التدريب المركّب والمحاكي لإجراء أكبر قدر من التدريب في البحر
تسعى البحريات الغربية إلى إرساء التوازن المناسب في أنواع التدريب بين التدريب (المركب والمحاكي) الذي باستطاعته أن يؤمّن الشدّة من ناحية حجم المنصات أو القوة النارية، بمواجهة التدريب الحي الذي يمكن أن يُقدّم الشدّة من ناحية التحرّك في العالم الواقعي وضغوط ردّات الفعل. وقد سلّط الدكتور لي ويلت الضوء على هذا النوع من التدريب.
فلنتصوّر سيناريو تُنشر فيه ثلاث سفن - حاملة طائرات، ومدمّرة، وفرقاطة - في البحر وهي تُنفّذ معاً عمليات ضمن «مجموعة مهمة خاصة» Task Group، لكنها في الوقت ذاته تملك قدرة مدمجة على متنها لتنفيذ تدريب عملاني متكامل مع بعضها بعضاً، ومع منصات أخرى، باستخدام «تكنولوجيات المحاكاة المركّبة» (synthetic simulation technologies) الموجودة في كل من غرف عملياتها. وهذا النوع من التدريب العملي المتكامل في البحر هو ما تسعى إلى تطويره بحريات عديدة، إلى جانب التكنولوجيات الداعمة. وغالباً ما كان يتم في الماضي التقسيم ما بين الوقت المخصص للتدريب والوقت الآخر العملاني. بل إنّ التدريب العملاني في البحر كان يُعتبر نشاطاً متبايناً عن الانتشار العملاني. ولكن في العمليات البحرية المعاصرة، تفرض عوامل عديدة إعادة النظر في هذا التقسيم. أولاً: يعني نقص المنصات المتوافرة الكافية، حيث أن البحريات غالباً ما يعوزها العدد الكافي من الطائرات، والغواصات، أو سفن السطح لكي تكرّسها حصرياً لنشاطات التدريب. ثانياً، يبدو تأثير الافتقاد إلى منصات احتياطية يغدو أكثر شدّة بسبب عودة المنافسة البحرية حول العالم وكذلك النزاعات التقليدية في الميدان الأوروبي-الأطلسي (الذي فاقمته الحرب الروسية-الأوكرانية). ثالثاً، من شأن عودة الطلب لحضور عسكري بحري أكبر نطاقاً مقروناً بالتأكيد على المهام البحرية عالية الحدّة أن يُضاعف من مطالب الجهوزية العملانية للمنصات البحرية. فعلى سبيل المثال، تتطلع «البحرية المَلَكِية البريطانية» إلى رفع جهوزية سفن السطح لديها من 60 بالمئة إلى 80 بالمئة، لكن مع رؤى لمضاعفة جهوزية المنصات بحراً في الأساس لعمليات الاستخدام العملاني، بدلاً من توفير منصات لمهام مثل التدريب في البحر.
والتركيز المتزايد على الجهوزية والانتشار العملانيين إنما يُثير التساؤلات حول كيف بإمكان البحريات أن تجد الوقت الكافي والقدرة الوافية لإجراء تدريبات للأفراد، والمجموعات الصغيرة، والسفينة بأكملها. ومن بين الحلول الأساسية المطروحة هنا توسيع نطاق استخدام التدريب المحاكي باعتماد «التكنولوجيات المركّبة». وبات استخدام التكنولوجيات المركّبة، في الوقت الحالي، مترسّخاً ضمن منشآت التدريب الشاطئي التابعة للبحريات. ومع ذلك، يدور نقاش كثيف مع تحويل البحريات اهتمامها بازدياد نحو العمليات البحرية، حول تطوير استخدام مثل هذا التدريب المحاكي بحراً بوتيرة أكبر، على متن منصات عملانية. وسيسمح ذلك للمنصات بأن تمتلك القدرة على القيام بأمرين في آن: النشر العملاني، مع توفير تدريب متزامن على مستوى الأفراد، والمجموعات الصغيرة، والسفينة بأكملها. ومما يشدّد على الدور المهم بازدياد للتدريب المركّب هو الانبثاق السريع نسبياً لتكنولوجيات جديدة في الحرب البحرية. فثمة تكنولوجيات مثل العربات غير الآهلة - العاملة في الجو (UAV)، وفوق سطح الماء (USV)، وتحت سطح الماء (UUV) - توفر عبئاً تكتيكياً متزايداً إنما يتطلب تكراراً أو نَسْخاً واقعياً من خلال التدريب المحاكي. وقد سلّطت الحرب الروسية-الأوكرانية الضوء على عامل آخر في إطار الحاجة إلى مضاعفة التدريب بالمحاكاة بغية مواجهة الاستخدام الثقيل لتكنولوجيات المنصات الآنفة الذكر: جرى نشر كبير للصواريخ في المجال البحري مع أسلحة تُطلق من البحر إلى البر ومن البر إلى البحر على حد سواء. وإضافة إلى ذلك، هناك تكنولوجيات من بينها الصواريخ الفوقصوتية توفر تهديداً متزايداً يصعب استحداثه في التدريب الحي، وبالتالي يتطلب تكراراً أو نسخاً من خلال المحاكاة. وعلى هذا النحو، يمكن للمحاكاة أن تُضيف بوضوح قيمة في توفير التدريب لمواجهة المنصات والعربات الناشئة والتكنولوجيات الجديدة على حد سواء، ما يستحدث واقعية بطريقة لا يمكن استحداثها في التدريب الحي. ومع ذلك، فإنه إذا ما أخذنا في الاعتبار عودة القتال العالي الحدّة في البحر خلال الحرب الروسية-الأوكرانية (بما في ذلك إغراق سفن سطح مثل مدمّرة البحرية الروسية «موسكفا» Moskva في نيسان/ أبريل العام 2022)، يبقى السؤال حول مدى قدرة أحدث التكنولوجيات المحاكية الأكثر تقدّماً في إعادة استحداث ظروف القتال السائد حالياً في البحر. وبالتالي، فإن إيجاد التوازن المناسب بين التدريب المحاكي والتدريب في العالم الحقيقي يغدو موضوعاً ساخناً بازدياد في النقاشات البحرية.
ما من ريب في أن استخدام التكنولوجيات المركّبة للتدريب المحاكي إنما طُوّر لكي يبقى. ويمكن لمثل تلك التكنولوجيات أن تُستنسخ أو تُكرّر، على سبيل المثال، التعقيد العملاني أو الإنفاق على الذخائر بطريقة يعجز عنها التدريب الحي. وبالوسع إجراء التدريب المحاكي بما يتعدى معايير التدريب المُعدّة مسبقاً، وهو يوفر الفرصة لإيقاف، ومراجعة، وتثبيت الأفعال المتّخَذة، مجدداً بطريقة يتعذّر على التدريب الحي القيام بها. وبالتالي، يبقى السؤال ما هو نوع التدريب المحاكي الذي ينبغي اتّباعه، ومن أين ينبغي البدء (عند الشاطئ أو في البحر)، وما هو السبيل الأمثل لاستخدام مثل تلك التكنولوجيا لتعظيم التأثير العملاني. ببساطة، سيلعب التدريب المركّب دوراً مهماً في تطوير التدريب البحري وعمليات الدعم، بحسب أندي ميتشيل (Andy Mitchell)، نائب مدير «التطوير البحري» (Navy Develop) - الراعي لتطوير قدرات «البحرية الملكية» البريطانية - كما أخبر الوسيلة الإعلامية خلال «مؤتمر أس. أيه. إي. ميديا غروب لتكنولوجيا الاستطلاع والمراقبة البحريين» (SAE Media Group MRST)، الذي عُقد في شباط/فبراير العام 2023. وأضاف ميتشيل: «إنّ تدريبنا سيكون مركّباً: سواء كان بنسبة 90/10 أو 70/30 - لا بد أن يكون ثمة عنصر من التدريب الحي - أما الجزء الأكبر بالطبع فسيكون مركّباً». ومن شأن امتلاك مثل هذه القدرة على التدريب المركّب أن يكون خطوة حاسمة لدعم التطوير العملاني. وتابع ميتشيل: «سيكون هناك معاً مدمّرة من نوع Type 45، وحاملة طائرات، وفرقاطة من نوع Type 23، وسنقوم بتنفيذ تدريب مركّب في ما بين هذه المنصات الثلاث. وبالتالي سيكون المسؤولون موجودين في غرفة العمليات في كل من السفن الثلاث، وسنُجري سيناريو افتراضياً. وينبغي علينا أن نقوم بذلك طوال الوقت». وسلّط ميتشيل الضوء على مجالين أساسيين في تطوير عالم التدريب المحاكي، أولاً سيكون لتحسين الاتصالية في البحر شأن حاسم في تمكين استخدام تكنولوجيات التدريب المركّبة على متن السفينة. وقال: «عندما نتحدث عن الشبكة، فإننا نتحدث حول التدريب الذي بإمكاننا الحصول عليه للتطوير التكتيكي ... والخطوات التي تتطلب استخدام البيئة المركّبة ذاتها». ثانياً، قال ميتشيل مشيراً إلى خطوط التوازي ما بين تكنولوجيات التدريب المركّب والمحاكي والتكنولوجيات المعاصرة المستخدمة في عالم الألعاب الكمبيوترية، إن اللاعبين لا يحتاجون إلى تدريب مسبق قبل التمكن من استخدام لعبة كمبيوترية، إذ إن الإرشادات التعليمية المبيتة متاحة لإرشاد المستخدم. وبالتالي فإنّ مسارات التدريب يمكن أن تغدو أكثر فعالية باستخدام تكنولوجيات مركّبة، بحسب زعمه. وفي الإجمال، أكد ميتشيل أن السؤال الأساسي المتعلق بالتكنولوجيات المركّبة هو «ما هي الطريقة المثلى لاستخدامها؟».
إرساء التوازن أتاح مؤتمر SAE MRST نقاشاً مثيراً للاهتمام في ما يتعلّق بالتوازن ما بين التدريب الحي والآخر المحاكي، ودور هذا الأخير. وفي خلال فعاليات هذا المؤتمر، قال كريستوفر جونز (Christopher Jones)، الضابط القائد لـ «السرب الجوي البحري 824» في «البحرية الملكية» الجاثم في القاعدة الجوية «كولدروز» RNAS Culdros في المملكة المتحدة: «تتطور التهديدات في ما يتعدى ذلك الذي بإمكاننا أن نتوقع إمكانية تطبيقه والتدرّب عليه في بيئة حيّة». ويوفر السرب الجوي البحري 824 NAS تدريباً للطواقم الجوية والمهندسين لطوافة Leonardo Merlin Mk 2 (التي عملت «لوكهيد مارتن» Lockheed Martin على تحديثها في الآونة الأخيرة)، التي تستخدمها «البحرية الملكية» في «الحرب المضادة للغوّاصات» (ASW) وعمليات «المراقبة والسيطرة المحمولة جواً» (ASaC). وتُوظّف الطوافات الـ 30 في قوة Merlin التابعة للبحرية الملكية لتأمين حماية من «الحرب المضادة للغواصات» ASW وعمليات ASaC لمنصات استراتيجية بريطانية أساسية، من بينها حاملتا الطائرات البريطانيتان اللتان تساهمان في الردع التقليدي البريطاني، وكذلك الردع النووي المستند إلى الغواصات. وفي البيئة العملانية الراهنة، تضاعفت مستويات التهديد ضد قدرات الردع هذه، وهذا يعني أن القدرات التي تؤمّنها منصات Merlin تحظى بالتالي بطلب متعاظم. وتعتمد طواقم Merlin بازدياد على أنظمة مركّبة لتأمين قدرة تدريبية تحاكي طبيعة التهديد. وأوضح القائد جونز: «إن المكان الوحيد الذي بإمكاننا أن نطبّق فيه ونتدرب على التهديدات الشديدة المتطورة هو البيئة المركّبة». وتابع «أتوقع بشدة أنّ القيادة البحرية تريد أن تتّجه بالتدريب إلى البيئة المركّبة». وذلك في غاية الأهمية للتعويض عن نقص المنصات المقتدرة المتوافرة لإجراء تدريب حي، لكنه أيضاً يوفر الكفاية والدقة في قدرات التدريب. ويستحدث استخدام أنظمة تركيبية بعض التحديات للتدريب على القدرات العملانية الأكثر حدة والأوسع نطاقاً، على سبيل المثال في مجالات مثل «الحرب المضادة للغواصات» ASW. وتتصف عمليات «الحرب المضادة للغواصات» على متن المنصات، سواء كانت طائرة أو غواصة أو سفينة سطح، بمستويات تصنيف عالية من المستشعرات، والاتصالات والبيانات ما يجعل من الصعب استنساخ أو تكرار مثل هذه المستويات العالية من التصنيف في أنظمة مركّبة تستند إلى التدريب على الشاطئ.
تُعتبر أدوات التدريب «الحي والافتراضي والبنّاء» (LVC) التعريفات الأساسية الثلاثة لأنواع مختلفة من التدريب. فالتدريب «الحي» يشتمل على سفن حقيقية وبحّارة حقيقيين. أما التدريب «الافتراضي» فيتضمن بحّارة حقيقيين يُشغّلون أنظمة محاكية. ويتألف التدريب «البنّاء» من أنظمة محاكية يُشغّلها بحّارة من عالم المحاكاة، فيما يوفر البحّارة الحقيقيون المُدخلات إلى عملية التدريب المحاكي من دون التدخل في تحديد النتيجة. وتتصدر البحرية الأميركية USN في تطوير أدوات التدريب بجميع أنواعه «الحي والافتراضي والبنّاء» (LVC)، ويتوق حلفاء مثل «البحرية الملكية البريطانية» بازدياد للمشاركة مع «البحرية الأميركية» في تدريبات حية وافتراضية وبناءة متوافقة تشغيلياً، خصوصاً لأجل تعظيم الفائدة من استخدام كل نوع من أنواع التدريب. وفي المقابل، ربما يتطلب التركيز المتزايد على العمليات الأرفع نطاقاً، ومن أجل تحقيق الفائدة القصوى، الاستخدام المتزايد للتكنولوجيات المركّبة من بين أنواع التدريب الثلاثة المنوّه بها. ومع ذلك، يمكن أن يستحدث التركيز المتزايد على التوافق التشغيلي في العمليات البحرية، تحدّيات عند استخدام تكنولوجيات التدريب المركّب كأداة تدريب متعددة الجنسيات [بين دول عديدة]. ومن أجل مضاعفة الواقعية، تستخدم البحريات بيانات من العالم الحقيقي في تدريبها الوطني، معززة على سبيل المثال باستخدام «الذكاء الصناعي» (AI). ويُثير ذلك السؤال حول المدى الذي تستعد فيه الدول لمشاركة البيانات المعززة بـ «الذكاء الاصطناعي» مع بعضها بعضاً في سيناريوهات تدريبية محاكية متعددة الجنسيات. وفيما يتطلع الحلفاء إلى الاندماج على نحو أوثق فيما بينهم في التدريب المحاكي، فثمة جدل دائر أيضاً بأن الاندماج مع الحلفاء لبناء قدرة عالية الحدة في العالم الحقيقي أفضل ما يُنجز عبر التدريب الحي لا التدريب المحاكي. وقال النقيب (Bryan Hager) - آمر قوة المهام الخاصة Task Force 67 لدى «البحرية الأميركية»، في القاعدة البحرية Sigonella NAS بجزيرة صقلية الإيطالية (والمسؤول عن سرب طائرات الدورية البحرية Boeing Poseidon P-8 لدى البحرية الأميركية المنتشر هناك) – خلال فعاليات مؤتمر MRST، تعليقاً على الاندماج مع الشركاء الحلفاء: «لا أعتقد أن التدريب المركّب سيُحقق ذلك حالياً». ويتطلب التوافق التشغيلي تمارين عملانية لا تدريبات محاكية، كما يؤكد النقيب هاغر: «ينبغي القيام بتمارين العالم الحقيقي، واغتنام فرص العالم الحقيقي لإجراء اتصالات في العالم الحقيقي بغية التمكن فعلاً من القيام بذلك، في الوقت الحقيقي».
تحظى الحاجة إلى إدماج تدريب مستند إلى المحاكاة لتحسين القدرة والمخرجات العملانية بتقدير كبير على أعلى المستويات في البحريات الغربية. وفيما يبدأ العديد من تلك البحريات خطة لإعادة بناء قدراتها على مستويات عديدة إلى جانب الجهود المتواصلة لبناء قدرات جديدة، فإنّ العودة إلى التنافس على صعيد الدول - بما في ذلك النزاعات التقليدية في البحر - يدفع بحريات رئيسية للاستعداد لخوض قتال في المستقبل القريب، وذلك عند مستويات القوة البحرية وهيكليتها القائمة حالياً (وليس تلك التي تطمح لأن تمتلكها على المدى الطويل). ويُحفّز ذلك بدوره تلك البحريات على اعتماد تكنولوجيات تُحدث ثورة في الطريقة التي تخوض بها القتال، بما في ذلك التدريب استعداداً لذلك القتال. وسواء كان هذا التدريب حيّاً أو محاكياً، يُحدِث الضغط العملاني والآخر الخاص بتطوير المنصات اتجاهاً واضحاً من قِبل كبار القادة للحث على إجراء التدريبات بوتيرة أكبر في البحر، بما في ذلك النشاطات بالمحاكاة. وقال الأدميرال بيار فاندييه (Pierre Vandier)، رئيس أركان البحرية الفرنسية، في خلال افتتاح «مؤتمر باريس البحري» (Paris Naval Conference)، الذي نظمته البحرية الفرنسية في مركز الدراسات الاستراتيجية «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية» (IFRI) في باريس مطلع العام الفائت: «سنُمضي وقتاً أقل في الكلّيات العسكرية وكذلك وقتاً أقل للتعليم، وسنُمضي وقتاً أطول في التدريب على السفن». وستُصمم المنصات الجديدة المقرر دخولها الخدمة في الأساطيل وستُجهّز من أجل ملاقاة هذا المتطلب. وأوضح الأدميرال فاندييه: «ستكون سفننا الجديدة بمثابة أجهزة محاكية لدينا. فإنما على متن هذه السفن سنكون قادرين على تدريب كوادرنا ... ستتوافر ظروف مناسبة، وتدريب مناسب، مكيّف وفق ما يقومون به بالفعل على متن السفينة وليس ما يُفترض القيام به من وجهة نظر الأكاديميات العسكرية». ويعتبر استخدام التكنولوجيات المحاكية في البحر مكملاً لتمكين البحريات من تحسين أدائها العملاني من مستويات وهيكليات القوة المتوافرة حالياً. وقال الأدميرال مايكل غيلداي (Michael Gilday)، رئيس «العمليات البحرية» (CNO) في البحرية الأميركية، خلال «مؤتمر باريس»: «في ظل واقع أننا قد نخوض القتال بما هو متوافر لدينا، فمن المهم أن نُجري حالياً استثمارات في تلك التكنولوجيات التي تُغيّر قواعد اللعبة فضلاً عن مساعِدات التدريب التي ستجعلنا أكثر اقتدراً وأكثر قدرة عل الفتك. وإنما بذلك نحسّن ما هو متوافر لدينا الآن». فبالطبع يُعتبر تدريب الأسطول، بالنسبة إلى البحرية الأميركية - بما في ذلك نشاطات التدريب المحاكي - من أولى الأولويات لتطوير القدرات والجهوزية القتالية. ومن بين برامج التكنولوجيا الأساسية هو المشروع التدريبي «أنظمة التدريب على قتال السطح في البيئة الافتراضية المتقدّمة» (STAVE-CS). وتوفر أنظمة STAVE-CS قدرة تدريبية محاكية للأفراد والوحدات، بما في ذلك عند الواجهات البحرية، ليس فقط لتشغيل نظام القتال بل أيضاً للمهام التشغيلية الأساسية للسفينة بما في ذلك التحكّم بالأضرار، والهندسة، والملاحة، وفنون ومهارات الإبحار. وخلال المنتدى السنوي حول رابطة السطح البحرية Surface Navy Association (SNA) الذي عُقِد مطلع العام الفائت في مدينة أرلينغتون بولاية فيرجينيا، ناقش نائب الأدميرال روي كيتشنر (Roy Kitchener) - قائد قوات السطح في البحرية الأميركية - دور أنظمة STAVE-CS في سياق سُبل ترسيخ التدريبات للجهود المبذولة في قوات حرب السطح من أجل «التهيُّؤ لخوض القتال». وأوضح نائب الأدميرال كيتشنر في هذا الخصوص أن مفاهيم تدريبية مثل أنظمة STAVE-CS هي جزء مما يُشار إليه بِـ «التعلّم نحو تحقيق الجهوزية». وتتطلب بيئة التشغيل المعقدة بازدياد وقدرات الأسطول الجديدة المعتمدة حالياً، إعادة تنظيم موازية لقدرات التدريب لمجاراة هذا التعقيد الجديد. وتابع نائب الأدميرال كيتشنر: «لا يمكننا الاعتماد على بيئات تدريب متقادمة أو تدريب ’خلال المهمة‘ لتأمين المعرفة والدراية المطلوبتين لإحداث تنام كبير في الجهوزية». وبدلاً من ذلك، يواصل الأدميرال بالقول «يتلقّى البحّارة حالياً بالفعل تدريباً أرقى جودة في محطات المراقبة مع فِرقهم التدريبية لإيجاد حلول للتحدّيات التي سيُواجهونها في البحر. وتبقى الاستثمارات في «أنظمة التدريب على قتال السطح في البيئة الافتراضية المتقدّمة» (STAVE) مكوّناً أساسياً لهذه الجهود. ومنذ العام 2013، استثمرت البحرية الأميركية أكثر من 5.5 مليارات دولار على البرمجيات التدريبية، وأجهزة التدريب وأجهزة المحاكاة، بحسب كيتشنر، الذي أضاف: «سنستمر على هذا المنوال». ولَفَت كيتشنر أيضاً إلى أنّ الهندسيات الشبكية على متن السفن ينبغي تحديثها على نحو مماثل لكي تؤمّن القدرة على تمكين البحّارة من التدرّب بشكل فعّال على الطيف الكامل من أنظمة السفن. أمّا اللواء البحري فريد بايل (Fred Pyle)، مدير «حرب السطح» (Surface Warfare) لدى البحرية الأميركية، فقد أكد لمنتدى SNA بأن مبادرة أنظمة STAVE-CS، إلى جانب التركيز على شمولية تدريب الأسطول بأكمله، إنما يُرسّخ الكفاية الاحترافية التي هي الأساس في تهيئة البحّارة وبناء جهوزية أوسع نطاقاً في البيئة البحرية العملانية المعاصرة، وأضاف بايل: «سنواصل المضي قُدماً بخطى حثيثة، وأعتقد أننا كمجتمع متخصص نتصدر في هذا المجال التدريبي». وتؤمّن «قيادة التدريب على أنظمة قتال السطح» (SCSTC) أنظمة STAVE التدريبية، تلك التي اعتُمدت في العام 2015. وبحسب مقالة للبحرية الأميركية نُشرت عقب منتدى SNA، فإن قيادة SCSTC توفر تدريباً على أنظمة القتال مخصصة لكل منصة ونظام من أجل منح البحّارة الكفاءة التكتيكية والتقنية عبر طيف أنواع العمليات، حيث تهدف أنظمة STAVE إلى مضاعفة جودة التدريب من أجل منح التأهيل بوتيرة أسرع. وتشدد هذه النقطة مجدداً على الحاجة إلى ضبط التعديل ما يضمن لمس فوائده على نحو أسرع في البحر. وقال جورج كيسلر (George Kessler)، العميد البحري الآمر لقيادة SCSTC في بيان له: «تؤثر سُبل تدريبنا لمقاتلينا مباشرة في الجهوزية القتالية»، وتابع «إن المنافسة الاستراتيجية في البحر ليست مفهوماً غير منتظم بل واقعاً معاشاً كل يوم»، ومن ثم يضيف «يتعين على التدريب أن يجاري تحديث أنظمة القتال، وبالتالي تعكف قيادة SCSTC على تكييف وتطبيق وسائل مبتكرة لتدريب قواتنا المستقبلية، على غرار نقل ’أنظمة التدريب على قتال السطح في البيئة الافتراضية المتقدّمة’ STAVE إلى الواجهة المائية». وفي الختام، يُدلل التركيز على تسليم مساعدات تدريبية متطورة على غرار أنظمة STAVE-CS إلى الواجهة المائية ومضاعفة مقدار التدريب المُنجز بحراً، على المطلب المُلحّ لبناء قدرة تدريبية عملانية في البحر من أجل إتاحة جهوزية أكبر للمنصات القتالية.