الطائرات التجارية النفاثة الفاخرة: منصات جيدة لطائرات المهام الخاصة!

لم يكن أولئك الذين اهتموا بالطائرات التجارية النفاثة الراقية خلال فعاليات «معرض باريس للطيران 2023» من النخبة الثرية الشغوفة بغرف الحمامات الفاخرة وسبل الترفيه خلال الطيران، بل من الأخصائيين العسكريين المهتمين بقدرات مهام مختلفة جداً ... المهام الخاصة. تسعى معارض الطيران الخاص مثل «معرض ومؤتمر الطيران التجاري الأوروبي» (EBACE) ومعرض «الاتّحاد القومي للطيران التجاري الأميركي» (NBAA)، ومصنّعون للطائرات التجارية النفاثة الفاخرة إلى الترويج لمميزات طائراتهم أمام الأغنياء وأصحاب النفوذ والمشاهير - وأولئك الذين بوسعهم أن يتحمَّلوا أكلافها. وغالباً ما يكون التأكيد على حجم المقصورة والراحة، والمدى، والسرعة، فضلاً عن الاسم اللامع للعلامة التجارية بحد ذاتها.

وخلال «معرض باريس للطيران» الذي انعقد في حزيران/يونيو الماضي، كانت المقاربات التي اعتمدتها شركات «بومبارديه» Bombardier، و«داسو» Dassault، و«غالفستريم» Gulfstream مختلفة. فقد تسنى لعملاء محتملين، خلال المعرض، أن يلقوا نظرة على طائرات تجارية معروضة، وهم ليسوا من رواد الصناعة، ولا مشغلين مشاركين في الملكية، ولا مشاهير وممثليهم، بل جيوش، ووزارات دفاع، ووكالات حكومية. فقد خصَّ المصنّعون الثلاثة نسبة مهمة من طائراتهم - تُقدّر بنحو %10 - بتصاميم للمهام الخاصة، تراوح بين طائرات المراقبة والدورية البحرية وتلك المخصّصة للإخلاء الطبي، والمسح المناخي ونقل رؤساء الدول. وفيما يستأثر هؤلاء المصنّعون بتجربة عريقة على مدى عقود، فإنّ وصول المنصات من الجيل الأحدث، على غرار طائرة Bombardier Global 8000، وطائرة Gulfstream G800، وطائرة Dassault Falcon 10X، قد منح «مصنعي المعدات الأصلية» (OEM) زخماً جديداً في سوق تكون الأحجام فيها معتدلة والمنافسة محصورة، لكن هوامش نجاحها عالية. ويؤكد المصنّعون الثلاثة بأن خصائص الأداء فضلاً عن أبعاد المقصورة وبنية طائراتهم النفاثة الأكثر تطوراً تجعل منها ملائمة لمتطلبات وأدوار المهام الخاصة العديدة أكثر من طائرات الخطوط الجوية المحوّلة أو الطائرات التيربوداسرية الإقليمية الصغيرة. وكانت شركة Bombardier قد أسست في العام 2022 وحدة أعمال جديدة في منشآتها بمدينة «ويشيتا» بولاية كنساس الأميركية تحت اسم «بومبارديه للدفاع» Bombardier Defense، مع هدف أساسي هو الترويج لعائلتي طائراتها «تشالينجر» Challenger و«غلوبال» Global أمام عملاء حكوميين محتملين، أو شركاء متعاقدين أساسيين. ولطالما كان لشركة Bombardier دور في العمليات الدفاعية، دعماً للجيش الكندي بل حتى تولّت برنامجها طوافة المراقبة غير الآهلة CL-227، عندما استحوذت على Canadair في تسعينات القرن الماضي. لكنّ هذا النشاط بقي حتى العام 2016 جزءاً من قسم طائراتها البرمائية لمكافحة النيران. وعندما بيع هذا القسم الأخير إلى شركة «دو هافيلاند كندا» De Havilland Canada خلال ذلك العام في إطار برنامج تصفية استثمار ضخم للوحدات التجارية غير الأساسية، أرادت الشركة أن تشدد على مقصدها بأن السوق الحكومية والعسكرية كانت لا تزال مهمة، حسب قول ستيف باتريك Steve Patrick، نائب رئيس Bombardier Defense. وتابع باتريك: «لقد أوضح مديرنا التنفيذي بشكل قاطع بأن الدفاع هو أولوية استراتيجية يرغب في أن يضاعف حجمها ثلاث مرات»، وأضاف: شعرنا بأنّ تأسيس ماركة دفاعية يصب في هذا الهدف ويؤكد بوضوح للرؤساء والمسؤولين والحكومات بأننا نعتبر أنفسنا لاعباً أساسياً في المجال الدفاعي». وخيرُ دلالةٍ على التزام Bombardier في هذا القطاع هو محاولتها دفع حكومة أوتاوا نحو إطلاق منافسة لمشتريات طائرة دورية بحرية جديدة لسلاح الجو الكندي بغية استبدال الأسطول المؤلف من 15 طائرة noirO3-P n itraM deehkcoL للحرب المضادة للغواصات لدى سلاح الجو المذكور. ويدرس المصنّع، ومقره مونتريال، تطوير اشتقاق «معسكر» من طائرته Global 6500، بالشراكة مع الفرع الكندي لشركة «جنرال دينامكس» General Dynamics، المختص بأنظمة المهام. وذلك يأتي على الرغم من أنّ أوتاوا كانت قد أعلنت مطلع العام 2023 أن الطائرة المنافسة الوحيدة Boeing P-8 Poseidon تتوافق مع متطلباتها. لكن باتريك لا يفقد الأمل، إذ إنّ الحكومة الكندية لا تطمح للحصول على تلك الطائرة حالياً بل تتطلع إلى المستقبل، وهو ما ستغتنمه Bombardier بالتعاون مع شركة General Dynamics لتطوير حل يكون جاهزاً قبل الوقت المقرر لدخول مثل تلك الطائرة المنشودة الخدمة في العام 2031.

أعلنت أوتاوا مطلع العام 2023 أن الطائرة المنافسة الوحيدة Boeing P-8 Poseidon التي تتوافق مع متطلباتها.

في المقابل، وفي إطار صفقة تم الاتفاق عليها قبل إنشاء وحدة Bombardier Defense، بدأت هذه الوحدة العام الفائت تعديل أولى طائرات Global 6000 الثلاث لتصبح طائرة «استخبار الإشارة» لصالح سلاح الجو الألماني، ضمن برنامج تُديره شركة «لوفتهانزا تكنيك»Lufthansa Technik وصانع المستشعرات «هنسولدت» Hensoldt. ويذكر باتريك العقد الألماني كمثال على المنظور «العالمي» لهذا القسم في Bombardier. ويقول على الرغم من أن مقر هذا القسم هو في «ويشيتا» بولاية كنساس: «فإننا لا نركز على الولايات المتحدة فحسب. في الواقع، ثمة فرص أخرى نسعى إليها على كل قارة». وتعمل نحو 500 طائرة Bombardier كمنصة مهام خاصة، ولو أن العديد منها هي من طراز Learjet الذي توقف إنتاجه، بالاشتقاق المخصص للإخلاء الطبي. ومع ذلك، هناك أدوار أخرى تشمل التدريب الجوي، ونقل رؤساء الدول، والحماية الساحلية، على حد قول باتريك، الذي يصر على أن Bombardier مرنة جداً عندما يتعلق الأمر بطرح مناقصات مشتريات أو العمل مع شركاء. وتملك Gulfstream خبرة متجذرة لقرابة 60 عاماً في السوق الدفاعية، كما تؤكد ليدا تشونغ Leda Chong، نائب رئيس أعلى للبرامج والمبيعات الحكومية في الشركة، وتقول: «إننا نصمم، ونبني وندعم الطائرات التجارية النفاثة، لكننا نُكيفها لصالح المهام الحكومية والخاصة منذ فترة طويلة جداً». وقد سلم هذا المصنّع، ومقره مدينة «سافانا» بولاية جورجيا الأميركية، أكثر من 200 طائرة مهام خاصة لدعم الحكومات والجيوش في نحو 40 دولة، وأحدثها طائرة G550 معدلة كطائرة مراقبة. وتعتبر هذه المنصات مثالية لأدوار المراقبة، بحسب تشونغ التي أكدت: «أنها تتسم بأداء خاص يسمح بتحقيق ارتفاعات أعلى وسرعات أكبر وفترة مكوث أطول في الجو. وهي تملك القدرة على التدخل في الميدان سريعاً وكذلك مغادرته على نحو أسرع». ومن بين أبرز الصفات المتميزة هي بيئة المقصورة - جزء من التقديمات الفاخرة للمستخدمين في عالم الأعمال. وبينما تُبقي Gulfstream المجال مفتوحاً على الدوام للعمل مع مسؤولين وشركاء محليين، فإن ما «يُميز» هذا المصنّع هو خبرة مهندسيه «الذين تُركز مجموعة منهم عملها على تعديلات للمهام الخاصة»، بحسب تشونغ، التي تؤكد «عندما تكون مواردك داخل مؤسستك فإن ذلك يصنع فارقاً بالطبع». وتستأثر شركة Dassault الفرنسية بميزة مباشرة على منافساتها في السوق الحكومية من حيث كونها مصنّعاً للطيران الدفاعي بقدر ما هي مصنّعة للطيران التجاري، وذلك بفضل تاريخها العريق في صنع طائرات مقاتلة. كما أنها تغتنم واقع أن المهندسين ذاتهم الذين يطورون مقاتلات «رافال» Rafale هم من يطور طائرات «فالكون» Falcon النفاثة. وتقول الشركة: «ذلك يظهر تماماً المهارات المزدوجة لشركة «داسو أفييشن» Dassault Aviation: تستفيد طائراتنا المدنية من التكنولوجيات المتقدمة جداً التي طورت لصالح مقاتلاتنا النفاثة، والتي بدورها تستفيد من العمليات الصناعية المُعدّة للإنتاج الشديد التنافسية لطائرات Falcon النفاثة التجارية». وتشدد الشركة، ومقرها باريس، على أن طائرات Falcon المعدلة للمهام الخاصة تمثل نحو %10 من الأسطول العامل في الخدمة. وتضمنت برامجها البارزة طائرة الدورية البحرية «أتلانتيك 2» Atlantique 2 - وهي تحديث لطائرة Breguet Atlantique من حقبة الستينات - فضلاً عن اشتقاقات لطائرتي Falcon 20/200 و Falcon 50M. ومن بين أحدث عروض شركة Dassault، الطائرة البحرية المتعددة الأدوار Falcon 2000 (MRA) التي اختارها خفر السواحل الياباني في العام 2015. وقد سلّم هذا المصنّع الطائرة الأخيرة من طلبية شملت ست طائرات إلى طوكيو في العام 2021.

تستأثر شركة Dassault الفرنسية بميزة مباشرة على منافساتها في السوق الحكومية من حيث كونها مصنّعاً للطيران الدفاعي بقدر ما هي مصنّعة للطيران التجاري، وذلك بفضل تاريخها العريق في صنع طائرات مقاتلة.

ومن بين عملائها المهمين، طبعاً الحكومة الفرنسية، التي أطلقت في الخدمة العام 2020 سبع طائرات «ألباتروس» Albatros - المشتقة من «الطائرات المتعددة الأدوار» MRA والمستندة إلى طائرة Falcon 2000LXS - لصالحه برنامجها لطائرة Albatros للمراقبة والتدخل البحريين AVSIMAR. ومن المقرر أن تبدأ عمليات التسليم في العام 2025، وتشمل الخطة النهائية الاستحواذ على 12 طائرة من هذا الطراز. كما أن شركة Dassault تسعى إلى الإفادة من طائرة Falcon 10X غير الحائزة على شهادة الصلاحية بعد لتلبية متطلبها لطائرة دورية بحرية فرنسية مستقبلية، على الرغم من أن باريس وبرلين وافقتا في العام 2018 على مشروع مشترك لاستبدال أسطولَيْهما من طائرات Atlantique 2 و Lockheed P-3C Orion. ويلف الغموض هذه الاتفاقية في الوقت الراهن.

سلّمت شركة Gulfstream أكثر من 200 طائرة مهام خاصة لدعم الحكومات والجيوش في نحو 40 دولة، وأحدثها طائرة G550 معدلة كطائرة مراقبة.

وهناك طراز آخر من Dassault هو Falcon 8X يُستخدم كمنصة لطائرات استخبار الإشارة الثلاث التي أجازت عملها الحكومة الفرنسية ضمن برنامجها Archange، الذي تشارك فيه شركة «تاليس» Thales أيضاً. ومن المتوقع أن تدخل هذه الطائرة الخدمة مع سلاح الجو في العام 2025. إذاً ما هي احتمالات نجاح تلك الطائرات التجارية النفاثة المتطورة في هذا الميدان العسكري المتخصص وغيره من المتطلبات الأخرى للمهام الخاصة؟ بالنسبة إلى باتريك من شركة Bombardier، فإنّ الاحتمالات عالية جداً، بفضل المزايا الواضحة التي توفرها مقارنة بالطائرات التيربوداسرية ومنصات الخطوط الجوية الأكبر حجماً. ويقول: «نعلم جميعاً بأننا نزلنا على سطح القمر مع قوة حاسوبية أقل بكثير من تلك المتوافرة حالياً في هواتفنا الذكية»، ويتابع: «والأمر ذاته في التكنولوجيا ينطبق تماماً على الدفاع. اعتدنا أن نحتاج إلى طائرة خطوط جوية لنقل جميع المعدات المطلوبة لتنفيذ المهمة. والآن باتت كل هذه المعدات مبيتة في طائرة Global». وفي الوقت ذاته، تفرض الاحتياجات الأمنية الحالية على طائرات المراقبة وغيرها من منصات المهام الخاصة ضرورة التحليق على ارتفاعات أعلى، وتحقيق سرعات أكبر ومسافات أبعد من أجل تنفيذ دورها فيما تبقى بمنأى عن الخطر. ويعتبر باتريك أن ذلك ليس في مقدور الطائرات التيربوداسرية. لقد عرض المصنّعون الثلاثة جميعاً منصاتهم وقدراتهم في باريس والتقوا مع عملاء محتملين، ولو أنّ شركة Bombardier لم تكن لها طائرة معروضة. وربما تكون هذه الاستعدادات والتأثيرات مختلفة جداً في معرضي «جنيف» و«لاس فيغاس»، لكن هذا الثلاثي من «مصنّعي المعدات الأصلية» OEM يأمل في التأثير على ممثّلي الحكومات والجيوش في شتى أنحاء العالم.^

العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2023
رقم الصفحة
42

أخر المقالات