Slideshows

عندما تصبح شبكات الاتصالات سلاحاً

تَعِدُ «الشبكة الموحَّدة» Unified Network لدى الجيش الأميركي بمستويات غير مسبوقة من التناغم والانسجام لوصلات اتصالاتها المتباينة على المستويات التكتيكية والعملانية والاستراتيجية. وفي ظل هذه الظروف، يجري المتخصّصون بالحرب الإلكترونية والرادار والاتصالات العسكرية أبحاثاً مُسهَبة لاستجلاء القدرات المستقبلية الحاسمة لهذه المستويات من الاتصالية العسكرية داخل القوات  Inter-force وفي ما بينها Intra-force.

تُشكّل «العمليات المتعددة المجالات» Multi-domain operations (MDO) حجر زاوية في العقيدة العسكرية ليس فقط لدى الجيش الأميركي، بل جميع قطاعات القوات المسلحة في الولايات المتحدة. وبينما تتباين التعريفات، فإنّ مبادرة MDO تضع تصوّراً لمستوى من الاتصالية المتفوّقة داخل القوات وفي ما بينها على جميع مستويات الحرب - بدءاً من التكتيكي، مروراً بالعملاني ووصولاً إلى الاستراتيجي. ومن شأن هذه الاتصالية أن تصل في ما بين كل جندي، ومنصة، وقاعدة، وسلاح، ومستشعر، وقدرات، التي سنُطلق عليها من الآن فصاعداً «منصات». وليس من شأن هذه الاتصالية في ما بين القوات أن تجمع فقط تلك المنصات، بل إن القوات المتباعدة والمتباينة ستتشارك وصلات مماثلة. ويتمثل هدف MDO في تحسين جودة وسرعة صنع القرار بمواجهة الخصوم. وما يُسهّل رؤية MDO لدى «وزارة الدفاع» الأميركية هو نظام «القيادة والسيطرة المشترك لجميع المجالات» (JADC2)؛ وإنما هذا النظام الأخير هو بمثابة المكونات المادية والبرمجيات التي ستؤمّن تلك المستويات المنشودة من الاتصالية. وإذا ما كانت MDO رؤية، فإن نظام JADC2 هو الأداة المُسهِّلة.

تسهيل هدف MDO

في العام 2021، نشر الجيش الأميركي «خطة الشبكة الموحّدة» Unified Network Plan، التي لَحَظت أن هذا الجيش سيصبح قوة مقتدرة بـ «العمليات المتعددة المجالات» MDO بحلول العام 2028. والخطوة الأساسية في هذا الجهد هو ما يُسمّيه الجيش الأميركي «الشبكة الموحّدة» التي ستُتيح له، في إطار قوة مشتركة أشمل أو تحالف «أن يندمج ويتحرك عملانياً في آن بجميع المجالات، والبيئات، وعبر جميع التضاريس الجغرافية وكل الوظائف القتالية».

ولفتت الوثيقة إلى أنّ هذه المقاربة ستتيح للجيش «أن يُنسّق وضعيات القوات force posture وقدرات التواصل في وقت الحاجة». ويُشرف المكتب التنفيذي لبرنامج «تكنولوجيا القيادة والسيطرة والاتصالات» (PEO C3T) لدى الجيش الأميركي على طرح «الشبكة الموحّدة» Unified Network. وتتصل «الشبكة الموحّدة» هذه مباشرة بمصادر تكنولوجيا معلومات الجيش والوصلات التي تربط في ما بينها. وباختصار، تُغطّي الخطة «جميع المكونات المادية، والبرمجيات، والبُنى التحتية بدءاً من المواقع الأمامية للميدان رجوعاً إلى مواقع التمركز، والمعسكرات والمحطات». ويقول الجيش الأميركي إن شبكة Unified Network هي نظام نهائي آمن وقادر على البقاء. وستوفر هذه الشبكة وصلات بيانات مُحكمة آمنة ومتحالفة داخل القوة وفي ما بينها. وإحدى الوسائل لوضع تصور وافٍ لشبكة Unified Network، والحوافز وراء استحداثها، تتمثل في رؤية شبكات اتصالات الجيش الأميركي تتطوّر مما هي عليه الآن إلى نظام أسلحة بحد ذاتها، كما أُوجز في خطة «الشبكة الموحّدة».

Collins Aerospace

وتتألف شبكة Unified Network من مكونات عديدة: «شبكة البيئة العملانية المشتركة» (COE)، و«البنية التحتية للخدمات المشتركة» (CSI)، وطبقة نقل transport layer، و«عمليات شبكة موحّدة» (UNO). وتؤكد وثائق الجيش الأميركي أنّ الشبكة ستنقل بيانات مصنّفة سرّية وغير مصنّفة كذلك على حد سواء. وإذا ما أخذنا كُلّاً من هذه المكونات على حدة، فإن بيئة COE تُغطي معايير الحوسبة والتكنولوجيات ذات الصلة. وعلى الرغم من أن هذه المعايير والتكنولوجيات تبدو عادية، فإنها ستوفر التطبيقات البرمجية الآمنة والمتوافقة تشغيلياً التي ترتكز إليها رؤية MDO لدى الجيش. ومن بين التطبيقات البرمجية التي ستُسلّم عبر بيئة COE، أدوات صنع قرار، بحسب «خطة الشبكة الموحّدة» Unified Network Plan. أما «البنية التحتية للخدمات المشتركة» CSI فإنها ستوفر المكونات المادية والبرمجيات لضمان أمن وتخزين وتشغيل البيانات التي ستعتمد عليها التطبيقات البرمجية. وستتوافر هذه التطبيقات عالمياً بفضل وصلات الاتصالات التي ستُتيحها شبكة Unified Network.

وإنما البيانات هي فحسب جزء واحد من البنية التحتية CSI، إذ إن «الذكاء الاصطناعي» (AI) وأدوات «تعلُّم الآلة» machine learning (ML) تُمثل أيضاً جزءاً من CSI. وسيكون «الذكاء الاصطناعي» وأدوات «تعلُّم الآلة» في غاية الأهمية لمساعدة المستخدمين على الإفادة من البيانات التي تفرزها المكونات المادية والبرمجيات. وكما تشير وثائق الجيش الأميركي، تُعتبر «حوسبة السحابة» (Cloud Computing) إحدى التكنولوجيات التي تتكامل مع البنية التحتية CSI. أما الطبقة الناقلة فتوفر وصلات الاتصالات للربط في ما بين المستخدمين وللبنية التحتية CSI، وتقع فعلاً جميع شبكات الاتصالات في تصرف الجيش. وتضم تلك الوصلات كل شيء، بدءاً من اتصالات السواتل الاستراتيجية لوزارة الدفاع وصولاً إلى شبكات الراديو على المستوى التكتيكي.

وإلى جانب أدوات النقل هذه الراسخة والتقليدية، يتوقع الجيش الأميركي استغلال تكنولوجيات الاتصالات الناشئة استغلالاً وافياً.

ومن بين تلك التكنولوجيات «بروتوكولات الاتصالات الخلوية» من الجيلين الخامس والسادس. وينصبّ الاهتمام الأساسي للجيش على استحداث «إنترنت أشياء» Internet of Things (IOT) «مُعَسْكَر» militarized. ووصلات الاتصالات هذه التي كانت تُعرف سابقاً بتسمية «إنترنت الأشياء العسكرية» IOMT (Internet of Military Things) ستشبك المنصات كي تتمكّن من أن «تُحمِّل» upload باستمرار البيانات التي تجمعها و«تُنزِّل» download  المعلومات ذات الصلة من أجل دعم المهام. ويُشكّل «إنترنت الأشياء العسكرية» IOMT منحى أساسياً لتسهيل مستويات الاتصالية التي تعتمد عليها رؤية «العمليات المتعددة المجالات» MDO.

وأخيراً، وليس آخراً، فإن «عمليات الشبكة الموحّدة» UNO، التي يقول الجيش الأميركي إنها ستوفر النواحي الوقائية التي تحمي الشبكة. فبحسب الجيش، يشمل ذلك «القدرات المطلوبة لضمان، وضبط، وتشغيل، وتمديد، وصيانة، واستدامة الفضاء السيبراني والحفاظ على جو من السرية، وجهوزية وسلامة الشبكة الموحّدة».

وتضمن عمليات UNO، في نطاقها السرّي المُنضبط، حماية «الأمن السيبراني» وجميع الأجزاء المتصلة به في «الشبكة الموحّدة». وسيتحقق الأمن والحماية السيبرانيان من خلال «طقم مشترك من المكونات المادية والبرمجياتية» تلك التي ستُوظّف جميعاً مبادئ «صفر ثقة» («zero trust»). وتُعرّف شركة «مايكروسوفت» Microsoft مقاربة «صفر ثقة» على أنها «لا تثق أبداً، وتَحَقَّق دائماً». ذلك يعني تماماً أن كل ما يتصل بـ «الشبكة الموحدة» UNO، أو أية بيانات تنتقل عبرها، ينبغي التعامل معها على أنه معاد حتى يتم التيقن عكس ذلك.

وإذا ما جُمِعَت معاً، فإن «الشبكة المتحدة» (UNO)، و«طبقة النقل»، و«البنية التحتية للخدمات المشتركة» (CSI)، و«شبكة البيئة العملانية المشتركة» (COE)، من شأنها، بحسب الجيش الأميركي، أن تتيح «مناورة عبر القطاعات والمجالات العسكرية» (cross-domain manoeuvre). وستتحقق المناورة من خلال «تطبيق التأثيرات الاستراتيجية، والعملانية والتكتيكية بالسرعة والمدى المطلوبين من الجيش والقوى المشتركة/ المتحالفة في ميدان الغد المتطوّر سريعاً». وإذا ما أُخِذَت جميع هذه المكونات معاً، ستسمح «الشبكة المتحدة»، لرؤى «العمليات المتعددة المجالات» (MDO) لدى الجيش الأميركي بأن تصبح واقعاً مُتَجسِّداً.

بناء «الشبكة الموحّدة»

سيتم تسليم «الشبكة الموحّدة» Unified Network عبر خمسة «خطوط جهد» Lines of Effort (LOES) LOE-1. من شأن خط LOE-1 فحسب أن يبني «الشبكة الموحّدة» لتمكين رؤية MDO. أمّا خط LOE-2 فيضبط وضعيات القوة لدى الجيش لصالح MDO. ويعمل خط LOE-3 لحفظ أمن وبقاء حرية تحرك القائد الآمر في الفضاء السيبراني. ويقوم خط LOE-4 بإصلاح العمليات والسياسات لتحسين الأداء والتوافرية. وأخيراً، يعمل خط LOE-5 على إسناد الشبكات العملانية والتكتيكية.

تزود Leonardo DRS الجيش الأميركي بنظام كمبيوتري لقيادة المهام Mounted of Computer Systems II، وهي منصة الحوسبة القتالية الخاصة بالخدمة والتي تتضمن الأجهزة اللوحية والمعالجات وشاشات العرض القوية
التطبيق

 

تلحظ خطة الجيش الأميركي لـ «الشبكة الموحّدة» أن تكون جاهزة لدعم جيش مقتدر بمقومات MDO بحلول العام 2028. وتُحقّق «خطة الشبكة الموحّدة» رؤية الجيش المذكور بثلاث مراحل، «المرحلة الأولى» (Phase 1) تنتهي هذا العام، والمرحلة الثانية تمتد من العام 2025 وحتى العام 2027 (Phase 2)، بينما تغطّي «المرحلة الثالثة» (Phase 3) الفترة الممتدة من 2028 وما يتعدّاها حتى العام 2035.

L3Harris

وتشتمل «الشبكة الموحّدة» Unified Network الطموحة على مجموعة واسعة من المُدخِلات والمكونات، بعضها في حوزة الجيش الأميركي بالفعل، بينما البعض الآخر ينتظر التطوير. لكنّ الخطة قد وُضِعَت أخذاً في عين الاعتبار التطلعات المستقبلية وبالتالي يمكن إدماج المكونات المادية والبرمجيات والقدرات الجديدة بحد أدنى من الإرباك. وتُعتبر هذه المقاربة أساسية إذ إن «الشبكة الموحّدة» تُمثل القدرة التواصلية التي سيعتمد عليها الجيش لخوض حروب الغد والفوز فيها.^

Section
Date
Year
2024
Page No
3

Featured News