Slideshows

سيناريوهات القتال المعاصرة: عودة إلى القوات الحليفة والمتحالفة

 

يوفِّر تقرير «الطُّرُق إلى السَّلام» الذي نَشَرَه مؤخّراً «البنك الدولي» و«الأمم المتحدة» صورة عن وضع الأمن العالمي الذي يبدو مختلفاً كلّياً عمّا يوحي به عنوانه الساذج والتفاؤلي. فقد تضاعفت النزاعات المسلَّحة في السنوات العشر الأخيرة. وفي العام 2016، سُجِّلت وفيات بنسبة عشرة أضعاف عمّا سُجِّل بسبب الحرب في العام 2005، وبحسب إحصاءات أجرتها «وكالة غوث اللاجئين في الأمم المتحدة»، فإنّ عدد الأشخاص الذين أُجبِروا على مغادرة مواطنهم في الفترة ذاتها بسبب النزاعات المسلّحة أو الاضطهاد قد تضاعف.

لكن في الوقت الراهن، تبدو الحروب بين الدول استثناءً، في حين تُهيمن النزاعات الداخلية، وغالباً ما يكون ذلك بتورِّطٍ خارجي علني أو خفيّ. ومن خلال ذلك تظهر عياناً الحقيقة المُرَّة لكلّ حربٍ أهليّة: حتى بعدما تصمت المدافع فهذا لا يعني أنّ ثمة حلاً قد وُجِد. فغالباً ما تكون مهمة مستحيلة، أو تُلقَى على عاتق أجيالٍ آتية، لتوحيد مجتمعٍ متشتتٍ في إطار دولةٍ مستَقرة. وتُشكِّل ليبيا مِثالاً معاصراً على ذلك، كما أنّ لبنان لأكثر من 30 عاماً قد أثبتَ هشاشة العملية السلمية عقب حربٍ أهلية. وما من نظامٍ عالمي بوسعه أنْ يضع حدّاً للوتيرة المتزايدة من النزاعات. وفي فترةٍ وجيزة بعد نهاية الحرب الباردة بدا وكأنّ «السَّلام الأميركي» (Pax Americana) قد يوفِّر مثل هذا الإطار. ولكن بدا واضحاً وبشكلٍ سريع، وخصوصاً مع الاضطرابات في العراق، أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تملك القوة بالفعل للتدخُّل في أي مكانٍ من العالم منفردة. كما أنّها ليست في موقعٍ يسمح لها بالحفاظ على السيطرة لفترةٍ طويلة في أماكن تدخّلت فيها، أو أنْ تصوغ النظام الإقليمي تماشياً مع مفاهيمها الخاصة.

بيدَ أنّ الأميركيين هم قوةٌ عظمى، وسيبقون كذلك في المستقبل. لكنّ ذلك ليس هو الحال مع الأوروبيين. فإنْ تصنيفهم في سياق إطار أمن عالمي كلاعبٍ حاسم قد يستثير السُّخرية. ربّما صحيحٌ أنّ الأوروبيين لا يزالون عاملاً مهمّاً من ناحية الاقتصاد العالمي، ولو أنّهم اليوم قد فَقَدوا القيادة تكنولوجياً في عددٍ كبير من القطاعات، ويواجهون إجمالاً منافسة أكثر حِدّة عمّا سَبَق، وباتوا عاجزين عن إملاء قواعدها. وممّا يتعدَّى النزاع أنّ الأوروبيين لهم مصلحة حاسمة في الاستقرار العالمي، لأنّ رفاههم يعتمد على سلسلة إمدادات موثوقة وطُرق تجارية ليست عرضة للتهديد، للدخول إلى أسواق المبيعات. لكن هناك تعارضاً جوهرياً بين إدراك ما هي مصالحهم الفعليّة، وبين وسائل الحفاظ عليها. ويتحدَّث الأوروبيون أيضاً حول المسؤولية التي تقع على عاتقهم إزاء السَّلام والاستقرار، ويتباحثون في ذلك كثيراً، ويعطون أحياناً انطباعاً أنّهم لم يُلاحظوا كيف تغيَّر دورهم في العالم في السنوات الـ 75 الأخيرة. ومع ذلك فهم لا يملكون الموارد، ولا الإرادة السياسية، للقيام بإنزالٍ لقواتٍ عسكرية في أي مكان في العالم. وبالتالي لا ينجحون في إرساء الاستقرار عند عَتَبات مواطنهم، أي في أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، ولا حتى في قارّتهم، كما يتبيَّن من الأزمة الأوكرانية وهلمَّ جرا.

وإذا ما أرادَ الأوروبيون الحفاظ على مصالحهم، فهم يحتاجون إلى شركاء يملكون القوة والوسائل التي يفتقرون إليها. وفي هذا السياق، فإنّ أفضل شريكٍ كان ولا يزال هو الولايات المتحدة. لعلّ هذا المفهوم لا يحظى بالشعبية اليوم (باستثناء بعض دول أوروبا الشرقية)، ومنذ وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة وإعلان سعيه إلى خفض المشاركة المالية في حلف شمالي الأطلسي. إزاء ذلك، انتشرَ في أوروبا شعورٌ مُعادٍ لأميركا، أصبح في بعض البلدان أكثر حضوراً في الدوائر الحكومية. وكانت نتيجة ذلك فرطاً خطيراً في تقدير الذات، بَدَت خلاله أحلام الاستقلال الاستراتيجي تُدَغدِغ أوروبا، التي مع ذلك لا خيارَ لها بين دورٍ مستقلّ في السياسات العالمية أو استمرار التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية. إنّ الخيار هو بين غيابٍ وإغفال أو تعاونٍ عابر للأطلسي.

لكنّ تجربة السنوات الـ 25 الأخيرة تُظهِر أيضاً أنّه ليس حتى القدرات المجتمعة للأوروبيين والأميركيين كافية لإرساء استقرارٍ في مناطق مُبتلية بالأزمات. ذلك يحتاج شركاء إقليميين أو ما يسمى بالدول المتحالفة. ولا يمكن العثور على هؤلاء والمضي قُدُماً إلى تعاونٍ دائمٍ معهم إّلا إذا ما امتنعنا عن إلقاء المحاضرات عليهم دائماً حول سُبُل تنظيم بيتهم الداخلي. إنّ المبدأ الأساسي في القانون الدولي، الذي وُضِعَ في الأساس كقاعدةٍ لإرساء السَّلام، وهو تحديداً عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، قد غابَ في الفترة الأخيرة عن أذهان الشعوب. وقد أعادَ دونالد ترامب اكتشافه. وعلى الأوروبيين أنْ يتصالحوا معه. وإذا ما تبنَّوا سياسة رفع إصبع التأنيب والتحذير والتوجيه فإنّهم قد لا يكسبوا سوى مسايرة مُشفِقَة أو حتى تهكُّم، لكن ليس شركاء!.

Section
Date
Year
2020
Page No
3

Featured News