الحرب الإلكترونية في السفن الحربية
تهدف عملية جمع المعلومات عن الإشعاعات الرادارية التي تحيط بالسفينة الحربية إلى معرفة أي من السفن صديقة أو عدوة. وفي هذا المجال، تعمل أنظمة الاستخبارات الإلكترونية ELINT، من ضمن اجراءات الدعم الإلكترونية ESM، على كشف الرادارات البحرية والجوية والبرية الصديقة والعدوّة التي تغطي كامل الترددات من 0.5 وحتى 40 جيغاهيرتز صعوداً حتى الحيّز Ka-Band من الطيف الكهرومغناطيسي، لوضع الأمر القتالي الإلكتروني في المكتبة أو الخزانة الإلكترونية على متن السفينة الذي يتضمن بيانات وخصائص الإشارات الرادارية الصديقة والمعادية على السواء.
وأثناء عملية الرصد، يتم التعرف على السفينة المعادية من خلال قاعدة بياناتها يصار بعدها إلى تعقب الهدف الداهم وإطلاق الإجراءات لإلكترونية أو الخداعية المضادة لشل الرادارات المعادية بإجراءات قتل ناعمة على غرار الرقائق المعدنية أو التشويش الراداري، او القتل الخشن لتدمير الهدف الداهم بالأسلحة المناسبة.
وفي هذا المجال فإن إجراءات الدعم الإلكترونية هي الحلقة أو النظام الذي لا غنى عنه على متن السفينة، الذي يسمح باعتراض الاشعاعات التي تصدرها رادارات الرصد/ المراقبة، وإدار الرمي، والملاحة ومن ثم تحليلها وتحديد مواقعها الجغرافية واتجاهاتها. وعلاوة على ذلك، تعمل بعض أنظمة ESM على جمع معلومات الاستخبارات الإلكترونية ELINT واستخبارات الإشارة COMINT من خلال مراقبة طيف الترددات المنخفضة التي غالباً ما تعمل تحتها الرادارات في مجال الترددات العالية HF، والعالية جداً VHF وفوق العالية UHF. وبالطريقة ذاتها، يصبح بالإمكان كشف الاتصالات الصادرة عن الراديوهات التكتيكية والمدنية وأنظمة نقل البيانات وتحليلها وتحديد موقعها ليبدأ بعدها خبراء الحرب الإلكترونية توضيب هذه المعلومات ودسها في شبكات الاتصالات المعادية بأشكال أخبار وتصاريح مقلقة ومحبطة للعزيمة. يذكر أن الجمع بين استخبارات الاتصالات والاستخبارات الإلكترونية أمر تزداد ضرورته مع دنو العمليات البحرية أكثر فأكثر نحو السواحل للحصول على أوضح صورة ممكنة للوضع الكهرومغناطيسي العسكري والمدني على السواء. وهذا ما يستدعي اعتماد أنظمة متطورة وأغلى ثمناً للعمل في هكذا بيئات.
وهذا ما دفع شركة Thales إلى تصميم نظام «إجراءات الدعم الإلكترونية» VIGILE-DPX لدعم العمليات البحرية في السواحل، إلى جانب عمليات المياه الزرقاء في أعالي البحار. من الواضح أن البحريات حول العالم بدأت بالتحول أكثر فأكثر إلى العمليات في المياه الساحلية. ويحمل هذا الأمر في طياته تحديات خاصة بالنسبة إلى الحرب الإلكترونية، إذ إن هذه البيئات ملبّدة بالإشعاعات الكهرومغناطيسية. فيتوجب على إجراءات الدعم الإلكترونية أن تفصل الإشارات المتشابكة الكثيفة التي تسود الأجواء وتصنيفها، وعليها القيام بذلك في بيئة مليئة بالإشارات الصادرة عن شبكات الهواتف الخلوية، ومحطات البث المرئي والمسموع المدنية. وعلى الرغم من ذلك، على المختصين بالحرب الإلكترونية كشف الإشارات الرادارية الصديقة والمعادية بين كمّ ضخم من الإشعاعات الأخرى.
وفي ما خص الأنظمة، طورت عدة شركات أميركية وأوروبية أنظمة إجراءات دعم إلكترونية ESM، لتكون قادرة على مراقبة طيف كهرومغناطيسي يراوح بين 2 و 18 ميغاهيرتز. وباستطاعة الإشعاعات الرادارية أو الرادارات العاملة بالحيّزات التالية: L، و S، C، X و Ku، تأمين مراقبة دائرية متواصلة حول السفينة. وبإمكان النظام حجب الإشارات غير الخطرة والتركيز على تلك الخطرة، وغالباً ما تكون هذه الأنظمة مجهزة بنظام تحديد الموقع العالمي GPS وكمبيوتر مركزي للتحكم بالوظائف كلها عبر الوصلات البينية. وتم لاحقاً تحديث الأنظمة الأولية من خلال توسيع مجال الترددات لتراوح بين 0.5 و 40 جيغاهيرتز ما يسمح بالمراقبة الرادارية والاتصالات بالترددات فوق العالية فضلاً عن الرادارات التي تعمل بالحيز Ka التي غالباً ما تستخدمها الصواريخ المضادة للسفن. كما طورت شركة «هاريس» Harris (سابقاً ITT Exelis) هذه الأنظمة ليصبح بالإمكان كشف الرادارات ذات احتمالات الاعتراض المنخفضة LPI، ما يسمح بمراقبة بعض الترددات العالية وفوق العالية وصولاً إلى الحيّز Ku أو حتى Ka إذا أراد العميل ذلك. وتستطيع بعض هذه الأنظمة على غرار Harris ES-3701 مراقبة نحو 300 نظام يبث في آن معاً على مدار 360 درجة ولديه حيّز كافٍ لتخزين 10.000 عملية تسجيل.
يذكر أن بعض الأنظمة مثل Raytheon AN/SLQ-32(V)2 أضيفت إليه قدرة التشويش على رادارات الصواريخ المضادة لسفن السطح. كما أن الكثير من أنظمة الدعم الإلكترونية عادة ما تكون متدرجة المقاييس لتغطي السفن جميعاً بدءاً بزوارق الدورية، والفرقيطات، والفرقاطات والمدمرات وصولاً إلى حاملات الطائرات والغواصات كما يمكن أن تغطي الطوافات البحرية أو يتم تجهيزها بأنظمة حماية ذاتية مستقلة. تجدر الإشارة إلى أن أنظمة إجراءات الدعم الإلكترونية عادة ما تستخدم بشكل مستقل أو في شبكة نظام إدارة المعارك في السفينة.
وكما الطائرات، يشكل الرادار التهديد الأكبر للسفن لذا لا بد من كشفه وتعطيله بأسرع وقت ممكن لضمان حماية السفينة في البحر. مع الأخذ بالاعتبار أن معدات الحرب الإلكترونية لا تنفك تتغير وتتطور باستمرار وما هو ذو فائدة اليوم، قد يكون عديم الفائدة غداً. لذا لا بد من مواكبة أحدث التطورات في مجال الحرب الإلكترونية البحرية لضمان الصمود في البحر.
في هذا المجال، يشدد قادة البحرية وآمرو السفن الحربية على استخدام الحرب الإلكترونية والتكنولوجيات الرقمية المتطورة باعتبارها المصدر الرئيسي للمعلومات في زمن فورة التكنولوجيات الرقمية، حيث يمكن لمشغليها أن يصدوا أو يضللوا أو يعطلوا مستشعرات التهديد الداهمة بإجراءات إلكترونية أو خداعية مضادة أو باستخدام صواريخ موجهة لتدميرها.
وكما هو معروف، تسهم السفن الحربية في حماية الأمن القومي للدولة بكونها خط الاستجابة الأول في مهام التدخل العسكري وإنزال القوى. وبذلك باتت أنظمة الدفاع الذاتي للسفن ذات مقدرة عالية على إبعاد الخطر عنها وتعزيز قدراتها على البقاء ولا سيما مع تطور صواريخ جوالة مضادة للسفن ASCM بعضها دون سرعة الصوت والبعض الآخر يفوقه بكثير، تحلِّق على ارتفاعات منخفضة فوق سطح الماء بقليل (10 أمتار وما دون عن سطح البحر) إنما تشكل التهديد الأكبر للسفن الحربية.
وأمام هذه المخاطر العالية القدرة، والفتاكة والمدمرة التي تحيق بسفن السطح، استدعى تطوير مستشعرات ذات تكنولوجيات رقمية عالية ومتطورة لرصد وتعقب وتقييم التهديدات، وتوفير قدرات الاشتباك المناسبة لصد تلك التهديدات الجوية وتبديد مخاطرها.
يذكر أن جميع الصواريخ المضادة للسفن على غرار AN/NM/SM-39/39/40 Exocet، RBS-15، Harpoon Block 2، Radija KH-15، Brahmos وغيرها) تستخدم شكلاً من أشكال التوجيه الراداري وبمجرد رصدها يبادر إلى الاشتباك معها بالإجراءات المضادة المناسبة.
كيف الرد؟
تحتفظ الولايات المتحدة الأميركية بالقوة البحرية الأكبر في العالم، ولا يستغرب أن يكون لديها الباع الأطول في تطوير أنظمة الحماية الذاتية للسفن. تعتمد البحرية الأميركية على أنظمة دفاع جوي ذاتي متكاملة ومتدرجة المقاييس في جميع السفن التي لا تستند إلى نظام السلاح Aegis. وهي تعمل على التنسيق بين العديد من الأنظمة ذات التكنولوجيات الرقمية المتطورة في إطار ستة برامج استحواذ رئيسية طورتها Raytheon، كما تشاطرها Northrop Grumman في تطوير أنظمة رادارية شديدة الفعالية.
«نظام الدفاع الذاتي للسفينة» SSDS، هو نظام إدارة قتال موزع المهام تراكبي صمم لصالح سفن السطح بهدف تسريع تسلسل عملية الرصد والاشتباك ضد الصواريخ الجوالة المضادة للسفن. وهو يربط ما بين مستشعرات مستقلة وأنظمة أسلحة على متن السفينة ويؤتمت عملها للقيام بالرد القتالي المطلوب.
نظام RAM، طور بموجب مشروع مشترك أميركي- ألماني، وهو نظام دفاع ذاتي خفيف الوزن، قصير المدى لتدمير الصواريخ الجوالة المضادة للسفن ASCM. جهزت به جميع حاملات الطائرات الأميركية والسفن البرمائية ما خلا فئة LPD-4. يعمل الصاروخ بتقنية «إرمِ وانسَ»، وصمم لتقديم رد فعل سريع وحماية متفوقة للسفينة. ويعمل رأسه الباحث بالأشعة تحت الحمراء والتردد الراديوي. وهو متوافر بثلاثة اشتقاقات : RAM Block 1، يستخدم نمطاً ثنائي التوجيه، راداري وحراري؛ Block 1A يضيف تحسينات توجيه بالأشعة تحت الحمراء و Block 2 هو قيد التطوير لتوسيع قدرة Block 1A ضد الفئات الأحدث من تهديدات ASCM.
نظام ESSM، طوِّر في إطار مشروع تعاوني شاركت فيه 13 دولة، وهو صاروخ دفاع ذاتي موجه، متوسط المدى، يطلق من السفن، جرى تطويره لتدمير صواريخ ASCM وتهديدات سطح جوية منخفضة السرعة. وهو قيد الخدمة على بعض حاملات الطائرات والمدمرات الأميركية، ومن المتوقع أن تجهز به الحاملات والمدمرات المستقبلية. يتوافر باشتقاقين ESSM Block 1 صاروخ موجه برادار شبه نشط و ESSM Block 2 وهو مجهز برادارين شبه نشط ونشط.
نظام CEC، أو نظام «قدرة الاشتباك التعاوني» CEC هو شبكة مستشعرات مدمجة لإدارة الرمي تهدف إلى تحسين قدرات الدفاع الجوّي والصاروخي للقوات البحرية بشكلٍ كبير عبر دمج بياناتٍ من مستشعرات رصد جوّي عديدة مركّبة على السفن، وتقديم صورة تعقُّب في الوقت الحقيقي.
نظام AMDR، أو «رادار الدفاع الجوّي والصاروخي» AMDR، هو نظام رادار من الجيل التالي لدى البحرية الأميركية جرى تطويره لتزويد أنظمة القتال في مدمّرات DDG 51 Flight III بدعم استشعاري فوري لمهام الدفاع الصاروخي البالستي والدفاع الجوّي، بما في ذلك الدفاع الذاتي.
نظام المدفع Phalanx Block 1B CIWS ، صُمِّم نظام Phalanx Block 1B CIWS المتقدّم بهدف التصدّي للصواريخ المضادة للسفن وتهديدات الجو والسطح القريبة الداهمة الأخرى، وهو آخر تحديثٍ لنظام Phalanx CIWS. وجهّز بمستشعرات ذات تقنية رقمية متقدّمة عاملة بالأشعة تحت الحمراء ومدافع رشّاشة مطوّرة على نحو أمثل، كما أنّه يستخدم محطات تحكُّم ذات تكنولوجيا جديدة مقتدرة لاستشعار الوضع التكتيكي ولإمداد المُشغِّلين بتعريفٍ وتعقُّبٍ مرئيين للهدف قبل الاشتباك معه.
نظام SeaRAM هو اشتقاق مطوّر من نظام Phalanx CIWS الذي دخل الخدمة في العام 1980. ويُوظِّف نظام SeaRAM أيضاً رادار البحث والتعقُّب العالي الاستبانة وطقم المستشعرات البصرية الإلكترونية المتطوّر الموجود لدى نظام Phalanx Block 1B CIWS، الذي يمدّ صاروخ RAM بالتردُّد الراديوي الموثوق، وقدرات الرصد والتعقُّب بالأشعة تحت الحمراء، من أجل التصدّي لتهديدات الجو والسطح على حدٍّ سواء.
نظام SEWIP من Lockheed Martin، تخطّط البحرية الأميركية على المدى الطويل لاعتماد برامج تحديث واسعة النطاق لمعدّات إجراءات الدعم الإلكترونية على سفن السطح لديها من خلال «برنامج تحسين الحرب الإلكترونية لسفن السطح» Surface Electronic Warfare Improvement Program أو SEWIP. ويقضي هذا البرنامج برفع مستوى عائلة AN/SLQ-32 المذكورة آنفاً، والعاملة في البحرية حالياً، عبر إضافة قدرات معالجة بيانات جديدة، وذلك من خلال مبادرة تحديث تعرف باسم AN/SLQ-32(V) Electronic Surveillance Enhancement (ESE) أو تحسين المراقبة الإلكترونية. انطلقت عملية التحسين العام 2010، ومن المتوقّع تحديث 150 نظاماً. وتجري التعديلات على أنظمَة (AN/SLQ-32(V عبر سلسلة من مستويات التحديث.
نظام السلاح Aegis للدفاع عن السفن، لا بدّ في هذا المقام من التحدُّث عن النظام الدفاعي الأكثر أهمية وتطوُّراً في العالم، ألا وهو نظام السلاح Aegis المتكامل، الذي تُنتجه حالياً شركة Lockheed Martin والذي يعتبر من بين أبرز أنظمة الدفاع عن السفينة المجهَّزة بأحدث تكنولوجيا الكمبيوترات والرادارات والمستشعرات الرقمية المتطوِّرة. ويستند نظام السلاح البحري المتكامل هذا إلى تكنولوجيا كمبيوترات ومستشعرات ورادارات قوية لتعقُّب وتوجيه أسلحةٍ ضد أهداف عدوّة داهمة تُهدِّد أمن السفينة.
وإلى جانب البحرية الأميركية، تستخدم هذا النظام اليوم كلٌّ من قوات الدفاع الذاتي البحري اليابانية، والبحريات الإسبانية، والنروجية، والكورية الجنوبية. وثمة ما يزيد على 100 سفينة حربية مجهَّزة بنظام السلاح Aegis منتشرة في جميع أنحاء العالم. كما اختارت البحرية الأسترالية هذا النظام لتركيبه على متن مدمِّراتها الجديدة. ويكمن في صميم نظام السلاح Aegis، من ناحية التكنولوجيا الحديثة أيضاً، رادار AN/SPY-1، ونظام إدارة الرمي MK 99 Fire Control System، ونظام التحكُّم بالسلاح WCS، و«طقم قيادة واتّخاذ قرار»، إضافةً بالطبع إلى عائلة الصواريخ المعيارية Standard Missile (SM-2) و SM-3. ويتم التحكُّم بنظام السلاح Aegis عبر رادار صفيف المسح الإلكتروني الخامد الثلاثي الأبعاد المتعدّد الوظائف المتقدّم ذي الرصد والتعقُّب الأوتوماتيكيين AN/SPY-1. وهذا الرادار المعروف بتسمية «درع الأسطول» The Shield of the Fleet العالي الطاقة التشغيلية (6 ميغاواط) قادرٌ على تأدية وظائف البحث والتعقُّب وتوجيه الصواريخ تزامناً مع قدرة تعقُّب تزيد على 100 هدف على بُعدٍ يزيد عن 100 ميل بحري، وهو يتميّز برادار أُفقي منخفض.
. ويقوم نظام Aegis بالاتصال بصواريخ Standard عبر وصلة تردُّدات راديوية باستخدام رادار AN/SPY-1 لتزويد الصاروخ بأحدث بيانات التوجيه ضد الهدف في منتصف مسراه خلال الاشتباك، لكنّه يتطلّب رادار AN/SPG-62 للتوجيه في المرحلة النهائية قبل الارتطام. ويعني ذلك توقيت ملائم لعمليات الاعتراض والاشتباك مع عددٍ كبير من الأهداف في آن. أمّا «طقم القيادة واتّخاذ القرار» الرقمي المستند إلى كمبيوتر، فهو أيضاً في صميم نظام السلاح Aegis، ومن شأن هذه الوصلة البيّنية الرقمية أن تجعل نظام Aegis قادراً على القيام بعمليات متزامنة ضد جميع أنواع التهديدات تقريباً. ويستهدف برنامج نظام Aegis لـ «الدفاع الصاروخي البالستي» BMD، تمكينه من القيام بمهام الدفاع الصاروخي البالستي البحري، بمواجهة صواريخ بالستية قصيرة ومتوسطة المدى بمختلف أنواعها.