكأن شيئاً لم يحصل، أو يستخدمهم كدروع بشرية. وإلى الأجهزة الأمنية، يضطلع الجيش بصورة رئيسية بمهام حماية النقاط الحيوية والبنى التحتية وتسيير الدوريات، وحماية القوافل وبخاصة ضد الحشوات المتفجرة المرتجلة ميدانياً التي غالباً ما تفجر عن بُعد لاسلكياً. وإلى الاحتلال الإسرائيلي، تحيق بالعرب وبخاصة المشرق العربي، ثلاثة مخاطر إرهابية: الإرهاب التكفيري الذي يتبع تعاليم مضللة بعيدة كل البُعد عن الدين الإسلامي الحنيف؛ الأنظمة البوليسية التي تستعين بالقوات والميليشيات الأجنبية لضرب مواطنيها، وتصدير الثورات التي تتخذ أشكالاً من التطهير المذهبي في العالم العربي. واستناداً إلى ما تقدم، فإني أهيب بالدول العربية والإسلامية إرساء السلام العادل في بلدانها ونبذ التفرقة بين المواطنين اهتداءً بتعاليم الإسلام السمحاء، فالسلام العادل هو كفيل بردع الإرهاب، وأعتقد جازماً أن التنمية الاقتصادية هي خير لهم من اقتناء المدافع.