«الذكاء الاصطناعي»: من الخيال العلمي إلى الواقع
«أقترحُ التدبُّر في هذا السؤال، هل بإمكان الآلات أنْ تُفكِّر؟». إنّها الكلمات الافتتاحية لأطروحة آلانتورينغ Alan Turing للعام 1950 تحت عنوان «الآلات الحاسبة والذكاء» Computing Machinery and Intelligence الذي طرحَ فيها، مخترِع الآلة المفكِّكة للشيفرة في «الحرب العالمية الثانية» ورائد الكمبيوتر الرقمي، وسائل لاختبار قدرة كمبيوتر افتراضي (ماكينة ورق) أنْ تُظهِر سلوكاً ذكياً لا يمكن تمييزه عن السلوك المماثل لدى البشر. والاختبار الذي وضعه تورينغ كان نسخة عن «لعبة التقليد القديمة» Imitation Game يُجرِي خلالها شخصان لا يشاهدان بعضهما بعضاً محادثةً تتألّف من أسئلة وإجابات مطبوعة، فيما يسعى كلّ شخص منهما إلى تحديد ما إذا كان الآخر رجلاً أم امرأة.
في اختبار تورينغ، قد يكون أحد المشارِكَين حاسوباً يحاول إقناع الآخر أنّه بشريّ. ففي العام 2014، تمكَّن «كومبيوتر خارق» Super Computer يُشغِّل برنامجاً يُدعَى «أوجين غوستمان» Eugene Goostman من إقناع أحد القضاة الثلاثة في محاكمةٍ أُجريت في قاعة الأكاديمية العلميّة الشهيرة «رويال سوسايتي» Royal Society في لندن، من أنّه فتى في الثالثة عشرة من عمره، وهي المرّة الأولى التي يتمكّن فيها حاسوبٌ من ذلك. وبرنامج Eugene Goostman هو من ابتكار فلاديمير فيسيلوفVladimir Veselov وأوجين ديمتشينكوEugene Demchenko، ووفقاً لـ «اختبار تورينغ»، ينبغي اعتباره متَّسِماً بـ «الذكاء».
على غرار العديد من الأمثلة الحالية الأخرى من الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI)، فإنّ برنامج Eugene Goostmanضيقٌ جداً ومحدَّد في تطبيقه. فالآلات التي بإمكانها أنْ تُقنِع البشر بأنّها مثلها بشرٌ في ظل ظروفٍ أقل تحكُّماً، على غرار المخلوقات المُهَنْدَسَة وراثياً واصطناعياً لتكون نسخة عن البشر replicants في فيلم الخيال العلمي الكلاسيكي «بلايدرانر» Blade Runner، على سبيل المثال، يتعيّن أنْ تُظهِر ما هو معروفٌ بتسمية «الذكاء العام الاصطناعي» Artificial General Intelligence (AGI). وهناك العديد من التعريفات للذكاء AGI، لكن أكثرها قبولاً هو الذي يقول أنّ آلة AGI قد تكون قادرة على إظهار النطاق الكامل للقدرات الإدراكية البشرية وربّما تختبر حتى الوعي. لذا فإنّ ذكاء AGI يبقى في عالم الخيال العلمي.
ومع ذلك، فإنّ «الذكاء الاصطناعي» AI الضيق يُسجِّل تقدُّماً سريعاً في قدرته على تنفيذ مهام محدَّدة وهو يُحوِّل بالفعل أداء العديد من التكنولوجيات العسكرية المعتمِدة بكثافة على الكومبيوتر وهو بالتالي يغدو بازدياد محط تركيز منافسة عسكرية من قِبَل أُممٍ تسعى إلى التفوُّق.
وتُعرِّف وزارة الدفاع الأميركية «الذكاء الاصطناعي» كالآتي: «قدرة الآلات على تنفيذ مهام تتطلّب عادةً ذكاءً بشرياً - على سبيل المثال، التعرُّف على الأنماط، والتعلُّم من التجارب، واستخلاص الاستنتاجات، ووضع توقُّعات، أو اتّخاذ فعل - سواء رقمياً أو كبرمجياتٍ ذكية ما وراء الأنظمة المادية الذاتية الأداء». وتشمل الأنظمة المادية الذاتية الأداء تلك العربات غير الآهلة في جميع الحقول والأسلحة الموجَّهة، على سبيل المثال.
في بعض الحقول، يتفوّق «الذكاء الاصطناعي» AI بسهولة على القدرات البشرية بالفعل حيث يلحظ بعض المراقبين أنّ برامج «الذكاء الاصطناعي» قادرة على اتّخاذ قراراتٍ بشكلٍ أسرع وأكثر ذكاءً من الكائن البشري - ضمن مجموعة محدَّدة من المعايير وهدفٍ واضحٍ مُعطَى. ومن بين المجالات التي يُطمَح بها بشدّة إلى «الذكاء الاصطناعي» AI، المراقبة حيث يستخدم تعلُّم الآلات العميق أنماط حوسبيّة أو حسابية تُظهِر خصائص مماثلة لتلك الموجودة في الدماغ البشري. ويُطبِّق مشروع «مايفين» Maven لدى وزارة الدفاع الأميركية، على سبيل المثال، برمجيات تعلُّم آلات ورؤية حاسوبية على كمياتٍ كبيرة من تسجيلات فيديوية التقطتها «عربات جوّية غير آهلة» UAV بغية تحديد أهدافٍ محتملة على غرار المباني، والعربات، والأشخاص، وجمع تلقائي لبياناتٍ تحظى بالاهتمام لمزيدٍ من التحليل.
ويمكن وضع تحليلٍ تفصيلي للعديد من مصادر المعلومات المحتملة الأخرى أوتوماتيكياً بفضل خوارزميات «ذكاء اصطناعي» من بينها تغذية من كاميرات المراقبة، وتسجيلات هاتفية، ورسائل بريد إلكتروني، ووسائل التواصُل الاجتماعي، إلخ..، بما يوفّر تعريفاً إيجابياً لأهدافٍ محتملة، ويُحدِّد أنماط حياة عادية لمقارنتها مع حالاتٍ شاذة وتفسير مجموعات بيانات هائلة على نحو متواصل.
أمّا التخطيط العملاني فهو حقلٌ آخر يُعتَبر «الذكاء الاصطناعي» AI فيه قادراً على توفير منافع عديدة، تُراوِح من حلّ مشكلاتٍ معقّدة في اللوجستيات وصولاً إلى تطبيق خوارزميات تطوُّريّة متعدّدة الأهداف على مشكلات تخطيط مهام «الاستخبار والمراقبة وحيازة الأهداف والاستطلاع» ISTAR وذلك بتفعيلٍ أمثل لتوزيع مهام عربات UAV، وحمولات المستشعرات والأسلحة، وخوارزميات التعرُّف الأوتوماتيكي إلى الهدف وتخطيط المسرى للخروج بحلولٍ تكون مجدية وفعّالة للأهداف المتعدّدة الأكثر أهمية بدلاً من تفعيلها لصالحها جميعاً معاً.
كما يُستَخدم «الذكاء الاصطناعي» AI لمساعدة المُشغِّلين البشريين لمجموعة واسعة من المعدّات العسكرية بما في ذلك السفن، والطائرات، والعربات الأرضية، وأنظمة الدفاع الجوي/الصاروخي. وقد استخدمت العديد من أنظمة الدفاع الجوّي البحري درجةً عالية من الأتمتة على مدى عقود، فيما يبقى القرار النهائي لإطلاق السلاح إمّا للضابط الآمر ليضغط الزرّ الذي يسمح أو يمنع الإطلاق، أو يكون بالكامل تحت تحكُّم الكمبيوتر.
في عالم الطيران، فإنّ تطبيقاتٍ مثل البرامج المساعِدة للطيّار أو مساعِدي الطيّار الروبوطيين robotic copilots - المُشار إليها معاً بمصطلح R2D2 استلهاماً لفيلم «حرب النجوم» Star Wars - على الرغم من أنّها مطبَّقة بالكامل في برمجيات، فإنّها خضعت للاختبار في برامج المقاتلات والطوّافات الهجومية منذ تسعينيات القرن العشرين فصعوداً بكونها أدوات دعم قرار.
ثمة تركيزٌ مكثَّف اليوم على «الذكاء الاصطناعي» AI في العربات الجوّية. فعلى سبيل المثال، أعلنَ «مختبر أبحاث سلاح الجو» AFRL في آذار/مارس الماضي أنّ مكتب «التطوير والتخطيط والاختبار الاستراتيجي» SDPE لديه يعمل على مَيْدَنة «عربة جوّية قتالية غير آهلة-ذاتية الحركة» A-UCAV تدليلية، بمثابة «قدرة عملانية مبكرة» EOC بحلول العام 2023 تحت برنامجٍ يُطلَق عليه «سكاي بورغ» Skyborg.
في 15 آذار/مارس، سأل مختبر AFRL الصناعةَ للحصول على معلومات في إطار ما يدعوه أبحاث سوق وتحليل مفهوم عمليات تستهدف تعلُّم ما هو نوع القدرات المتوافرة حالياً ذات تصنيف «مستوى جهوزية عالية التكنولوجيا» TRL ويمكنها أنْ تُلبِّي متطلّبات برنامجSkyborgوجدوله الزمني.
وقال بِين تران Ben Tran، مدير برنامجSkyborg: «لقد حُدِّدَ لنا الهدف الإجمالي بمَيْدَنة نموذج تدليلي ذي قدرةٍ عملانية مبكرة مع نهاية السنة 2023، لذا يُشكِّل ذلك خطوتنا الأولى في تحديد ما هي المستجدّات التطويرية الراهنة من وجهة نظر تكنولوجية وأيضاً من وجهة نظر هندسة أنظمة لتأمين قدرة عملانية مبكرة EOC في العام 2023».
ومن بين الأفكار الرئيسية مَيْدَنة عددٍ كبير من «عربات جوّية قتالية غير آهلة-ذاتية الحركة» A-UCAV منخفضة الكلفة تتحمّل في القتال معدّل تآكل وإنهاك غير محدّدٍ. ومثل هذه العربات المتَّسِمة بانخفاض كلفة تصنيعها وندرة صيانتها ولو على حساب استدامة خدمتها وموثوقيتهاattritableباتت تُعتَبر كطريقةٍ لتحقيق زخمٍ قتالي في الاشتباكات مع خصومٍ أنداد أو شبه أنداد في المستقبل القريب.
وأضاف تران: «نحن نعلم أيضاً أنّ ثمة استثماراً كبيراً من قِبَل خصومنا شبه الأنداد في الذكاء الاصطناعي والحركة الذاتية عموماً. ونعلمُ أنّه حينما نقرن الحركة الذاتية والذكاء الاصطناعي مع أنظمةٍ مثل العربات الجوّية غير الآهلة المنخفضة الكلفة والصيانةattritable، فإنّ ذلك يُضاعِف القدرة بشكلٍ كبير ويُمثِّلُ قوة مضاعِفة لسلاحنا الجوّي، ولذلك فإنّ هدفنا الرئيسي للعام 2023 يكمن في محاولتنا تحقيق تقدُّمٍ جدّي [في تطبيق الذكاء الاصطناعي في العربات الجوّية غير الآهلة] في إطارٍ زمني سريع نسبياً لإثبات أنّنا قادرين على أنْ نُحضِّر ذلك النوع من القدرات القتالية».
وبحسب مات دوكيت Matt Duquette، مهندس أنظمة الجوفضاء في مختبر AFRL: «إنّSkyborgهو وعاءٌ يحوي جميع تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تُراوِح بين خوارزمياتٍ بسيطة لتحليق الطائرة والتحكُّم بها في المجال الجوّي، وصولاً إلى اعتماد مستويات أكثر تعقيداً من الذكاء الاصطناعي لإنجاز مهامٍ محدّدة أو مهامٍ فرّعية لتلك المهام».
ويقول مختبر AFRL إنّ جهودSkyborgتبني على عملٍ تأسيسي في «الذكاء الاصطناعي» AI نفَذه المختبر عبر برامج مثل Have Raider، طوَّرت ما يُدعَىLoyal Wingman باستخدام مقاتلة F-16 غير آهلة في اختبار أداءٍ متضافِر بين منصّات آهلة وغير آهلة، و«نظام التفادي التلقائي للاصطدام الأرضي والجوّي». وأثبتت هذه الجهود أنّ مستويات الحركة الذاتية المستقلّة في الطائرات العالية الأداء ممكنة وعمليّة، على حدّ قول مختبر AFRL.
وثمة عنصرٌ رئيسي في جهد تطوير الحركة الذاتية فيSkyborgيتمثَّل في تحقيق ضمانات بأنّ التكنولوجيا ستكون موثوقة التشغيل في النظام، على حدّ قول دوكيت. ويُضيف: «يمكنك إمّا بناء ضمانات باستخدام مناهج أو مقاربات سابقة حيث تضمن سلوكيات محدّدة وقت التصميم فيما أنت تُطوِّر هذه القدرات الذاتية الحركة، أو عبر مقاربة أكثر عمليّة لتقييم قدرات هذه السلوكيات في فترة تشغيلها أي خلال تشغيلها على متن الطائرة».
ويلفتُ الرائد رايان كار Ryan Carr، من «مديرية الأنظمة الجوفضائية» لدى مختبرAFRL، إلى أنّ تعلُّم الآلات قد حقَّقَ تقدُّماً كبيراً على مدى السنوات القليلة الفائتة، فيما تُلهِم صناعة التطوُّرات التكنولوجية في صناعة الألعاب الحاسوبية على وجه الخصوص جهد مختبر AFRL في هذا الحقل.
وقال: «نتوقَّع أنْ تواصل تلك التكنولوجيا النضج سريعاً. وما ينبغي علينا فهمه هو: «كيف يمكنك أنْ تعتمد مثل تلك التكنولوجيا والقيام بشيءٍ مثل تطبيقها في عالم الواقع والتحليق بها على سبيل المثال؟. والشيء الذي نسعى إلى تحقيقه مبكراً هو كيف نقوم بذلك بأمان. فنحن نتحدّث عن ضمانات في وقت التشغيل، والعمل يداً بيد مع مجتمع اختبار الطيران الذي يستأثر بسِجلٍّ طويلٍ جداً من اختبار الطيران الآمن».
أمّا على الأرض، فإنّ السيارات الذاتية القيادة الجاري تطويرها للاستخدام المدني في دولٍ عديدة تمكننا من تعقب أصول أنظمة مستشعراتها وبرمجياتها إلى مبادرة «التحدّي الكبير» Grand Challenge التي نظّمتها «وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدّمة» DARPA حيث تسابقت سيارات وشاحنات روبوطية فوق مضمارٍ صحراوي، وكذلك مبادرة «التحدّي في المناطق الحَضَريّة الآهلة» Urban Challenge حيث استجابت عربات أكثر تقدُّماً لإشارات الطرق، وأضواء إشارات السير وغيرها من العربات والمخاطر وسط مدينةٍ مكرَّسة للتدريب العسكري.
بالنسبة إلى الجنود الراجلين، تهدف برامج مثل «نظام التعزيز الافتراضي المُدمج» IVAS لدى الجيش الأميركي إلى توفيرَ فَهْمٌ محسّنٌ للمحيط الميداني في القتال، وتدريب أكثر واقعية عبر توليفةٍ من «الذكاء الاصطناعي» AI و«الواقع المعزَّز» Augmented Reality (AR). وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، فازت شركة «مايكروسوفت» Microsoft بمنافسةٍ لتزويد تكنولوجيا IVAS ووقَّعت عقداً بقيمة 480 مليون دولار لإمداد الجيش بنظامهاHololens.
وستشمل عناصر «الذكاء الاصطناعي» في نظام IVAS مستويات عديدة من تخطيط المهام والمسار لمختلف أحجام الوحدة التكتيكية، ورصداً أوتوماتيكياً للأهداف على غرار جنود العدو، ورصد تغيُّراتٍ قصيرة الأمد في البيئة مثل تحرُّكات الهدف، فضلاً عن تغيُّراتٍ بعيدة الأمد على غرار زرع «الحشوات المتفجّرة المرتجلة ميدانياً» IED. كما ستشتمل تلك العناصر على مُدْخِلات قيادة صوتية، وتقديم النُّصُح خلال المهمة، وتوزيع الموارد، ورصد وتحديد موقع «أنظمة تحديد الموقع العالمي» GPS وأجهزة التشويش على الاتصالات. ومن بين العناصر التكتيكية الأخرى التي سيجري اختبارها، هناك التهديف المستَنِد إلى التشبيك، وتعقُّب القوات المُعادية، ورصد الأفخاخالشركية، وتحديد مواقع مصادر النيران المُعادية.
ومن أجل مساعدة الجنود على فَهْم البيئات الغريبة عنهم، سيستطلع البرنامج أيضاً ترجمة لغوية تستند إلى الكاميرا والصوت؛ وبهدف المساعدة في اتّخاذ القرارات ستُحاول البرمجيات توقُّع احتياجات المستخدِم وتقترح مناهج عمل.
وفي نمط التدريب، ستستخدم القوة الافتراضية المُعادية قدرة «تعلُّم الآلة» لتكييف تحرُّكاتها بطريقةٍ تُحاكي الواقع قَدَر الإمكان.
في ما يتعلّق بالبحر، يجري إدراج «الذكاء الاصطناعي» AI في أنظمة قتال السفينة الحربية. فقد كشفت شركة «ب أيه إي سيستمز» BAE Systems، على سبيل المثال، النقابَ عن مجموعة من الحلول للسفن المستقبلية من بينها «الواقع المعزّز» AR، والأنظمة المفتوحة، و«الذكاء الاصطناعي» وذلك في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. وتمثَّل «الذكاء الاصطناعي» في برمجياتٍ تُساعِد المُشغِّلين على معالجة المعلومات واتّخاذ قرارات حاسمة على نحو أسرع، وتوفير ميزة حاسمة في القتال. ومؤازِرات أو مساعدات «الذكاء الاصطناعي» هذه ستمدُّ الطاقم بالمعلومات الأكثر أهمية وتُوصِي بالخطوات أو مناهج العمل.
ويمكن استعراض المعلومات التي توفّرها أدوات «الذكاء الاصطناعي» على شاشات عرض «واقع معزَّز» AR، على غرار النظّارات أو المناظير العسكرية، التي تعرض رموزاً وأيقونات مُتَراكِبة فوق بعضها أمام حقل رؤية واضِع النظّارة من العالم الحقيقي لتعزيز إدراكه للوضع المحيط.
ومن شأن هذه التوليفة من «الذكاء الاصطناعي» و«الواقع المعزَّز» أنْ تُتيح لضابطٍ أُنيطت به مهام مراقبة، على سبيل المثال، أنْ يُمضِي وقتاً أطول وهو محافِظٌ على وضعِيّة الرأس إلى الأعلى والتطلُّع بعينَيه تركيزاً على الرؤية الميدانية أمامهheads-up, eyes-out، حيث إنّ هذه التكنولوجيا الجديدة ستُخفِّض الحاجة للنظر إلى الأسفل نحو لوحة التحكُّم أو الاعتماد على تأكيداتٍ من أعضاء آخرين في الطاقم بوتيرةٍ متكرِّرة. وتقول شركة BAE Systems إنّ من شأن تلك القدرة أنْ تُمكِّن مثل هؤلاء الضبّاط من السيطرة على الوضع بمزيدٍ من الفعالية وقدرةٍ أكبر على التكيُّف.
وربّما تكون الحرب المضادة للغوّاصات أول مجالٍ قتالي يتحوَّل بفعل سفن السطح غير الآهلة والعربات التحتمائية غير الآهلة مع درجة عالية من الحركة الذاتية المُمَكَّنَة بفضل «الذكاء الاصطناعي». فعلى سبيل المثال، تستهدفُ سفينة السطح غير الآهلة «سي هانتر» Sea Hunter USV المنبثقة من برنامج «الزورق غير الآهل للمتابعة المتواصِلة» في «الحرب المضادة للغوّاصات» Continuous Trail Unmanned Vessel (ACTUV) ASW، الذي يهدف إلى أنْ تُبقي الغوّاصات المُعادِية، بما في ذلك الأنواع النووية الصامتة جداً، في حالة خطرٍ وذلك بتعقُّبها ورصد أثر إبحارها على مدى أشهرٍ في كلّ مهمة، وربّما تسليمها إلى منصّاتٍ قتالية أخرى لتدميرها خلال العمليات القتالية. وأعلنت وكالة DARPA في شهر آذار/مارس من العام الفائت أنّها استكملت برنامج اختبار التكنولوجيا وحوّلت الزورق إلى «مكتب الأبحاث البحرية» ONR التابع لـ «البحرية الأميركية» USN من أجل استشراف قدراته العملانية.
يُتوقَّع أيضاً أنْ يقوم «الذكاء الاصطناعي» بتحليل الأنشطة عبر أنظمة الاتصالات، خصوصاً شبكة الإنترنت، لتوقُّع شَن هجمات سيبرانية على أنظمة كمبيوترات عسكرية وتجارية ومحلية صديقة والتصدّي لها. وبالطبع من المرجَّح أنْ يُستخدم في الحرب السيبرانية الهجومية، وتخطيط وشَنْ هجمات على الأنظمة المُعادية.
وثمة احتمالية أخرى، لطالما كانت في عالم الخيال العلمي لكنّها الآن على حافة الواقع، وهي استخدام وابلٍ من العربات الجوّية الصغيرة التي تُشغِّل برمجيات تعرُّف على الوجه لاغتيال أفراد. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة تُحاذِر علناً القيام بهذا النوع من الهجوم، فإنّها تتوقَّع إلى حدٍّ كبير أنْ يقوم خصومها باللجوء إليه.
إنّ «الذكاء الاصطناعي» يُرجَّح أن يكون إحدى تلك التكنولوجيات النادرة لكن المُغيِّرة لوجه العالم مع تطبيقاتٍ تكاد تكون شاملة، على الرغم من واقع أنّ ذكاءً اصطناعياً «ضيقاً» لا «عاماً» هو الذي يُحقِّقُ تقدُّماً سريعاً، والقطاع الدفاعي لا ريبَ هو المستفيد.