الحرب على غزة صراع ما بين القوى الإقليمية والعالمية

مضى أكثر من سبعة عقود على نشوء «إسرائيل»، وهي لا تزال تشكّل خطراً على الدول العربية، وعلى وجه الخصوص دول الطوق العربية: مصر وسوريا والعراق والأردن خلال العقود الثلاثة الأولى، وقد تغيّر هذا الوضع مع إبرامها لاتفاقيات سلام مع مصر والأردن، ومن ثم التهديد الوجودي لهذه الدولة اليهودية من قِبل «فاعلين من غير الدول»، وفي مقدمهم «حزبُ الله» في لبنان، والجماعات المماثلة في العراق، والحوثيون في اليمن، وجميعهم مدعومون من القوة الإقليمية الجديدة – إيران.

ولم تُحقِّق إيران هذه الهيمنة بالقوة العسكرية، بل باغتنام فرص استحدثها الآخرون أحياناً، وعلى الأخص تبديد خطر حركة «طالبان» الأفغانية على حدودها الشرقية، وإزاحة صدام حسين وحزب البعث في العراق إلى الغرب منها، وذلك من قِبَل تحالف تقوده الولايات المتحدة الأميركية. وكانت إيران ذكية بما يكفي لاستغلال فوضى ما يُسمّى ثورات «الربيع العربي» التي أسقطت الأنظمة في اليمن ومصر وليبيا، وفتحت أبواب العراق وسوريا على مصراعيها أمام النفوذ الإيراني.

وجاء الدعم الإيراني للقوى المناهضة لإسرائيل والمُناصرة للفلسطينيين لبعض دول المنطقة في أطار تصديرها للثورة الإسلامية الإيرانية. وقد دعمت طهران منذ مطلع التسعينات «حزب الله» في لبنان، وهي كانت قد ساهمت في تأسيسه خلال عقد الثمانينات، ومن ثمّ وسّعت نطاق دعمها ونفوذها إلى الجماعات الموالية لها في اليمن وسوريا والعراق.

وقد أجبرت هجمات «حزب الله» المنظّمة والمتتالية ضد الجيش الإسرائيلي، على الانسحاب من لبنان العام 2000، ليكسب من ثم وزناً استراتيجياً عبر دعمه من قِبل إيران بالصواريخ المتوسطة. فقد كان للحزب مطلع تسعينيات القرن الماضي نحو 500 صاروخ قصير المدى، ليصبح في ترسانته بعد خمس سنوات 1,500 صاروخ، من بينها صواريخ متوسطة المدى، وجميعها من إيران. وبحلول العام 2000، وبعد الانسحاب الإسرائيلي، كدّس «حزب الله» 20,000 صاروخ بإمكانها أن تصل إلى مراكز عسكرية واستراتيجية إسرائيلية في العمق وصولاً إلى حيفا وتل أبيب والقدس، وقد شَهِدَت الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006 إطلاق «حزب الله» لآلافٍ من تلك الصواريخ التي أمطرت المواقع الإسرائيلية، وقد استمرّت أعداد الصواريخ بالتنامي لتتجاوز الـ 100,000 وربّما 150,000 في الوقت الراهن.

وساد إثر ذلك نوعٌ من الردع المتبادل ما بين «حزب الله» المدعوم من إيران و«إسرائيل» المدعومة طبعاً من الولايات المتحدة والحلف الأطلسي والدول الغربية. بينما سعت الدولة اليهودية في غضون ذلك إلى تطوير قدراتها الدفاعية («القبة الحديدية» و «مقلاع داوود») لمواجهة الخطر الصاروخي الداهم بعدما حظيت بدعم أميركي كامل. أما إيران فواصلت تعزيزها وتسليحها وتجهيزها لخصوم «إسرائيل» الآخرين أمثال «حركة حماس» في غزة التي أمدّتها بالأسلحة والصواريخ وساعدتها على التصنيع المحلي بصواريخ متوسطة المدى، وقد أمطرت «حركة حماس» «إسرائيل» بتلك الصواريخ في العام 2012 و 2014، ومنذ السابع من تشرين الأول/نوفمبر من هذا العام، ولو بقوة غير متكافئة أمام القوة الإسرائيلية الغاشمة التي دمّرت غزة بعشرات آلاف الأطنان من المتفجّرات التي إذا ما جُمِعَت معاً أين منها قنبلة هيروشيما!

وما برحت إسرائيل تعيش هاجس الصواريخ الإيرانية منذ أن أصبحت في مرماها للمرة الأولى في العام 2004، وصولاً إلى الضربة الإيرانية الأخيرة بالصواريخ والمسيّرات ضد «إسرائيل» في نيسان/أبريل العام 2024، بينما لا تنفكّ إيران تُطوِّر قوة صاروخية هائلة ومتقدمة، برؤوسٍ حربية تقليدية أو غير تقليدية تزداد عدداً وقوة ودقة، وتواصل إمداد «حزب الله» بالصواريخ الموجّهة بدقة لتضاعف من القلق المصيري لدى «إسرائيل»، التي تكثّف هجماتها سواء في الأراضي السورية أو غيرها لإجهاض هذا الإمداد، ولا تتوانى عن اتهام إيران بأنها تُطوّر قدراتها الدفاعية وتسعى إلى الحصول على سلاح نووي وكذلك إيصاله للهيمنة على المنطقة بأكملها.

المنطقة تغلي، وغزة تعاني من ارتقاء عشرات آلاف الشهداء، وإسرائيل ومن خلفها أميركياً وأوروبياً تحشد آلة الدمار والموت، وإيران وحزب الله يعدون العدة لضربها في العمق.. الاحتمالات مفتوحة، والجميع يترقب، في الداخل والخارج على حد سواء، حصيلة هذا الكباش.

وعلى الرغم من مرور عشرة أشهر ونيف للحرب على غزة، لم تستطع القوات المسلحة الإسرائيلية من تحقيق أهدافها للسيطرة على غزة وتحرير رهائنها ووقف المشروع النووي الإيراني. وعلى الرغم أيضاً من سقوط أكثر من أربعين شهيداً ونحو 100.000 جريح، وتدمير قطاع غزة بكامله، فمن الجانب الفلسطيني أثبتت حماس نفسها كلاعب قوي في هذه الحرب غير المتماثلة، ويرى بعض الخبراء بأن غزة ستكون قبلة الثوار في العالم العربي والإسلامي.....

وبالنسبة إلى المشروع الإيراني، قال رئيس الأركان الأسبق .... والمناهض لنتانياهو بأن إيران تعلم جيداً أن أي هجوم بالستي نووي ضد إسرائيل سيدمر في الأجواء الأردنية وأن المشروع النووي الإيراني هو ضد العرب السُنّة وليس ضد إسرائيل.^

الباب
تاريخ المقال
العدد
العدد حسب الاشهر
السنة
2024
رقم الصفحة
3

أخر المقالات