تطور ونمو قدرات القوات البحرية الخليجية
كانت الخلافات في منطقة الخليج والشرق الأوسط، خلال السنوات الأخيرة، الدافع الرئيسي لزيادة الإنفاق الدفاعي والجهود المبذولة لتعزيز قدرات القوات العسكرية. يعتبر النزاع بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية مردّه إلى جنوح الأولى إلى تصدير الثورة الإسلامية إلى داخل الأمة العربية الإسلامية.
تضم دول مجلس التعاون الخليجي المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، وسلطنة عُمان ومملكة البحرين. ولدى هذه الدول واحداً من أهم الممرات المائية في العالم والذي يمكنه التحكم بالدخول إلى الخليج الإسلامي وإمدادات النفط العالمية. وبالتالي فهو يكشف أهمية استراتيجية لمصالح الدول الكبرى، التي تبدو مرحلياً غير مكترثة.
وعلى الرغم من أن الخلافات الطبيعية بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي لم تصل إلى درجة التصعيد العسكري، فإن كل دولة على حدة تسعى إلى استخدام نفوذها لتعزيز مصالحها الخاصة ومصالح الأشقاء الخليجيين، بحسب السيد توم والدوين، محلل أبحاث في مجال التحليل الدفاعي والعسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ILSS، بينما جهود التحديث البحري في دول مجلس التعاون الخليجي توجهت نحو إعادة تعزيز قدرات أساطيل سفن القتال السطحية باستخدام فرقاطات وفرقيطات جديدة متعددة الأدوار.
وأضاف والدوين: «بدأ العديد من الدول أيضاً في توسيع حجم وقدرات قوات إنفاذ القانون البحري بسبب عدم الاستقرار البحري الناجم عن الحرب الأهلية اليمنية».
ويعود ذلك إلى أن أي تهديد وجودي للأنظمة المسيطرة في هذه الدول لا يمكن أن يأتي إلا من غزو خارجي، وبالتالي فقد تركز الاستثمار على المشتريات البرية والجوية كأولوية، وعلى الرغم من هذا التفضيل شهدت المشتريات البحرية تمويلاً كبيراً.
تم توسيع القوات البحرية الأميرية القطرية إلى حد كبير خلال العقد الماضي كجزء من عملية التحديث الأوسع لقوات الدفاع القطرية حيث تم إنفاق المليارات على الطائرات المقاتلة الجديدة. وكانت شركة بناء السفن «فنكانتييري» Fincantieri الإيطالية المستفيد الرئيسي من الجانب البحري - حيث أبرمت هذه الشركة عقداً في حزيران/يونيو 2016 تقدر قيمته بِـ 5.6 مليارات دولار أميركي لتزويد البحرية بسفن جديدة لتعزيز قدراتها البحرية بشكل كبير.
«سيغطي عقد قطر مع Fincantieri البالغة قيمته 5.6 مليارات دولار العديد من الفرقيطات، وزوارق الدورية البعيدة عن الشاطئ OPV، وسفينة هجوم برمائية (سيبرم عقداً منفصلاً مع «ليوناردو» Leonardo لتزويد قطر بالطوافات اللازمة) وهو أهم تحديث بحري لأسطول موجود في المنطقة وسيشكل تحديات عديدة بما فيها التدريب، والبنية التحتية والعمليات».
بحسب والدوين، في العام 2018 ، طلبت قطر 28 طوافة NH90، 12 منها من الطراز البحري NFH المماثلة لفرقاطة حلف شمال الأطلسي. وأعلنت Leonardo في كانون الثاني/يناير 2022 أنه سيتم تسليم أول طراز NFH في الأشهر القليلة المقبلة بعد تسليم أول طوافة طراز TTH للقوات الجوية الأميرية القطرية في كانون الأول/ديسمبر 2022. وبالفعل تم تسليم أول طوافتين طراز NFH في 31 أذار/مارس الفائت. وسيتم الانتهاء من عمليات التسليم في العام 2025.
في تشرين الأول/أكتوبر 2021، سلمت Fincantieri القوات البحرية الأميرية القطرية الفرقيطة الأولى من أصل أربع فرقيطات دفاع جوي جديدة من فئة «الزبارة»، تلا ذلك تسليم الفرقيطة الثانية المسماة «سميسمة»، فيما يفترض أن تكون سلّمت الفرقاطة الثالثة «الخور» في تشرين الأول/أكتوبر 2022 ومن المتوقع أن تتم عملية تسليم الفرقاطة الرابعة في 2022-2023.
وفي الحدث نفسه، أطلقت Fincantieri أيضاً أول سفينتي دورية بعيدة عن الشاطئ OPV جديدتين لصالح البحرية القطرية تحت مسمى «مشيرب»، وتم تسليم السفينة الأولى في 31 كانون الثاني/يناير 2022. أما السفينة الثانية التي تحمل اسم «شيراوح» فقد أطلقت في حزيران/يونيو 2021 ويفترض أنت كون أن تكون تسلمتها أيضاً في منتصف العام 2022. وترغب قطر بأن يتم دخول هذه السفن الجديدة الخدمة بحلول بداية كأس العالم لكرة القدم 2022.
بوشر ببناء سفينة الإنزال البرمائية الجديدة LPD في منشأة بالمير التابعة لِـ Fincantieri وسيتم إطلاقها في نهاية العام 2022 قبل تسليمها في موغيانو في العام 2024. حتى وقت قريب تألفت البحرية الأميرية القطرية من مجموعة من زوارق الهجوم السريعة فئة برزان. كما تسلمت هذه البحرية 17 زورق دورية من حوض بناء السفن ARES SHIPYARD التركي، وكذلك تسلمت في أب/أغسطس 2021 سفينة التدريب الأولى «الدوحة» وسفينة التدريب الثانية «الشمال» في 5 أيار/مايو 2022 وكلاهما من صنع شركة Anadolo Shipyard التركية أيضاً. لا شك أن تزويد كل هذه المنصات بأجهزة الاستشعار والأسلحة الجديدة سيكون أمراً صعباً. والى ذلك، وسّعت قطر «المديرية العامة لأمن السواحل والحدود» GDCBS حيث افتتحت مديرية جديدة يقع مقرها في الظعاين في تموز/يوليو 2019 وقد تسلمت أسطولاً جديداً من سفن الدورية طول الواحدة 48 متراً من شركات ARES SHIPYARD.
في مجال الإنفاق فإن المملكة العربية السعودية تنفق مبالغ كبيرة لصالح القوات البحرية الملكية السعودية RNSF وهي تعتبر واحدة من أكبر المنفقين على الدفاع على مستوى العالم. ولديها سلسلة من المشاريع تحت قيادة برنامج التوسيع الثاني للبحرية السعودية SNEPII والذي تزيد قيمته عن 20 مليار دولار أميركي.
«تقوم المملكة العربية السعودية حالياً بتنفيذ أشغال بقيمة 10 مليارات دولار مع شركة Lockheed Martin لصالح البحرية وخفر السواحل وبخاصة برنامج «سفينة القتال السطحي المتعددة المهام» Multi Mission Surface Combatant (MMSC) الأكثر قيمة، للاستحواذ على أربع فرقاطات تستند إلى تصميم سفينة القتال الساحلية الأميركية فئة Freedom. ومن المرجح أن تحل هذه الفرقاطات الجديدة محل الفرقاطات الأربع من فئة «المدينة» المتقادمة من حقبة الثمانينيات.
تم توقيع عقد MMSC في تشرين الأول/أكتوبر 2016 بموجب اتفاقية مبيعات عسكرية خارجية مع الولايات المتحدة وباشرت nitraM deehkcoL
draypihS etteniraM ببناء الفرقاطة الأولى، المسماة «سعود» Saud، في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وبدأ العمل على الفرقاطة الثانية في كانون الثاني/يناير 2021.
في الوقت نفسه في كانون الأول/ديسمبر 2021 أطلقت شركة بناء السفن «نافانتيا» Navantia الإسبانية الفرقيطة الخامسة والأخيرة من فئة Avante 2200 لصالح القوات البحرية الملكية السعودية في إطار برنامج «السروات». تم توقيع العقد الذي تبلغ كلفته مليارات الدولار الأميركي لبناء خمس فرقيطات الموقع بين «الشركة السعودية للصناعات العسكرية» SAMI والشركة الإسبانية في تموز/يوليو 2018.
سيتم تسليم فرقيطة «عنيزة» في شباط/فبراير 2024، وتم إطلاق الفرقيطة الرابعة «جازان» في تموز/يوليو 2021.
تتضمن صفقة المملكة العربية السعودية مع Navantia لبناء فرقاطات Avante 2200 إنشاء مشروع مشترك للعمل على نظام إدارة قتال وبيعه في المنطقة ولكنه لا يشمل بناء السفن وبرامج «الأوفست». كما شرح والدوين وتعهد مشروع SAMI-NAVANTIA المشترك بإدارة المشروع وأعمال التطوير. وتم تطوير نظام إدارة القتال الجديد، المسمى «حازم» HAZEM، مع نقل التكنولوجيا من Navantia وهو جزء من جهود «رؤية السعودية 2030» لإنفاق ما لا يقل عن 50% من الميزانية الدفاعية داخل البلاد.
وقال والدوين: إنه، وعلى الرغم من عدم وجود قطاع لبناء السفن، أبرم خفر السواحل السعودي في العام 2018 عقداً مع شركة بناء السفن CMN Naval الفرنسية لشراء 39 زورق دورية اعتراضية طراز HSI32 يشترط تجميع 20 منها في المملكة العربية السعودية من قبل شركة «الزامل للخدمات البحرية» في حوض الدمام لبناء السفن. وقد يشير ذلك الى الخطوات الأولى في تطوير بعض الأشكال الأولية للقدرة الصناعية المحلية.
الدولة الثالثة في مجلس التعاون الخليجي التي تشهد مشتريات بحرية متعاظمة هي الإمارات العربية المتحدة، التي استحوذت على سفينتي قتال سطحي وسفينة برمائية جديدة. قال والدوين إنها تستخدم «لتعزيز العمليات في اليمن وكذلك القواعد الإماراتية في أفريقيا» كحليف وثيق للمملكة العربية السعودية. كما أنها الدولة الوحيدة التي تقوم بتطوير قاعدتها الصناعية البحرية الخاصة من خلال شركة «أبو ظبي لبناء السفن» ADSB، وقامت الشركة ببناء ست فرقيطات من فئة «بينونة» للبحرية الإماراتية تم تسليمها في أوائل العام 2010 على الرغم من أنه لا يزال يتعين عليها الحصول على الأنظمة الرئيسية، والأنظمة الفرعية وأنظمة الأسلحة من الخارج.
أعلنت ADSB في أيار/مايو 2021 عن توقيع عقد بقيمة 952 مليون دولار أميركي (3.5 مليارات درهم إماراتي) مع الحكومة الإماراتية لبناء أربع سفن دورية بعيدة عن الشاطئ OPV فئة فلج-3 لصالح البحرية الإماراتية. ويرتكز تصميم هذه السفن على تصميم السفن الدورية فئة Fearless الخاص بشركة بناء السفن ST Engineering السنغافورية. وفازت هذه الشركة في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 بعقد فرعي من ADSB لتزويد التصميم، ومعدات المنصة والمساعدة التقنية على البرنامج.
وفي شباط/فبراير 2021، أكملت شركة بناء السفن الإماراتية الأخرى «الفتان غروب». تسليم السفينة اللوجستية «السعديات» L72 التي دخلت الخدمة في البحرية الإماراتية. وعلى الرغم من أنها تستند إلى سفينة إنزال، فإنها ستزود البحرية الإماراتية بالقدرة على إجراء عمليات استكشافية ودعم طموحات الإمارات الخارجية.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2021، أطلقت شركة بناء السفن «نافال غروب» NAVAL GROUP فرقيطة بني ياس، وهي الأولى من أصل فرقيطتي Gowind 2500 الجديدتين للبحرية الإماراتية. ومن المقرر إطلاق الفرقيطة الثانية خلال العام الحالي وسيتم تشغيل الفرقيطتين بفارق ستة أشهر الواحدة عن الأخرى. وثم توقيع عقد حيازة الفرقيطتين في العام 2019 وبلغت قيمته نحو 750 مليون يورو.
وفي دول أخرى من مجلس التعاون الخليجي كان هناك القليل من التطوير البحري في السنوات الأخيرة. وبذلت البحرية السلطانية العُمانية جهوداً لإعادة تعزيز قدرات أسطولها من خلال شراء ثلاث فرقيطات فئة الخريف من BAE Systems وأربع سفن دورية فئة الآفاق من ST Engineering في أوائل العام 2010 . وخُفّضت ميزانية مشترياتها الدفاعية في العام 2021. وقال والدوين إن مملكة البحرين والكويت لديهما أساطيل بحرية متواضعة شهدت تحديثاً محدوداً مؤخراً لأن الخدمات الأخرى تم منحها الأولوية.
وتستضيف مملكة البحرين الأسطول الخامس الأميركي في المنامة، ما يمنح هذه الدولة الجزيرة قدراً معيناً من الأمن البحري ما كانت لتمتلكه لولا هذه الاستضافة. ومع ذلك قامت البحرية الملكية البحرينية بتشغيل سفينة «الزبارة»، وهي سفينة دورية سابقة فئة River تابعة للبحرية البريطانية ودخلت الخدمة في شباط/فبراير 2021 جنباً الى جنب مع زورقي دورية سريعين طول الواحد 35 متراً من شركة بناء السفن SwiftShips الأميركية وخمسة زوارق دورية طراز MKV كانت تابعة سابقاً للبحرية الأميركية.
بالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في الحصول على غالبية منصاتها وأنظمتها البحرية من شركات في الولايات المتحدة وأوروبا، وستضمن هذه الشركات حصة الأسد من العقود المربحة. وقال والدوين إنه كانت هناك بعض المبيعات المتواضعة إلى دول مجلس التعاون الخليجي من خارج شبكة مورديها التقليدية الأميركية والأوروبية ولكن هذه المبيعات كانت تستند إلى العلاقات السياسية بدلاً من الفوز في المنافسات المفتوحة. وقد تنوع دول الخليج مورديها لكنها ستستمر في استيراد المنصات البحرية المتطورة في المستقبل القريب.
وأضاف والدوين أن الجهود المبذولة لتنمية صناعة الدفاع المحلية تتركز بشكل ملحوظ في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من خلال اتفاقيات الأوفست والمشاريع المشتركة، ما يعني على الأرجح بعض النمو في بناء السفن، وتصنيع الأنظمة الفرعية أو الثانوية وبالتالي زيادة القدرة بحلول نهاية العقد الحالي.
توم والدوين